للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٥١٤٨ - وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «لَمَّا وَقَعَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ فِي الْمَعَاصِي نَهَتْهُمْ عُلَمَاؤُهُمْ فَلَمْ يَنْتَهُوا، فَجَالَسُوهُمْ فِي مَجَالِسِهِمْ، وَآكَلُوهُمْ وَشَارَبُوهُمْ، فَضَرَبَ اللَّهُ قُلُوبَ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ، فَلَعَنَهُمْ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى بْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ. قَالَ: فَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَانَ مُتَّكِئًا فَقَالَ: " لَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ حَتَّى تَأْطِرُوهُمْ أَطْرًا» ". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ وَفِي رِوَايَتِهِ قَالَ: " «كَلَّا وَاللَّهِ لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَلَتَأْخُذُنَّ عَلَى يَدَيِ الظَّالِمِ، وَلَتَأْطِرُنَّهُ عَلَى الْحَقِّ أَطْرًا، وَلَتَقْصُرُنَّهُ عَلَى الْحَقِّ قَصْرًا، أَوْ لَيَضْرِبَنَّ اللَّهُ بِقُلُوبِ بَعْضِكُمْ عَلَى بَعْضٍ، ثُمَّ لَيَلْعَنَنَّكُمْ كَمَا لَعَنَهُمْ» ".

ــ

٥١٤٨ - (وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَمَّا وَقَعَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ فِي الْمَعَاصِي) أَيْ: مِنَ الزِّنَا، وَصَيْدِ يَوْمِ السَّبْتِ وَغَيْرِهِمَا (نَهَتْهُمْ عُلَمَاؤُهُمْ) أَيْ: أَوَّلًا (فَلَمْ يَنْتَهُوا) أَيْ: فَلَمْ يَقْبَلُوا النَّهْيَ، وَلَمْ يَتْرُكُوا الْمَنْهِيَّ (فَجَالَسُوهُمْ) أَيِ: الْعُلَمَاءُ (فِي مَجَالِسِهِمْ) أَيْ: مَجَالِسِ بَنِي إِسْرَائِيلَ الْعُصَاةِ وَمَسَاكِنِهِمْ (وَآكَلُوهُمْ) : بِمَدِّ الْهَمْزَةِ مِنَ الْمُؤَاكَلَةِ مُفَاعَلَةٌ لِلْمُشَارَكَةِ فِي الْأَكْلِ، وَكَذَا قَوْلُهُ: (وَشَارَبُوهُمْ فَضَرَبَ اللَّهُ) أَيْ: خَلَطَ (قُلُوبَ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ) : يُقَالُ: ضَرَبَ اللَّبَنَ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ أَيْ: خَلَطَهُ، ذَكَرَهُ الرَّاغِبُ، وَقَالَ ابْنُ الْمَلَكِ رَحِمَهُ اللَّهُ: الْبَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ أَيْ: سَوَّدَ اللَّهُ قَلَبَ مَنْ لَمْ يَعْصِ بِشُؤْمِ مَنْ عَصَى، فَصَارَتْ قُلُوبُ جَمِيعِهِمْ قَاسِيَةً بَعِيدَةً عَنْ قَبُولِ الْحَقِّ وَالْخَيْرِ أَوِ الرَّحْمَةِ بِسَبَبِ الْمَعَاصِي وَمُخَالَطَةِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا اهـ. وَقَوْلُهُ: قَلْبَ مَنْ لَمْ يَعْصِ لَيْسَ عَلَى إِطْلَاقِهِ لِأَنَّ مُؤَاكَلَتَهُمْ وَمُشَارَبَتَهُمْ مِنْ غَيْرِ إِكْرَاهٍ وَإِلْجَاءٍ بَعْدَ عَدَمِ انْتِهَائِهِمْ عَنْ مَعَاصِيهِمْ مَعْصِيَةٌ ظَاهِرَةٌ، لِأَنَّ مُقْتَضَى الْبُغْضِ فِي اللَّهِ أَنْ يَبْعُدُوا عَنْهُمْ وَيُهَاجِرُوهِمْ وَيُقَاطِعُوهُمْ وَلَمْ يُوَاصِلُوهُمْ، وَلِذَا قَالَ: (فَلَعَنَهُمْ) أَيِ: الْعَاصِينَ وَالسَّاكِتِينَ الْمُصَاحِبِينَ فَفِيهِ تَغْلِيبٌ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى بْنِ مَرْيَمَ} [المائدة: ٧٨] ذَلِكَ أَيْ: لَعَنَهُمْ (بِمَا عَصَوْا) أَيْ: بِسَبَبِ عِصْيَانِهِمْ مُبَاشَرَةً وَمُعَاشَرَةً {وَكَانُوا يَعْتَدُونَ} [المائدة: ٧٨] أَيْ: يَتَجَاوَزُونَ عَنِ الْحَدِّ بِأَنَّ جَرَّ الْمَعَاصِي إِلَى الْكُفْرِ بِالِاسْتِحْلَالِ وَنَحْوَهُ، وَبِالرِّضَا لِلْمَعَاصِي وَاسْتِحْسَانِهَا مِنْ أَهْلِهَا. (قَالَ) أَيِ: ابْنُ مَسْعُودٍ (فَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَيْ: مِنْ كَمَالِ إِعْرَاضِهِ وَقُوَّةِ اعْتِرَاضِهِ (وَكَانَ مُتَّكِئًا) أَيْ: عَلَى أَحَدِ شِقَّيْهِ أَوْ مُسْتَنِدًا إِلَى ظَهْرِهِ قَبْلَ ذَلِكَ، فَجَلَسَ مُسْتَوِيًا لِلِاهْتِمَامِ بِإِتْمَامِ الْكَلَامِ (فَقَالَ: لَا) أَيْ: لَا تُعْذَرُونَ أَوْ لَا تَنْجُونَ مِنَ الْعَذَابِ أَنْتُمْ أَيُّهَا الْأُمَّةُ خَلْفَ أَهْلِ تِلْكَ الْأُمَّةِ. (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ حَتَّى تَأْطِرُوهُمْ) : بِهَمْزَةٍ سَاكِنَةٍ وَيُبَدَّلُ وَبِكَسْرِ الطَّاءِ (أْطِرًا) : بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ لِلتَّأْكِيدِ أَيْ: حَتَّى تَمْنَعُوا أَمْثَالَكُمْ مِنْ أَهْلِ الْمَعْصِيَةِ، وَإِنْ لَمْ يَمْتَنِعُوا عَنْ أَمْثَالِهِمْ، فَتَمْتَنِعُوا أَنْتُمْ عَنْ مُوَاصَلَتِهِمْ وَمُكَالَمَتِهِمْ وَمُؤَاكَلَتِهِمْ وَمُجَالَسَتِهِمْ. وَقَالَ شَارِحٌ: الْأَطْرُ: الْإِمَالَةُ وَالتَّحْرِيفُ مِنْ جَانِبٍ إِلَى جَانِبٍ، أَيْ: حَتَّى تَمْنَعُوا الظَّلَمَةَ وَالْفَسَقَةَ عَنِ الظُّلْمِ وَالْفِسْقِ، وَتُمِيلُوهُمْ عَنِ الْبَاطِلِ إِلَى الْحَقِّ، وَفِي الْفَائِقِ: حَتَّى مُتَعَلِّقَةٌ بِلَا كَأَنَّ قَائِلًا قَالَ لَهُ عِنْدَ ذِكْرِهِ مَظَالِمَ بَنِي إِسْرَائِيلَ هَلْ يُعْذَرُ فِي تَخْلِيَةِ الظَّالِمِينَ وَشَأْنَهُمْ؟ فَقَالَ: لَا حَتَّى تَأْطِرُوهُمْ وَتَأْخُذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ، وَالْمَعْنَى لَا تُعْذَرُونَ حَتَّى تَجْبُرُوا الظَّالِمَ عَلَى الْإِذْعَانِ لِلْحَقِّ وَإِعْطَاءِ النَّصَفَةِ الْمَظْلُومَ، وَالْيَمِينُ مُعْتَرَضَةٌ بَيْنَ لَا وَحَتَّى، وَلَيْسَتْ هَذِهِ بِتِلْكَ الَّتِي يَجِيءُ بِهَا الْمُقْسِمُ تَأْكِيدًا لِقَسَمِهِ. (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ وَفِي رِوَايَتِهِ) : الضَّمِيرُ لِأَبِي دَاوُدَ، وَفِي نُسْخَةٍ وَفِي رِوَايَةٍ أَيْ: لِأَبِي دَاوُدَ عَلَى مَا هُوَ الظَّاهِرُ، وَيُحْتَمَلُ لِلتِّرْمِذِيِّ أَوْ لَهُمَا أَوْ لِغَيْرِهِمَا. (قَالَ) أَيِ: النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (كَلَّا) أَيْ: حَقًّا أَوِ ارْتَدَعُوا عَنْ حُسْبَانِ مَا لَا يَنْبَغِي مِنْ جَوَازِ السُّكُوتِ عَنِ الْمُنْكَرِ ( «وَاللَّهِ لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ» ) أَيْ: بِطَرِيقِ فَرْضِ الْكِفَايَةِ وَمَرَاتِبِ الِاحْتِسَابِ عَلَى الْغَايَةِ، ( «وَلَتَأْخُذُنَّ عَلَى يَدَيِ الظَّالِمِ» ) : بِالتَّثْنِيَةِ مُبَالَغَةً، وَفِي نُسْخَةٍ بِالْإِفْرَادِ إِمَّا عَلَى إِرَادَةِ الْجِنْسِ أَوْ عَلَى قَصْدِ الِاكْتِفَاءِ بِالْوَاحِدَةِ. (وَلَتَأْطُرُنَّهُ) أَيْ: لَتَمْنَعُنَّ الظَّالِمَ بِاللِّسَانِ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ أَخْذِ الْيَدِ بِالْيَدِ (عَلَى الْحَقِّ) أَيْ: عَلَى إِجْبَارِهِ عَلَى الْحَقِّ وَإِنْكَارِهِ عَلَى الْبَاطِلِ (أَطْرًا) أَيْ: مَنْعًا ظَاهِرًا لَيْسَ فِيهِ لَوْمَةُ لَائِمٍ (وَلَتَقْصُرُنَّهُ) : بِضَمِّ الصَّادِ أَيْ: وَلَتَحْبِسُنَّهُ (عَلَى الْحَقِّ) أَيْ: عَلَى قَبُولِهِ (قَصْرًا) أَيْ: بِالْهِجْرَةِ عَنْهُ إِذَا عَجَزْتُمْ عَمَّا سَبَقَ، حَتَّى تَضِيقَ عَلَيْهِ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ، فَإِنَّهُ حَبْسٌ مَعْنَوِيٌّ أَقْوَى مِنْ سِجْنٍ صُورِيٍّ (أَوْ لَيَضْرِبَنَّ اللَّهُ) أَيْ: لَيَخْلِطَنَّ (بِقُلُوبِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا) : الْبَاءُ زَائِدَةٌ لِتَأْكِيدِ التَّعْدِيَةِ لِمَا سَبَقَ أَنَّهُ مُتَعَدٍّ بِنَفْسِهِ (، ثُمَّ لَيَلْعَنَنَّكُمْ) أَيِ: اللَّهُ (كَمَا لَعَنَهُمْ) أَيْ: بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى كُفْرِهِمْ وَمَعَاصِيهِمْ، وَالْمَعْنَى أَنَّ أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ وَاقِعٌ قَطْعًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>