للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

(٢٢) بَابُ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ

الْفَصْلُ الْأَوَّلُ

٥١٣٧ - عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ» ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

ــ

٢٢ - بَابُ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ

وَفِي النِّهَايَةِ: الْمَعْرُوفُ اسْمٌ جَامِعٌ لِكُلِّ مَا عُرِفَ مِنْ طَاعَاتِ اللَّهِ تَعَالَى، وَالتَّقَرُّبِ إِلَيْهِ، وَالْإِحْسَانِ إِلَى النَّاسِ، وَكُلِّ مَا نَدَبَ إِلَيْهِ الشَّرْعُ وَنَهَى عَنْهُ مِنَ الْمُحَسِّنَاتِ وَالْمُقَبَّحَاتِ، وَهُوَ مِنَ الصِّفَاتِ الْغَالِبَةِ أَيْ: أَمْرٌ مَعْرُوفٌ بَيْنَ النَّاسِ إِذَا رَأَوْهُ لَا يُنْكِرُونَهُ، وَالْمَعْرُوفُ النَّصَفَةُ وَحُسْنُ الصُّحْبَةِ مَعَ الْأَهْلِ وَغَيْرِهِمْ مِنَ النَّاسِ، وَالْمُنْكَرُ ضِدُّ ذَلِكَ جَمِيعِهِ اهـ. وَكَانَ حَقُّ الْمُؤَلِّفِ أَنْ يَقُولَ: وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَلَعَلَّهُ تَرَكَهُ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ يَعُمُّ النَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ، أَوْ هُوَ مِنْ بَابِ الِاكْتِفَاءِ بِذِكْرِ أَحَدِ الضِّدَّيْنِ عَنِ الْآخَرِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ} [النحل: ٨١] أَيْ: وَالْبَرْدَ.

الْفَصْلُ الْأَوَّلُ

٥١٣٧ - (عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: مَنْ رَأَى) أَيْ: عَلِمَ (مِنْكُمْ مُنْكَرًا) أَيْ: فِي غَيْرِهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، وَالْخِطَابُ لِلصَّحَابَةِ أَصَالَةً وَلِغَيْرِهِمْ مِنَ الْأُمَّةِ تَبَعًا، وَفِي الْإِتْيَانِ بِمِنِ التَّبْعِيضِيَّةِ إِشْعَارٌ بِأَنَّهُ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ، وَإِيمَاءٌ إِلَى أَنَّهُ لَا يُبَاشِرُهُ إِلَّا مَنْ يَعْرِفُ مَرَاتِبَ الْإِحْسَانِ وَتَفَاوُتِ الْمُنْكَرَاتِ، وَيُمَيِّزُ بَيْنَ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ وَالْمُخْتَلَفِ فِيهِ مِنْهَا، وَهَذَا الْمَعْنَى مُقْتَبَسٌ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [آل عمران: ١٠٤] وَخُلَاصَةُ الْكَلَامِ: مَنْ أَبْصَرَ مَا أَنْكَرَهُ الشَّرْعُ (فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ) أَيْ: بِأَنْ يَمْنَعَهُ بِالْفِعْلِ بِأَنْ يَكْسِرَ الْآلَاتِ وَيُرِيقَ الْخَمْرَ وَيَرُدَّ الْمَغْصُوبَ إِلَى مَالِكِهِ، (فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ) أَيِ: التَّغْيِيرَ بِالْيَدِ وَإِزَالَتَهُ بِالْفِعْلِ، لِكَوْنِ فَاعِلِهِ أَقْوَى مِنْهُ (فَبِلِسَانِهِ) أَيْ: فَلْيُغَيِّرْهُ بِالْقَوْلِ وَتِلَاوَةِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْوَعِيدِ عَلَيْهِ، وَذِكْرِ الْوَعْظِ وَالتَّخْوِيفِ وَالنَّصِيحَةِ (فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ) أَيِ: التَّغْيِيرَ بِاللِّسَانِ أَيْضًا (فَبِقَلْبِهِ) : بِأَنْ لَا يَرْضَى بِهِ وَيُنْكِرَ فِي بَاطِنِهِ عَلَى مُتَعَاطِيهِ، فَيَكُونُ تَغْيِيرًا مَعْنَوِيًّا إِذْ لَيْسَ فِي وُسْعِهِ إِلَّا هَذَا الْقَدْرِ مِنَ التَّغْيِيرِ، وَقِيلَ: التَّقْدِيرُ فَلْيُنْكِرْهُ بِقَلْبِهِ لِأَنَّ التَّغْيِيرَ لَا يُتَصَوَّرُ بِالْقَلْبِ، فَيَكُونُ التَّرْكِيبُ مِنْ بَابِ: عَلَفْتُهَا تِبْنًا وَمَاءً بَارِدًا. وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ} [الحشر: ٩] (وَذَلِكَ) أَيِ: الْإِنْكَارُ بِالْقَلْبِ وَهُوَ الْكَرَاهِيَةُ (أَضْعَفُ الْإِيمَانِ) أَيْ: شُعَبِهِ أَوْ خِصَالِ أَهْلِهِ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ أَقَلُّهَا ثَمَرَةً، فَمَنْ غَيَّرَ الْمَرَاتِبَ مَعَ الْقُدْرَةِ كَانَ عَاصِيًا، وَمَنْ تَرَكَهَا بِلَا قُدْرَةٍ أَوْ يَرَى الْمَفْسَدَةَ أَكْثَرَ وَيُكَرِّرُ مُنْكِرًا لِقَلْبِهِ، فَهُوَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ وَذَلِكَ أَضْعَفُ زَمَنِ الْإِيمَانِ، إِذْ لَوْ كَانَ إِيمَانُ أَهْلِ زَمَانِهِ قَوِيًّا لَقَدَرَ عَلَى الْإِنْكَارِ الْقَوْلِيِّ أَوِ الْفِعْلِيِّ، وَلَمَا احْتَاجَ إِلَى الِاقْتِصَارِ عَلَى الْإِنْكَارِ الْقَلْبِيِّ، أَوْ ذَلِكَ الشَّخْصُ الْمُنْكِرُ بِالْقَلْبِ فَقَطْ أَضْعَفُ أَهْلِ الْإِيمَانِ، فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ قَوِيًّا صُلْبًا فِي الدِّينِ لَمَا اكْتَفَى بِهِ، وَيُؤَيِّدُهُ الْحَدِيثُ الْمَشْهُورُ: " «أَفْضَلُ الْجِهَادِ كَلِمَةُ حَقٍّ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ» " وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ} [المائدة: ٥٤] هَذَا وَقَدْ قَالَ بَعْضُ عُلَمَائِنَا: الْأَمْرُ الْأَوَّلُ لِلْأُمَرَاءِ، وَالثَّانِي لِلْعُلَمَاءِ، وَالثَّالِثُ لِعَامَّةِ الْمُؤْمِنِينَ. وَقِيلَ: الْمَعْنَى إِنْكَارُ الْمَعْصِيَةِ بِالْقَلْبِ أَضْعَفُ مَرَاتِبِ الْإِيمَانِ، لِأَنَّهُ إِذَا رَأَى مُنْكَرًا مَعْلُومًا مِنَ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ فَلَمْ يُنْكِرْهُ وَلَمْ يَكْرَهْهُ، وَرَضِيَ بِهِ وَاسْتَحْسَنَهُ كَانَ كَافِرًا، وَلَعَلَّ الْإِطْلَاقَ الدَّالَّ عَلَى الْعُمُومِ لِإِفَادَةِ التَّهْدِيدِ وَالْوَعِيدِ الشَّدِيدِ.

قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَإِنْ قُلْتَ: هَذَا الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْإِيمَانَ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ، كَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَمَا تَأْوِيلُهُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ؟ قُلْنَا: مَعْنَاهُ أَضْعَفُ ثَمَرَاتِ الْإِيمَانِ وَالْإِنْكَارِ بِالْقَلْبِ مِنْهَا. فَإِنْ قُلْتَ: لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَزِمَ أَنْ لَا يَخْرُجَ مِنَ الْإِيمَانِ لِانْتِفَائِهِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِمَا جَاءَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ، وَلَيْسَ وَرَاءَ

<<  <  ج: ص:  >  >>