٥١٠٩ - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ ". وَفِي رِوَايَةٍ: " وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ: شَيْخٌ زَانٍ، وَمَلِكٌ كَذَّابٌ، وَعَائِلٌ مُسْتَكْبِرٌ» ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
ــ
٥١٠٩ - (وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (ثَلَاثَةٌ) أَيْ: أَشْخَاصٌ (لَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ) أَيْ: كَلَامَ رِضًا أَوْ مُطْلَقًا (يَوْمَ الْقِيَامَةِ) أَيْ: وَقْتَ ظُهُورِ عَدْلِهِ وَفَضْلِهِ وَغَضَبِهِ وَرِضَاهُ (وَلَا يُزَكِّيهِمْ) أَيْ: لَا يُثْنِي عَلَيْهِمْ بِخِلَافِ سَائِرِ الْمُؤْمِنِينَ، أَوْ لَا يُطَهِّرُهُمْ مِنْ دَنَسِ الذُّنُوبِ بِالْعَفْوِ عَنْهُمْ (وَفِي رِوَايَةٍ) : بَدَلًا عَمَّا قَبْلَهُ أَوْ زِيَادَةً عَلَيْهِ وَهُوَ الظَّاهِرُ (وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ) أَيْ: نَظَرَ لُطْفٍ وَعِنَايَةٍ وَرَحْمَةٍ وَرِعَايَةٍ (وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) : يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ تَتِمَّةِ الرِّوَايَةِ، وَأَنْ يَكُونَ عَوْدًا إِلَى أَصْلِ الْحَدِيثِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ كَقَوْلِهِ: (شَيْخٌ زَانٍ) : لِأَنَّ الزِّنَا إِذَا كَانَ قَبِيحًا مِنَ الشَّابِّ مَعَ كَوْنِهِ مَعْذُورًا طَبْعًا، فَمِنَ الشَّيْخِ الْمُنْطَفِئِ شَهْوَتُهُ الْمُنْتَفِي غُلْمَتُهُ يَكُونُ أَقْبَحَ، وَفِي نَظَرِ الْعَقْلِ أَسْمَجَ (وَمَلِكٌ كَذَّابٌ) أَيْ: كَثِيرُ كَذِبٍ أَوْ ذُو كَذِبٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الصِّيغَةَ لِلْمُبَالَغَةِ، أَوِ النِّسْبَةِ، وَالثَّانِي أَبْلَغُ (وَعَائِلٌ مُسْتَكْبِرٌ) أَيْ: فَقِيرٌ مُتَكَبِّرٌ، لِأَنَّ كِبْرًا مَعَ انْعِدَامِ سَبَبِهِ فِيهِ مِنَ الْجَاهِ وَالْمَالِ يَدُلُّ عَلَى كَوْنِهِ بِالطَّبْعِ ذَمِيمًا فِي الشَّرْعِ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالْعَائِلِ ذُو الْعِيَالِ، فَتَكَبُّرُهُ عَنْ أَخْذِ الصَّدَقَةِ قَدْرَ مَا يَسُدُّ خَلَّتَهُ وَخَلَّةَ عِيَالِهِ لَمْ يَكُنْ إِلَّا لِاسْتِيلَاءِ هَذِهِ الرَّذِيلَةِ عَلَيْهِ، بِحَيْثُ يَلْحَقُهُ وَعِيَالَهُ الضَّرَرُ الشَّدِيدُ مِنْ تَكَبُّرِهِ. قَالَ الطِّيبِيُّ: يَعْنِي الزِّنَا قَبِيحٌ وَمِنَ الشَّيْخِ أَقْبَحُ وَالْكَذِبُ سَمِجٌ، وَمِنَ الْمَلِكِ أَسْمَجُ، وَالتَّكَبُّرُ مَذْمُومٌ وَمِنَ الْفَقِيرِ أَذَمُّ اهـ.
وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: الْمُرَادُ بِالشَّيْخِ الْمُحْصَنُ سَوَاءٌ يَكُونُ شَابًّا أَوْ لَا. وَلِكَوْنِ الزِّنَا أَقْبَحَ مِنْهُ شَرْعًا وَعُرْفًا وَجَبَ فِيهِ الرَّجْمُ كَمَا فِي الْآيَةِ الْمَنْسُوخَةِ: الشَّيْخُ وَالشَّيْخَةُ إِذَا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا أَلْبَتَّةَ نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهِ عَزِيزُ حَكِيمُ، وَالْمُرَادُ بِالْمَلِكِ الْغَنِيُّ، فَإِنَّ الْفَقِيرَ قَدْ يَكْذِبُ لِغَرَضٍ فَاسِدٍ مِنْ مَنْفَعَةٍ دُنْيَوِيَّةٍ ضَرُورِيَّةٍ، وَالْغَنِيُّ لَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ مُطْلَقًا. فَالْكَذِبُ مِنْهُ أَقْبَحُ، وَالْمُرَادُ بِالْفَقِيرِ الَّذِي يَتَكَبَّرُ عَلَى الْفُقَرَاءِ ; لِأَنَّ التَّكَبُّرَ عَلَى الْمُتَكَبِّرِينَ مِنَ الْأَغْنِيَاءِ صَدَقَةٌ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْفَقِيرُ الْمُتَكَبِّرُ عَنِ الْكَسْبِ وَالْكَدِّ لِنَفْسِهِ وَعِيَالِهِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ، كَمَا هُوَ مُشَاهَدٌ فِي أَهْلِ زَمَانِنَا، وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا التَّكَبُّرَ الْمُتَضَمِّنَ لِلرُّعُونَةِ وَالرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةِ مَعَ إِضْرَارِ النَّفْسِ، وَارْتِكَابِ السُّؤَالِ، وَأَخْذِ الْمَالِ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ حَلَالٍ أَقْبَحُ مِنْ تَكَبُّرِ الْأَغْنِيَاءِ، لَا سِيَّمَا إِذَا كَانَ يَتَكَلَّفُ وَيَتَزَيَّا بِزِيِّ الْأَكَابِرِ، كَبَعْضِ الْفُقَهَاءِ الْقَائِلِينَ، بِأَنَّ الْحَلَالَ مَا حَلَّ بِنَا وَأَنَّ الْحَرَامَ مَا حَرَّمْنَا، فَإِنَّ الْعِلَلَ الْمُرَكَّبَةَ دَاءٌ عُضَالٌ يَعْجِزُ عَنْهُ الْحُكَمَاءُ وَإِنْ بَلَغُوا مَبْلَغَ الْكَمَالِ. (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) : وَفِي الْجَامِعِ بِلَفْظِ: " «ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ: شَيْخٌ زَانٍ، وَمَلِكٌ كَذَّابٌ، وَعَائِلٌ مُسْتَكْبِرٌ» ".
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute