وَمَا أَصَابَ فِي قَوْلِهِ إِمَّا شَفَقَةً عَلَيْهِمْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ} [الحجر: ٨٨] وَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} [المائدة: ٢٦] قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ: وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ نَهَاهُمْ أَنْ يَشْرَبُوا مَاءَهَا وَكَانُوا قَدْ خَمَّرُوا بِهِ عَجِينَهُمْ، فَأَمْرَهُمْ أَنْ يَعْلِفُوهَا دَوَابَّهُمْ وَلَمْ يُرَخِّصْ لَهُمْ فِي الْأَكْلِ مِنْهَا. وَفِي شَرْحِ السُّنَّةِ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنَازِلَ هَؤُلَاءِ لَا تُتَّخَذُ سَكَنًا وَوَطَنًا لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ نَهَى عَنْ دُخُولِهَا إِلَّا مَعَ الْبُكَاءِ، فَالْمُتَوَطِّنُ يَكُونُ دَهْرُهُ بَاكِيًا. قُلْتُ: وَيُلَائِمُهُ ظَاهِرُ قَوْلِهِ تَعَالَى تَقْرِيعًا وَتَوْبِيخًا {وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ} [إبراهيم: ٤٥] ، وَفِيهِ تَنْبِيهٌ نَبِيهٌ عَلَى أَنَّ الْأَمَاكِنَ لَهَا تَأْثِيرٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ تَعَالَى بِالنِّسْبَةِ إِلَى سُكَّانِهَا مِحْنَةً وَمِنْحَةً كَمَا فِي الْأَزْمِنَةِ مِنْ مَوْسِمِ الطَّاعَاتِ وَسَاعَاتِ الْإِجَابَةِ، وَمِنْهُ مَا رُوِيَ: «أَنَّ لِلَّهِ فِي أَيَّامِ دَهْرِكُمْ نَفَحَاتٍ أَلَا فَتَعَرَّضُوا لَهَا» ، وَقَدْ تَقَدَّمَ «أَنَّ أَحَبَّ الْبِلَادِ إِلَى اللَّهِ الْمَسَاجِدُ، وَأَبْغَضَهَا الْأَسْوَاقُ» ، وَنَظِيرُ ذَلِكَ تَأْثِيرُ صُحْبَةِ الْأَخْيَارِ وَالْأَشْرَارِ عَلَى مَا وَرَدَ بِهِ الْأَخْبَارُ وَأَثَارُ الْأَبْرَارِ. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute