٥١٢٥ - وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا مَرَّ بِالْحِجْرِ قَالَ: " لَا تَدْخُلُوا مَسَاكِنَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ إِلَّا أَنْ تَكُونُوا بَاكِينَ، أَنْ يُصِيبَكُمْ مَا أَصَابَهُمْ " ثُمَّ قَنَّعَ رَأْسَهُ وَأَسْرَعَ السَّيْرَ حَتَّى اجْتَازَ الْوَادِيَ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ــ
٥١٢٥ - (وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا مَرَّ) أَيْ: أَرَادَ الْمُرُورَ (بِالْحِجْرِ) بِكَسْرِ الْحَاءِ أَيْ: دِيَارِ ثَمُودَ قَوْمِ صَالِحٍ (قَالَ: لَا تَدْخُلُوا مَسَاكِنَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ) أَيْ: بِالْكُفْرِ (إِلَّا أَنْ تَكُونُوا بَاكِينَ، أَنْ يُصِيبَكُمْ) أَيْ: لِئَلَّا يُصِيبَكُمْ أَوْ مَخَافَةَ أَنْ يُصِيبَكُمْ (مَا أَصَابَهُمْ) أَيْ: نَوْعٌ مِنَ الْعَذَابِ أَيْ: مِثْلَ مَا أَصَابَهُمْ مِنَ الْعِقَابِ، إِذْ لَا يَخْلُو أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الذُّنُوبِ إِذَا شَدَّدَ عَلَيْهِ الْحِسَابَ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنْ يُصِيبَ مُنَافِقِيكُمْ عَيْنَ مَا أَصَابَهُمْ فَعَمَّمَ الْحُكْمَ بِالتَّخْوِيفِ تَسَتُّرًا عَلَيْهِمْ، (ثُمَّ قَنَّعَ رَأْسَهُ) : بِتَشْدِيدِ النُّونِ مُبَالَغَةً مِنَ الْإِقْنَاعِ أَيْ: أَطْرَقَ رَأْسَهُ، وَلَمْ يَلْتَفِتْ يَمِينًا وَشِمَالًا كَالْخَائِفِ لِئَلَّا يَقَعَ نَظَرُهُ عَلَى مَسَاكِنِهِمْ، أَوْ جَعَلَ قِنَاعَهُ عَلَى رَأْسِهِ شِبْهَ الطَّيْلَسَانِ. (وَأَسْرَعَ السَّيْرَ حَتَّى اجْتَازَ الْوَادِي) أَيْ: تَجَاوَزَهُ أَيْ: قَطَعَ عَرْضَهُ وَخَرَجَ عَنْ حَدِّهِ، وَإِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ تَعْلِيمًا لِلْأُمَّةِ لِيَقْتَدُوا بِهِ، وَجَمَعَ بَيْنَ الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ تَأْكِيدًا فِي الْقَضِيَّةِ، أَوْ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ فِي غَايَةٍ مِنَ الْخَشْيَةِ لِأَنَّهَا إِنَّمَا تَكُونُ عَلَى قَدْرِ الْمَعْرِفَةِ قَالَ تَعَالَى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر: ٢٨] وَقَدْ قَالَ: " «أَنَا أَعْلَمُكُمْ بِاللَّهِ وَأَخْشَاكُمْ لَهُ» " هَذَا مُجْمَلُ مَعْنَى الْحَدِيثِ وَأَمَّا تَفْصِيلُهُ، فَقَالَ التُّورِبِشْتِيُّ: الْحِجْرُ مَنَازِلُ ثَمُودَ، وَذَلِكَ فِي سَيْرِهِ إِلَى تَبُوكَ خَشِيَ عَلَى أَصْحَابِهِ أَنْ يَجْتَازُوا عَلَى تِلْكَ الدِّيَارِ سَاهِينَ غَيْرَ مُتَّعِظِينَ بِمَا أَصَابَ أَهْلَ تِلْكَ الدِّيَارِ، وَقَدْ أَمَرَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى بِالِانْتِبَاهِ وَالِاعْتِبَارِ فِي مِثْلِ تِلْكَ الْمَوَاطِنِ. قَالَ الْقَاضِي: وَلِذَلِكَ اسْتَثْنَى عَنِ النَّهْيِ وَأَنْ يُصِيبَكُمْ نُصِبَ عَلَى الْمَفْعُولِ لَهُ أَيْ: مَخَافَةَ أَنْ يُصِيبَكُمْ. قَالَ الطِّيبِيُّ: وَالْمَعْنَى لَا تَدْخُلُوا مَسَاكِنَهُمْ فِي حَالٍ مِنَ الْأَحْوَالِ إِلَّا حَالِ كَوْنِكُمْ بَاكِينَ. قَالَ الْخَطَّابِيُّ: مَعْنَاهُ الدَّاخِلُ فِي دَارِ قَوْمٍ أُهْلِكُوا بِخَسْفٍ أَوْ عَذَابٍ إِذَا لَمْ يَكُنْ بَاكِيًا إِمَّا شَفَقَةً عَلَيْهِمْ وَإِمَّا خَوْفًا مِنْ حُلُولِ مِثْلِهَا بِهِ كَانَ قَاسِيَ الْقَلْبِ قَلِيلَ الْخُشُوعِ فَلَا يَأْمَنُ إِذَا كَانَ هَكَذَا أَنْ يُصِيبَهُ مَا أَصَابَهُمُ اهـ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute