٣٩٨ - وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: " «رَجَعْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ حَتَّى إِذَا كُنَّا بِمَاءٍ بِالطَّرِيقِ عَجَّلَ قَوْمٌ عِنْدَ الْعَصْرِ فَتَوَضَّئُوا وَهُمْ عُجَّالٌ فَانْتَهَيْنَا بِهِمْ وَأَعْقَابُهُمْ تَلُوحُ لَمْ يَمَسَّهَا الْمَاءُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ، أَسْبِغُوا الْوُضُوءَ» ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
ــ
٣٩٨ - (وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو) بِالْوَاوِ (قَالَ: «رَجَعْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ، حَتَّى إِذَا كُنَّا» ) : أَيْ: صِرْنَا (بِمَاءٍ بِالطَّرِيقِ) : قَالَ الطِّيبِيُّ: الظَّرْفُ الْأَوَّلُ خَبَرُ كَانَ وَالثَّانِي صِفَةٌ أَيْ: إِذَا كُنَّا نَازِلِينَ بِمَاءٍ كَائِنٍ فِي طَرِيقِ مَكَّةَ ( «تَعَجَّلَ قَوْمٌ عِنْدَ الْعَصْرِ فَتَوَضَّئُوا وَهُمْ عُجَّالٌ» ) بِضَمِّ الْعَيْنِ وَتَشْدِيدِ الْجِيمِ جَمْعُ عَاجِلٍ كَجُهَّالٍ جَمْعُ جَاهِلٍ، وَفِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَتَخْفِيفِ الْجِيمِ جَمْعُ عَاجِلٍ كَقِيَامٍ جَمْعُ قَائِمٍ. قَالَ الطِّيبِيُّ: تَعَجَّلَ بِمَعْنَى اسْتَعْجَلَ يَعْنِي تَطَلَّبُوا تَعْجِيلَ الْوُضُوءِ عِنْدَ الْعَصْرِ فَتَوَضَّئُوا عَاجِلِينَ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّ مَعْنَاهُ اسْتَعْجَلُوا فِي السَّيْرِ وَتَقَدَّمُوا عَلَيْنَا عِنْدَ دُخُولِ الْعَصْرِ مُبَادَرَةً إِلَى الْوُضُوءِ فَتَوَضَّئُوا عَلَى الْعَجَلَةِ بِحُكْمِ ضِيقِ الْوَقْتِ مِنَ السَّفَرِ (فَانْتَهَيْنَا) : أَيْ: وَصَلْنَا (إِلَيْهِمْ وَأَعْقَابُهُمْ) : جَمْعُ عَقِبٍ (تَلُوحُ) : أَيْ: تَظْهَرُ يُبُوسَتُهَا جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ وَكَذَا (لَمْ يَمَسَّهَا الْمَاءُ) : جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ مُبَيِّنَةٌ لِتَلُوحُ (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " وَيْلٌ " فِي النِّهَايَةِ الْوَيْلُ الْخِزْيُ وَالْهَلَاكُ وَالْمَشَقَّةُ مِنَ الْعَذَابِ نَقَلَهُ الطِّيبِيُّ. وَقَالَ الْأَبْهَرِيُّ: جَازَ الِابْتِدَاءُ بِالنَّكِرَةِ لِأَنَّهُ دُعَاءٌ وَأَصَحُّ الْأَقْوَالِ فِي مَعْنَاهُ مَا رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ: وَادٍ فِي جَهَنَّمَ وَقِيلَ شِدَّةُ الْعَذَابِ، وَقِيلَ جَبَلٌ مِنْ قَيْحٍ وَدَمٍ وَقِيلَ كَلِمَةٌ يَقُولُهَا كُلُّ مَكْرُوبٍ وَأَصْلُهَا الْهَلَاكُ وَالْعَذَابُ، وَالْأَظْهَرُ حَمْلُهُ عَلَى الْأَصْلِ أَيْ: هَلَاكٌ عَظِيمٌ وَعِقَابٌ أَلِيمٌ " لِلْأَعْقَابِ: أَيْ: لِأَصْحَابِهَا " مِنَ النَّارِ ": قَالَ الطِّيبِيُّ: خُصَّ الْعَقِبُ بِالْعَذَابِ لِأَنَّهُ الْعُضْوُ الَّذِي لَمْ يُغْسَلْ فَالتَّعْرِيفُ لِلْعَهْدِ، وَقِيلَ: أَرَادَ صَاحِبَ الْعَقِبِ فَاللَّامُ لِلْعَهْدِ وَالْمُضَافُ مَحْذُوفٌ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُمْ مَا كَانُوا يَسْتَقْصُونَ عَلَى أَرْجُلِهِمْ فِي الْوُضُوءِ " أَسْبِغُوا الْوُضُوءَ " بِضَمِّ الْوَاوِ أَيْ: أَتِمُّوهُ بِإِتْيَانِ جَمِيعِ فَرَائِضِهِ وَسُنَنِهِ أَوْ أَكْمِلُوا وَاجِبَاتِهِ، وَلَوْ ثَبَتَ فَتْحُ الْوَاوِ لَكَانَ لَهُ وَجْهٌ وَجِيهٌ أَيْ: أَوْصِلُوا مَاءَ الْوُضُوءِ إِلَى الْأَعْضَاءِ بِطَرِيقِ الِاسْتِيعَابِ وَالِاسْتِقْصَاءِ، قِيلَ: لِأَنَّهُمْ كَانُوا حَدِيثِي عَهْدٍ بِالْإِسْلَامِ وَأَحْكَامِهِ، فَتَجَوَّزُوا أَيْ تَسَامَحُوا فِي غَسْلِ أَرْجُلِهِمْ لِجَهْلِهِمْ بِأَحْكَامِ الشَّرْعِ كَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْمَلَكِ، وَفِيهِ نَظَرٌ إِذِ الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا وَقَعَ حِينَ الْعَجَلَةِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِيعَابِ وَهُوَ الْمَنْقُولُ مِنْ فِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمِنْ فِعْلِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ. وَقَالَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ: ظَاهِرُهُ يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ خِلَافًا لِلشِّيعَةِ وَقِرَاءَةُ جَرِّ (أَرْجُلِكُمْ) تُعَارِضُهَا قِرَاءَةُ نَصْبِهِ، وَحَمْلُ الْجَرِّ عَلَى الْمُجَاوَرَةِ كَمَا فِي جُحْرِ ضَبٍّ خَرِبٍ وَمَاءِ شَنٍّ بَارِدٍ، وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى {عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ} [هود: ٢٦] ، {وَحُورٌ عِينٌ} [الواقعة: ٢٢] " أَوْلَى مِنْ حَمْلِ النَّصْبِ عَلَى مَحَلِّ الْمَجْرُورِ لِأَنَّهُ الْمُوَافِقُ لِلسُّنَّةِ الثَّابِتَةِ الشَّائِعَةِ فَيَجِبُ الْمَصِيرُ إِلَيْهِ. وَقَالَ الْإِمَامُ النَّوَوِيُّ: هَذَا الْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ وَأَنَّ الْمَسْحَ لَا يُجْزِئُ وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ فِي الْأَعْصَارِ وَالْأَمْصَارِ، وَقَالُوا: لَا يَجِبُ الْمَسْحُ عَلَى الْغَسْلِ وَهُوَ مَذْهَبُ دَاوُدَ، وَلَمْ يَثْبُتْ خِلَافُ هَذَا عَنْ أَحَدٍ يُعْتَدُّ بِهِ فِي الْإِجْمَاعِ وَأَيْضًا كُلُّ مَنْ وَصَفَ وُضُوءَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مَوَاضِعَ مُخْتَلِفَةٍ وَعَلَى صِفَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ مُتَّفِقُونَ عَلَى غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ اهـ. وَفَائِدَةُ الْجَرِّ مَا قَالَهُ صَاحِبُ الْكَشَّافِ مِنْ أَنَّ الْأَرْجُلَ مَظِنَّةُ الْإِفْرَاطِ فِي الصَّبِّ عَلَيْهَا. وَقَالَ ابْنُ حَاجِبٍ: عَطْفُ الْأَرْجُلِ عَلَى الرُّءُوسِ مَعَ إِرَادَةِ كَوْنِهَا مَغْسُولَةً مِنْ بَابِ الِاسْتِغْنَاءِ بِأَحَدِ الْفِعْلَيْنِ الْمُتَنَاسِبَيْنِ عَنِ الْآخَرِ كَقَوْلِهِ:
يَا لَيْتَ زَوْجَكِ قَدْ أَتَى ... مُتَقَلِّدًا سَيْفًا وَرُمْحًا
وَقَوْلِ الْآخَرِ:
عَلَفْتُهَا تِبْنًا وَمَاءً بَارِدًا
نَقَلَهُ الطِّيبِيُّ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: وَهُوَ أَظْهَرُ إِذِ الْقِرَاءَتَانِ مُجَمَلَتَانِ فِي الْآيَةِ يُبَيِّنُهُمَا فِعْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ حَيْثُ مَسَحَ حَالَ كَوْنِ الرِّجْلَيْنِ لَابِسَتَيِ الْخُفِّ، وَغَسَلَ حَالِ كَوْنِهِمَا عَارِيَتَيْنِ عَنِ الْخُفِّ مَعَ إِفَادَتِهِمَا التَّرْتِيبَ نَدْبًا أَوْ وُجُوبًا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) . وَأَصْلُهُ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ قَالَهُ ابْنُ حَجَرٍ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute