صَدَدْتَ فَأَطْوَلْتَ الصُّدُودَ وَقَلَّمَا ... وِصَالٌ عَلَى طُولِ الصُّدُودِ يَدُومُ
أَيْ: قَلَّمَا يَدُومُ وِصَالٌ عَلَى الصُّدُودِ، وَقَالَ الطِّيبِيُّ: الْوَجْهُ الثَّانِي أَقْرَبُ مِنَ الْأَوَّلِ لِمَا يَلْزَمُ مِنْهُ وَصْفُ الْوَصْفِ، لِأَنَّ قَوْلَهُ: يَقُودُهُ عَلَى هَذَا صِفَةُ طَمَعٍ وَهُوَ صِفَةُ عَبْدٍ، وَالْأَشْبَهُ أَنْ يَكُونَ (طَمَعٌ) مُبْتَدَأً (وَيَقُودُهُ) خَبَرَهُ أَيْ: طَمَعٌ عَظِيمٌ يَقُودُهُ، نَحْوَ: شَرٌّ أَهِرٌّ ذَا نَابٍ، وَالْجُمْلَةُ صِفَةُ عَبْدٍ. قُلْتُ: هَذَا مُرَاعَاةٌ لِلْمَبْنَى وَغَفْلَةٌ عَنِ الْمَعْنَى، فَإِنَّ الذَّمَّ مُتَرَتِّبٌ عَلَى مُطْلَقِ الطَّمَعِ الَّذِي يَقُودُهُ إِلَى الْهَوَى، وَكَذَا حُكْمُ الْهَوَى عَلَى مَا لَا يَخْفَى. (بِئْسَ الْعَبْدُ عَبْدٌ رَغَبٌ) : بِضَمِّ الرَّاءِ وَفَتْحِهَا وَبِفَتَحَاتٍ فَفِي الْقَامُوسِ: رَغِبَ فِيهِ كَسَمِعَ رَغَبًا وَيُضَمُّ وَرَغْبَةً أَرَادَهُ، وَإِلَيْهِ رَغْبَةٌ مُحَرِّكَةٌ. وَفِي الْمَشَارِقِ الرَّغْبِ بِسُكُونِ الْغَيْنِ وَفَتْحِهَا وَبِضَمِّ الرَّاءِ وَفَتْحِهَا، وَفِي نُسْخَةٍ بِالْإِضَافَةِ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهَا الْقَاضِي كَمَا سَيَأْتِي، وَهُوَ يُؤَيِّدُ جَوَازَ كَوْنِهَا فِيمَا قَبْلَهَا مِنَ الْوَصْفَيْنِ أَيْضًا. وَقَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: هُوَ بِضَمِّ الرَّاءِ وَسُكُونِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ الشَّرَهُ وَالْحِرْصُ عَلَى الدُّنْيَا، وَقِيلَ: الرُّغْبُ سِعَةُ الْأَمَلِ وَطَلَبُ الْكَثِيرِ، وَيُرْوَى بِفَتْحِ الرَّاءِ بِمَعْنَى الرَّغْبَةِ فِي الدُّنْيَا وَقَوْلُهُ: (يُذِلُّهُ) أَيْ: يَجْعَلُهُ ذَلِيلًا. قَالَ الْإِمَامُ التُّورِبِشْتِيُّ: الرِّوَايَةُ عِنْدِي بِفَتْحِ الْغَيْنِ أَيْ: مَذَلَّةَ الرَّغْبَةِ فِي الدُّنْيَا، وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ: الرُّغْبُ بِضَمِّ الرَّاءِ وَهُوَ الشَّرَهُ، يُقَالُ: الرُّغْبُ شُؤْمٌ، وَلَعَلَّ الْأَصْلَ فِيهِ السِّعَةُ يُقَالُ: جَوْفٌ رَغِيبٌ أَيْ: وَاسِعٌ، فَكُنِّيَ بِهِ عَنِ الْحِرْصِ وَالشَّرَهِ، كَذَا ذَكَرَهُ شَارِحٌ، وُفِي الْقَامُوسُ: الرُّغُبُ بِضَمٍّ وَبِضَمَّتَيْنِ كَثْرَةُ الْأَكْلِ وَشِدَّةُ النَّهَمِ، وَفِعْلُهُ كَكَرُمَ فَهُوَ رَغِيبٌ كَكَرِيمٍ. قَالَ الْقَاضِي: لِإِضَافَةِ الْعَبْدِ لِلْإِهَانَةِ كَقَوْلِهِمْ: عَبُدُ الْبَطْنِ لِأَنَّ مَجَامِعَ هَمَّتِهُ وَاجْتِهَادِهِ مَقْصُورَةٌ عَلَيْهِ عَائِدَةٌ إِلَيْهِ اهـ.
وَلَا يَخْفَى أَنَّ تَكْرَارَ جُمْلَةِ الذَّمِّ فِي صَدْرِ الْجَمَلِ الْمَذْكُورَةِ وَالنُّعُوتِ الْمَسْطُورَةِ لِلْإِشْعَارِ بِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنَ الصِّفَاتِ مُسْتَقِلَّةٌ فِي اسْتِحْقَاقِ ذَمِّ فَاعِلِهَا، وَأَنَّ مُرَاعَاةَ السَّجْعِ. مِنْ غَيْرِ تَكَلُّفِ الطَّبْعِ غَيْرُ مَكْرُوهَةٍ فِي الشَّرْعِ. (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ وَقَالَا) أَيْ: كِلَاهُمَا (لَيْسَ إِسْنَادُهُ بِالْقَوِيِّ) : قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ: رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِإِسْنَادٍ لَهُ عَنْ هَاشِمِ بْنِ سَعِيدٍ الْكُوفِيِّ، وَقَدْ ذَكَرَهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي كِتَابِهِ وَقَالَ: عَامَّةُ مَا يَرْوِيهِ لَا يُتَابَعُ عَلَيْهِ. قُلْتُ: قَدْ وُجِدَ لِهَذَا الْحَدِيثِ مُتَابِعٌ، فَإِنَّهُ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ نُعَيْمِ بْنِ هَمَّازٍ، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ أَيْضًا فِي مُسْتَدْرَكِهِ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ، وَلَا شَكَ أَنَّ كَثْرَةَ الطُّرُقِ تُقَوِّي الضَّعِيفَ وَتَجْعَلُهُ حَسَنًا لِغَيْرِهِ، وَبِهِ يُتْمُ الْمَقْصُودُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. (وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ أَيْضًا) أَيْ: مَعَ قَوْلِهِ أَنَّهُ لَيْسَ بِقَوِيٍّ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) : وَأَنْتَ تَعْرِفُ أَنَّ الْغَرَابَةَ لَا تُنَافِي الصِّحَّةَ، وَالْحُسْنُ غَايَتُهُ أَنَّ الْحَدِيثَ ضَعِيفٌ، وَهُوَ يُعْمَلُ بِهِ فِي فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ اتِّفَاقًا، فَفِي الْمَوَاعِظِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ بِالْأَوْلَى.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute