٥١٤٩ - وَعَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " «رَأَيْتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي رِجَالًا تُقْرَضُ شِفَاهُهُمْ بِمَقَارِيضَ مِنْ نَارٍ، قُلْتُ: مَنْ هَؤُلَاءِ يَا جِبْرَئِيلُ؟ قَالَ: هَؤُلَاءِ خُطَبَاءُ مِنْ أُمَّتِكَ يَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبَرِّ وَيَنْسَوْنَ أَنْفُسَهُمْ» ". رَوَاهُ فِي " شَرْحِ السُّنَّةِ " وَالْبَيْهَقِيُّ فِي " شُعَبِ الْإِيمَانِ " وَفِي رِوَايَتِهِ قَالَ: " «خُطَبَاءُ مِنْ أُمَّتِكَ الَّذِينَ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ، وَيَقْرَءُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَلَا يَعْمَلُونَ» ".
ــ
٥١٤٩ - (وَعَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " رَأَيْتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي) : بِالْإِضَافَةِ إِلَى الْفِعْلِ الْمَجْهُولِ، وَفِي نُسْخَةٍ بِالتَّنْوِينِ نَصْبًا عَلَى الظَّرْفِيَّةِ أَيْ: أَبْصَرْتُ لَيْلَةً أُسْرِيَ بِي فِيهَا (رِجَالًا تُقْرَضُ) : بِصِيغَةِ الْمَفْعُولِ أَيْ: تُقْطَعُ (شِفَاهُهُمْ) : بِكَسْرِ الْفَاءِ جَمْعُ شَفَةٍ بِالْفَتْحِ وَيُكْسَرُ، وَلَامُهَا هَاءٌ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ جَمْعُهَا (بِمَقَارِيضَ) : جَمَعَ مِقْرَاضٍ بِكَسْرِ الْمِيمِ آلَةُ الْقَطْعِ الْمَعْرُوفَةُ (مِنْ نَارٍ) أَيْ: مَخْلُوقَةٌ مِنْهَا (قُلْتُ: مَنْ هَؤُلَاءِ) أَيْ: هَؤُلَاءِ الرِّجَالُ كَذَا الْحَالُ (يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَؤُلَاءِ خُطَبَاءُ مِنْ أُمَّتِكَ) : مِنْ بَيَانِيَّةٌ، وَفِي نُسْخَةٍ: خُطَبَاءُ أُمَّتِكَ أَيْ: عُلَمَاؤُهُمْ وَوُعَّاظُهُمْ وَمَشَايِخُهُمْ، يَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبَرِّ وَيَنْسَوْنَ أَنْفُسَهُمْ: مَحَطُّ الْإِنْكَارِ الْجُمْلَةُ الثَّانِيَةُ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْجُمْلَةَ الْأَوْلَى تَقْبِيحًا لِسُوءِ أَفْعَالِهِمْ وَأَقْوَالِهِمْ، وَتَوْبِيخًا عَلَى عُلُومِهِمُ الْمَقْرُونَةِ بِتَرْكَ أَعْمَالِهِمْ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} [البقرة: ٤٤] أَيْ: سُوءَ صَنِيعِكُمْ. وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} [الصف: ٣] وَكَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «وَيْلٌ لِلْجَاهِلِ مَرَّةً، وَوَيْلٌ لِلْعَالَمِ سَبْعَ مَرَّاتٍ» ". وَكَمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ: " «أَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَالِمٌ لَمْ يَنْفَعْهُ اللَّهُ بِعِلْمِهِ» ". (رَوَاهُ) أَيْ: الْبَغَوِيُّ (فِي " شَرْحِ السُّنَّةِ " وَالْبَيْهَقِيُّ) : عَطْفٌ عَلَى الْفَاعِلِ الْمُقَدَّرِ (فِي " شُعَبِ الْإِيمَانِ " وَفِي رِوَايَةٍ) أَيْ: رِوَايَةُ الْبَيْهَقِيِّ (قَالَ: خُطَبَاءُ مِنْ أُمَّتِكَ) : بِمِنِ الْبَيَانِيَّةِ (الَّذِينَ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ) : بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ خُطَبَاءُ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ صِفَةً لَهُ لِأَنَّهُ لَا تَوْقِيتَ فِيهِ عَلَى عَكْسِ قَوْلِهِ:
وَلَقَدْ أَمُرُّ عَلَى اللَّئِيمِ يَسُبُّنِي
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَنْصُوبًا عَلَى الذَّمِّ، وَهُوَ الْأَوْجَهُ يَتَفَطَّنُ لِذَلِكَ مِنْ رُزِقَ الذِّهْنَ السَّلِيمَ وَالطَّبْعَ الْمُسْتَقِيمَ، ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَفِيهِ أَنَّ أَهْلَ الْعَرَبِيَّةِ أَطْبَقُوا فِي مِثْلِ هَذَا التَّرْكِيبِ عَلَى أَنَّ الْبَدَلَ أَوْجَهُ الْوُجُوهِ الْمُحْتَمَلَةِ، كَمَا حُقِّقَ فِي الِاسْتِعَاذَةِ وَالْبَسْمَلَةِ. ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَفِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة: ٢] وَقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: {فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ - الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ} [البقرة: ٢ - ٣] وَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ - الَّذِينَ يَنْقُضُونَ} [البقرة: ٢٦ - ٢٧] وَفِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ» ". ( «وَيَقْرَءُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَلَا يَعْمَلُونَ» ) : وَفِيهِ اقْتِبَاسٌ مِنَ الْآيَتَيْنِ الشَّرِيفَتَيْنِ اللَّتَيْنِ ذَكَرْنَاهَمَا أَوَّلًا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute