٥١١٠ - وَعَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: الْكِبْرَيَاءُ رِدَائِي، وَالْعَظَمَةُ إِزَارِي، فَمَنْ نَازَعَنِي وَاحِدًا مِنْهُمَا أَدْخَلْتُهُ النَّارَ ". وَفِي رِوَايَةٍ: " قَذَفْتُهُ فِي النَّارِ» ؟ رَوَاهُ مُسْلِمٌ
ــ
٥١١٠ - (وَعَنْهُ) أَيْ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: (الْكِبْرِيَاءُ) أَيِ: الذَّاتِيُّ (رِدَائِي) أَيْ: بِمَنْزِلَتِهِ عِنْدَكُمْ (وَالْعَظْمَةُ) أَيِ: الصِّفَاتِيُّ (إِزَارِي) أَيْ: فِي مَرْتَبَتِهِ لَدَيْكُمْ، فَإِنَّ رُتْبَةَ الصِّفَةِ دُونَ رُتْبَةِ الذَّاتِ، وَلِذَا خُصَّ التَّكْبِيرُ بِكَوْنِهِ تَحْرِيمَةً لِلصَّلَاةِ فِي الْقِيَامِ لِلَّهِ تَعَالَى، وَالتَّعْظِيمُ بِالرُّكُوعِ الْمَنْدُوبِ فِيهِ سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ، وَمِنْهُ التَّعْظِيمُ لِأَمْرِ اللَّهِ وَحَقِيقَتُهُ تَرْكُ الِاشْتِغَالِ بِمَا سِوَاهُ، فَالتَّرْكِيبُ نَوْعٌ مِنَ التَّشْبِيهِ الْبَلِيغِ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُمَا مُخْتَصَّانِ بِيَ اخْتِصَاصًا ظَاهِرًا كَنِسْبَةِ الثَّوْبَيْنِ إِلَيْكُمْ حَيْثُ لَا يُمْكِنُ الْمُنَازَعَةُ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِأَحَدٍ عَلَيْكُمْ، فَإِذَا عَرَفْتُمْ ذَلِكَ وَعَلِمْتُمْ مَا هُنَالِكَ. (فَمَنْ نَازَعَنِي وَاحِدًا مِنْهُمَا) أَيْ: مِنَ الْوَصْفَيْنِ بِأَنْ تَكَبَّرَ بِاعْتِبَارِ ذَاتِهِ، أَوْ تَعْظِيمٍ مِنْ حَيْثِيَّةِ صِفَاتِهِ وَأَرَادَ نَوْعًا مِنَ الْمُشَارَكَةِ مَعِي فِي نُعُوتِ ذَاتِي وَصِفَاتِي (أَدْخَلْتُهُ النَّارَ) أَيْ: نَارَ الْعَذَابِ وَعِقَابَ الْحِجَابِ، فَإِنَّهُ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ وَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ.
وَفِي رِوَايَةٍ: (قَذَفْتُهُ) أَيْ: رَمَيْتُهُ مِنْ غَيْرِ مُبَالَاةٍ بِهِ (فِي النَّارِ) : هَذَا مُجْمَلُ الْمَرَامِ فِي هَذَا الْمَقَامِ، وَأَمَّا تَفْصِيلُهُ فَفِي النِّهَايَةِ: الْكِبْرِيَاءُ وَالْعَظَمَةُ وَالْمُلْكُ وَقِيلَ: هِيَ عِبَارَةٌ عَنْ كَمَالِ الذَّاتِ وَكَمَالِ الْوُجُودِ، وَلَا يُوصَفُ بِهِمَا إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى، وَهُوَ مِنَ الْكِبْرِ بِالْكَسْرِ وَهُوَ الْعَظَمَةُ وَيُقَالُ: كَبُرَ بِالضَّمِّ يَكْبُرُ أَيْ: عَظُمَ فَهُوَ كَبِيرٌ اهـ. وَقِيلَ: إِنَّ الْكِبْرِيَاءَ وَالْعَظَمَةَ أَلْفَاظٌ مُتَرَادِفَةٌ مُتَّحِدَةُ الْمَعْنَى، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ مُعْظَمُهُمْ لِلْفَرْقِ، وَلَا بُدَّ مِنَ الْفَرْقِ إِذِ الْأَصْلُ عَدَمُ التَّرَادُفِ، وَلِمَا يَقْتَضِيهِ الْمَقَامُ مِنَ الْفَرْقِ فِي مَرْتَبَةِ الْجَمْعِ.
قَالَ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ الرَّازِيُّ: جُعِلَ الْكِبْرِيَاءُ قَائِمًا مَقَامَ الرِّدَاءِ، وَالْعَظْمَةُ قَائِمَةً مَقَامَ الْإِزَارِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الرِّدَاءَ أَرْفَعُ دَرَجَةً مِنَ الْإِزَارِ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ صِفَةُ الْكِبْرِيَاءِ أَرْفَعَ حَالًا مِنْ صِفَةِ الْعَظَمَةِ، ثُمَّ قَالَ: يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ مُتَكَبِّرًا فِي ذَاتِهِ سَوَاءٌ اسْتَكْبَرَهُ غَيْرُهُ أَمْ لَا. وَسَوَاءٌ عَرَفَ هَذِهِ الصِّفَةَ أَحَدٌ أَمْ لَا. وَأَمَّا الْعَظَمَةُ فَهِيَ عِبَارَةٌ عَنْ كَوْنِهِ بِحَيْثُ يَسْتَعْظِمُهُ غَيْرُهُ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَتِ الصِّفَةُ الْأَوْلَى ذَاتِيَّةً، وَالثَّانِيَةُ إِضَافِيَّةً، وَالذَّاتِيُّ أَعْلَى مِنَ الْإِضَافِيِّ اهـ.
وَأَطْنَبَ الطِّيبِيُّ فِي تَوْجِيهِ قَوْلِ الْفَخْرِ وَتَوْضِيحِهِ، ثُمَّ قَالَ: وَقَدْ عَرَفْتُ مَا قِيلَ أَنَّ الْكِبْرَ هُوَ الْإِعْرَاضُ عَنِ الْحَقِّ وَتَحْقِيرِ النَّاسِ، فَالتَّوَاضُعُ هُوَ الْإِذْعَانُ لِلْحَقِّ وَتَوْقِيرُ النَّاسِ، وَهُوَ الْمَعْنِيُّ بِقَوْلِهِ: التَّعْظِيمُ لِأَمْرِ اللَّهِ وَالشَّفَقَةُ عَلَى خَلْقِ اللَّهِ، فَالْمَعْنَى مَنْ تَكَبَّرَ عَلَى اللَّهِ وَعَلَى الْخَلْقِ ابْتَلَاهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الدُّنْيَا بِالذُّلِّ وَالْهَوَانِ، وَفِي الْآخِرَةِ بِقَذْفِهِ فِي أَقْصَى دَرَكَاتِ النِّيرَانِ، وَمَنْ تَوَاضَعَ لِلَّهِ مَعَ الْخَلْقِ رَفَعَ اللَّهُ دَرَجَتَهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) : وَكَذَا أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَابْنُ مَاجَهْ أَيْضًا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مُخْتَصَرًا بِلَفْظِ: ( «الْكِبْرِيَاءُ رِدَائِي فَمَنْ نَازَعَنِي رِدَائِي قَصَمْتُهُ» ) : وَرَوَاهُ سَمُّوَيْهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ ( «الْكِبْرِيَاءُ رِدَائِي وَالْعِزُّ إِزَارِي مَنْ نَازَعَنِي فِي شَيْءٍ مِنْهُمَا عَذَّبْتُهُ» ) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute