مُقْتَضَيَاتِ الْعَبْدِيَّةِ، وَلَا مِنْ نُعُوتِ الْعُبُودِيَّةِ (عَبْدٌ تَخَيَّلَ) أَيْ: تَكَبَّرَ وَتَجَبَّرَ (وَاخْتَالَ) أَيْ: تَمَايَلَ وَتَبَخْتَرَ مِنَ الْخُيَلَاءِ وَهُوَ الْكِبَرُ وَالْعُجْبُ بِالْجَاهِ وَالْمَالِ وَالْجِمَالِ وَالْعُلُومِ وَالْأَعْمَالِ وَالْأَحْوَالِ. وَتَوَهَّمَ الْكَمَالَ، حَيْثُ يُخَيَّلُ لَهُ أَنَّهُ وَصَلَ إِلَى الْكَمَالِ. قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ أَيْ: تَخَيَّلَ لَهُ أَنَّهُ خَيْرٌ مِنْ غَيْرِهِ وَاحْتَالَ أَيْ: تَكَبَّرَ (وَنَسْيَ الْكَبِيرَ الْمُتَعَالِ) : بِحَذْفِ الْيَاءِ مُرَاعَاةً لِلْفَاصِلَةِ وَهُوَ لُغَةٌ فِي الْمَنْقُوصِ الْمُعَرَّفِ، وَعَلَيْهِ قِرَاءَةُ الْجُمْهُورِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ} [الرعد: ٩] وَأَثْبَتَهُ ابْنُ كَثِيرٍ فِي الْحَالَيْنِ، وَمَعْنَى الْكَبِيرِ عَلِيُّ الشَّأْنِ جَلِيُّ الْبُرْهَانِ، وَالْمُتَعَالِي أَيْ: عَنِ الْأَشْبَاهِ وَالْأَضْدَادِ وَالْأَنْدَادِ أَيْ: نَسِيَ أَنَّ الْكِبْرِيَاءَ وَالتَّعَالِي لَيْسَ إِلَّا لِلَّهِ تَعَالَى أَوْ نَسِيَ مُحَاسَبَتَهُ وَمُعَاتَبَتَهُ وَمُعَاقَبَتَهُ فِي الْعُقْبَى، حَيْثُ لَمْ يُرَاعِ مُرَاقَبَتَهُ فِي الدُّنْيَا بِالتَّقْوَى (بِئْسَ الْعَبْدُ عَبْدٌ تَجَبَّرَ) أَيْ: قَهَرَ عَلَى الْمَظْلُومِينَ (وَاعْتَدَى) أَيْ: تَجَاوَزَ قَدْرَهُ وَمَا رَاعَى حُكْمَ رَبِّهِ وَأَمْرَهُ. (وَنَسِيَ الْجَبَّارَ الْأَعْلَى) أَيِ: الْقَهَّارَ الَّذِي فَوْقَ عِبَادِهِ الْغَالِبَ عَلَى أَمْرِهِ (بِئْسَ الْعَبْدُ عَبْدٌ سَهَى وَلَهَى) : حَقُّهُمَا أَنْ يُكْتَبَا بِالْأَلْفِ لِأَنَّهُمَا وَاوِيَّانِ مَأْخُوذَانِ مِنَ السَّهْوِ وَاللَّهْوِ، وَفِي كَثِيرٍ مِنَ النُّسَخِ بِالْيَاءِ، فَلَعَلَّهُ لِلْمُشَاكَلَةِ اللَّفْظِيَّةِ فِي الْفَوَاصِلِ السَّجْعِيَّةِ، وَمَعْنَى سَهَا أَيْ: صَارَ غَافِلًا عَنِ الْحَقِّ وَالطَّاعَةِ وَإِلَّا فَسَائِرُ الْأَنْبِيَاءِ وَعَامَّةُ الصُّلَحَاءِ قَدْ سَهَوْا وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ - الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ} [الماعون: ٤ - ٥] قَالَ بَعْضُ الْعَارِفِينَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ لَمْ يُقِلْ فِي صَلَاتِهِمْ وَإِلَّا كَانَ لَهُمُ الْوَيْلُ كُلَّ الْوَيْلِ عَلَى الْكُلِّ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلِ، وَلَهَا أَيِ: اشْتَغَلَ بِاللَّهْوِ وَاللَّعِبِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} [التكاثر: ١] وَخُلَاصَتُهُمَا أَنَّهُ سَهَا عَنْ أُمُورِ الدِّينِ الرَّضِيَّةِ وَلَهَا بِأَمْرِ الدُّنْيَا الدَّنِيَّةِ (وَنَسِيَ الْمَقَابِرَ) أَيْ: أَهْلَهَا بِالتَّذَكُّرِ وَالْعِبْرَةِ بِهِمْ أَوْ بِذِكْرِهِمْ عَلَى سَبِيلِ الرَّحْمَةِ وَزِيَارَتِهِمْ، وَذِكْرُ الْمَقَابِرِ كِنَايَةٌ عَنِ الْمَعْنَى أَيْ: نَسِيَ الْمَوْتَ بِعَدَمِ الِاسْتِعْدَادِ لَهُ، وَكَفَى بِالْمَوْتِ وَاعِظًا، أَوْ نَسِيَ مَرْجِعَ الْأَحْيَاءِ مِنْ أَمَاكِنِ الْأَمْوَاتِ، وَمَا يَحْصُلُ لَهُمْ فِيهَا مِنَ الْوَحْشَةِ وَالظُّلْمَةِ وَالْغُرْبَةِ وَالضِّيقِ وَغَيْرِهَا مِمَّا يَعْسُرُ ضَبْطُهَا وَحَصْرُهَا. (وَالْبِلَى) : بِكَسْرِ الْمُوَحِّدَةِ وَهُوَ تَفَتُّتُ الْأَعْضَاءِ وَتَشَتُّتُ الْأَجْزَاءِ إِلَى أَنْ تَصِيرَ رَمِيمًا وَرُفَاتًا (بِئْسَ الْعَبْدُ عَبْدٌ عَتَا) : مِنَ الْعُتُوِّ أَيْ: أَفْسَدَ (وَطَغَى) : مِنَ الطُّغْيَانِ أَيْ: تَجَاوَزَ عَنِ الْحَدِّ، وَقِيَامُ مَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ وَأَتَى بِهِمَا تَأْكِيدًا أَوِ الثَّانِي تَفْسِيرًا وَأَتَى بِهِ لِلْفَاصِلَةِ (وَنَسِيَ الْمُبْتَدَأَ وَالْمُنْتَهَى) : بِصِيغَةِ الْمَفْعُولِ. قَالَ الْأَشْرَفُ أَيْ: نَسِيَ ابْتِدَاءَ خَلَقِهِ وَهُوَ كَوْنُهُ نُطْفَةً وَانْتِهَاءَ حَالِهِ الَّذِي يَؤُولُ إِلَيْهِ وَهُوَ صَيْرُورَتُهُ تُرَابًا أَيْ: مَنْ كَانَ ذَلِكَ ابْتِدَاءَهُ، وَيَكُونُ انْتِهَاؤُهُ، هَذَا جَدِيرٌ بِأَنْ يُطِيعَ اللَّهَ تَعَالَى فِيمَا بَيْنَهُمَا، وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِهِمَا اللَّهُ أَيْ نَسِيَ الْذِي صَدَرَ ابْتِدَاءُ وَجُودِهِ مِنْهُ، وَلَا بُدَّ مِنَ انْتِهَاءِ رُجُوعِهِ إِلَيْهِ فَتَرَكَ مُرَاعَاةَ أَمْرِهِ أَوَّلًا وَمُحَافَظَةَ نَهْيِهِ آخِرًا (بِئْسَ الْعَبْدُ عَبْدٌ يَخْتِلُ) : بِكَسْرِ التَّاءِ أَيْ: يَطْلُبُ (الدُّنْيَا بِالدِّينِ) أَيْ: بِعَمَلِ الْآخِرَةِ مِنْ خَتَلَهُ إِذَا خَدَعَهُ كَذَا فِي النِّهَايَةِ، وَالْمَعْنَى لَمْ يَخْدَعْ أَهْلَ الدُّنْيَا بِعَمَلِ الصُّلَحَاءِ لِيَعْتَقِدُوا فِيهِ، وَيَنَالَ مِنْهُمْ مَالًا أَوْ جَاهًا مِنْ خَتَلَ الذِّئْبُ لِصَيْدٍ خَدَعَهُ وَخَفَى لَهُ. قَالَ الْقَاضِي: خَتَلَ الصَّائِدُ إِذَا مَشَى الصَّيْدُ قَلِيلًا قَلِيلًا، لِئَلَّا يُحِسَّ بِهِ، شَبَّهَ فِعْلَ مَنْ يُرَى وَرِعًا وَدَيِّنًا لِيَتَوَسَّلَ إِلَى الْمَطَالِبِ الدُّنْيَوِيَّةِ بِخَتْلِ الذِّئْبِ الصَّائِدَ. (بِئْسَ الْعَبْدُ عَبْدٌ يَخْتِلُ الدَّيْنَ) أَيْ: يُفْسِدُهُ (بِالشُّبَهَاتِ) : بِضَمَّتَيْنِ وَبِفَتْحِ الثَّانِيَةِ (بِئْسَ الْعَبْدُ عَبْدٌ طَمَعٌ) أَيْ: لَهُ طَمَعٌ أَوْ ذُو طَمَعٍ، أَوْ وُصِفَ بِالْمَصْدَرِ مُبَالَغَةً، وَلَوْ قُرِئَ بِإِضَافَةِ الْعَبْدِ لَاسْتَقَامَ مِنْ غَيْرِ تَكَلُّفٍ وَقَوْلُهُ: (يَقُودُهُ) أَيْ: يَسْحَبُهُ الطَّمَعُ عَنْ وُجْهَةِ الْمَوْلَى إِلَى جِهَةِ السَّوِيِّ، وَمِنَ الْغَرَائِبِ مَا حُكِيَ عَنِ السَّيِّدِ الشَّاذِلِيِّ قُدِّسَ سِرُّهُ: أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ عِلْمِ الْكِيمْيَاءِ؟ فَقَالَ: هُوَ كَلِمَتَانِ: اطْرَحِ الْخَلْقَ عَنْ نَظَرِكَ، وَاقْطَعْ طَمَعَكَ عَنِ الْحَقِّ أَنْ يُعْطِيَكَ غَيْرَ مَا قَسَمَ لَكَ، وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ حَدِيثُ الْقَنَاعَةِ مَالٌ لَا يَمُدُّ عَلَى مَا رَوَاهُ الْقُضَاعِيُّ عَنْ أَنَسٍ (بِئْسَ الْعَبْدُ عَبْدٌ هَوًى يُضِلُّهُ) : قَالَ الْأَشْرَفُ: كَأَنَّهُ مِنْ كَثْرَةِ الطَّمَعِ وَالْهَوَى اللَّازِمَيْنِ لِلْعَبْدِ وَشِدَّةِ اتْصَالِهِمَا بِهِ أَطْلَقَ نَفْسَ الطَّمَعِ وَالْهَوَى عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَا قَائِمَيْنِ بِهِ، وَتَقْدِيرُهُ ذُو طَمَعٍ يَقُودُهُ وَذُو هَوًى يُضِلُّهُ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ قَوْلُهُ (طَمَعٌ) فَاعِلُ (يَقُودُهُ) (وَهَوًى) فَاعِلُ (يُضِلُّهُ) مُقَدَّمَيْنِ عَلَى فِعْلِهِمَا عَلَى مَذْهَبِ الْكُوفِيِّينَ، وَقَالَ الشَّاعِرُ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute