٥١٠٦ - وَعَنْ حَارِثَةَ بْنِ وَهْبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ الْجَنَّةِ؟ كُلُّ ضَعِيفٍ مُتَضَعِّفٍ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ. أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ النَّارِ؟ كُلُّ عُتُلٍّ جَوَّاظٍ مُسْتَكْبِرٍ» ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَفِي رِوَايَةٍ: " كُلُّ جَوَّاظٍ زَنِيمٍ مُتَكَبِّرٍ ".
ــ
٥١٠٦ - (وَعَنْ حَارِثَةَ بْنِ وَهْبٍ) : ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ فِي الصَّحَابَةِ (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ الْجَنَّةِ؟ كُلُّ ضَعِيفٍ) : بِالرَّفْعِ عَلَى تَقْدِيرٍ هُوَ، وَفِي نُسْخَةٍ بِالْجَرِّ عَلَى الْبَدَلِيَّةِ. قَالَ شَارِحٌ: مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ النَّاسُ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَيْسَ بِمُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَرِينَتُهُ الْآتِيَةُ، فَالْحُكْمُ كُلِّيٌّ لَا غَالِبِيٌّ عَلَى مَا سَيَجِيءُ وَقَوْلُهُ: (مُتَضَعِّفٍ) : بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَيُكْسَرُ مِنْ بَابِ التَّأْكِيدِ كَجُنُودٍ مُجَنَّدَةٍ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ وَظِلٍّ ظَلِيلٍ، وَفَائِدَةُ التَّاءِ الْمَوْضُوعِ لِلطَّلَبِ أَنَّ الضَّعْفَ الْحَاصِلَ فِيهِ كَأَنَّ مَطْلُوبٌ مِنْهُ التَّذَلُّلَ وَالتَّوَاضُعَ، مَعَ إِخْوَانِهِ وَإِنْ كَانَ قَوِيًّا مُتَرَجِّلًا مَعَ أَعْدَائِهِ. قَالَ تَعَالَى: {أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} [الفتح: ٢٩] فَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ كُلَّ مَنْ كَثُرَ تَوَاضُعُهُ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ يَكُونُ أَعْلَى مَرَاتِبِ الْمُقَرَّبِينَ، كَمَا أَنَّ مَنْ يَكُونُ أَكْثَرَ تَكَبُّرًا وَتَجَبُّرًا يَكُونُ فِي أَسْفَلِ السَّافِلِينَ.
وَقَالَ النَّوَوِيُّ: ضَبَطُوهُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَكَسْرِهَا، وَالْمَشْهُورُ الْفَتْحُ، وَمَعْنَاهُ يَسْتَضْعِفُهُ النَّاسُ وَيَحْتَقِرُونَهُ وَيَتَجَرَّأُونَ عَلَيْهِ لِضَعْفِ حَالِهِ فِي الدُّنْيَا، يُقَالُ: تَضَعَّفَهُ وَاسْتَضْعَفَهُ، وَأَمَّا عَلَى الْكَسْرِ فَمَعْنَاهُ مُتَوَاضِعٌ مُتَذَلِّلٌ خَامِلٌ وَاضِعٌ مِنْ نَفْسِهِ، وَالْمُرَادُ أَنَّ أَغْلَبَ أَهْلِ الْجَنَّةِ هَؤُلَاءِ، كَمَا أَنَّ مُعْظَمَ أَهْلِ النَّارِ الْقِسْمُ الْأَخِيرُ (لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ) أَيْ: فِي فِعْلٍ أَوْ تَرْكٍ (لَأَبَرَّهُ) أَيْ: لَأَمْضَاهُ عَلَى الصِّدْقِ وَجَعَلَهُ بَارًّا غَيْرَ حَانِثٍ فِي طَلَبِهِ مِنَ الْحَقِّ. وَقَالَ الطِّيبِيُّ: أَيْ لَوْ حَلَفَ يَمِينًا طَمَعًا فِي كَرَمِ اللَّهِ بِإِبْرَارِهِ لَأَبَرَّهُ (أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ النَّارِ؟ كُلُّ عُتُلٍّ) : بِضَمَّتَيْنِ فَتَشْدِيدٌ أَيْ: جَافٍ شَدِيدُ الْخُصُومَةِ بِالْبَاطِلِ، وَقِيلَ: الْجَافِي الْفَظُّ الْغَلِيظُ (جَوَّاظٍ) : بِتَشْدِيدِ الْوَاوِ أَيْ: جَمُوعٍ مَنُوعٍ أَوْ مُخْتَالٍ، وَقِيلَ: السَّمِينُ مِنَ التَّنْعِيمِ، وَقِيلَ: الْفَاجِرُ بِالْجِيمِ، وَقِيلَ: بِالْخَاءِ (مُسْتَكْبِرٍ) أَيْ: مُتَكَبِّرٍ عَنِ الْحَقِّ أَوْ عَلَى أَهْلِهِ (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) : وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ مُعَاذٍ وَلَفْظُهُ: " «أَلَا أُخْبِرُكُمْ عَنْ مُلُوكِ الْجَنَّةِ رَجُلٌ ضَعِيفٌ مُسْتَضْعَفٌ ذُو طِمْرَيْنِ لَا يَؤُبَّهُ لَهُ، لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ» " وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ بِلَفْظِ: " «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ النَّارِ، كُلُّ جَعْظَرِيِّ جَوَّاظٍ مُسْتَكْبِرٍ جَمَّاعٍ مَنُوعٍ، أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ الْجَنَّةِ، كُلُّ مِسْكِينٍ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ» ".
وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: (كُلُّ جَوَّاظٍ زَنِيمٍ مُتَكَبِّرٍ) : وَالزَّنِيمُ: الدَّعِيُّ فِي النَّسَبِ الْمُلْصَقِ بِالْقَوْمِ وَلَيْسَ مِنْهُمْ تَشْبِيهًا لَهُ بِالزَّنَمَةِ وَهِيَ شَيْءٌ يُقْطَعُ مِنْ أُذُنِ الشَّاهِ وَيُتْرَكُ مُعَلَّقًا بِهَا ذَكَرُهُ الطِّيبِيُّ، وَهُوَ الْمُنَاسِبُ لِلْآيَةِ الْوَارِدَةِ فِي حَقِّ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةَ وَأَضْرَابِهِ، وَأَمَّا الْحَدِيثُ فَيَنْبَغِي أَنْ يُفَسَّرَ بِالْمَعْنَى الْأَعَمِّ وَهُوَ اللَّئِيمُ الْمَعْرُوفُ بِلُؤْمِهِ أَوْ شَرِّهِ عَلَى مَا فِي الْقَامُوسِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الزَّنِيمُ كِنَايَةً عَنْ هَذَا الْوَصْفِ، فَإِنَّهُ لَازَمَهُ غَالِبًا، وَقَدْ وَرَدَ فِي حَدِيثٍ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: ( «وَلَدُ الزِّنَا شَرُّ الثَّلَاثَةِ» ) ، وَفِي رِوَايَةٍ: إِذَا عَمِلَ بِعَمَلِ أَبَوَيْهِ، وَأَمَّا حَدِيثُ ( «وَلَدُ الزِّنَا لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ» ) فَلَا أَصْلَ لَهُ أَصْلًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute