للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الْفَصْلُ الثَّالِثُ

٥١٥١ - عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «إِنَّهُ تُصِيبُ أُمَّتِي فِي آخِرِ الزَّمَانِ مِنْ سُلْطَانِهِمْ شَدَائِدُ، لَا يَنْجُو مِنْهُ إِلَّا رَجُلٌ عَرَفَ دِينَ اللَّهِ، فَجَاهَدَ عَلَيْهِ بِلِسَانِهِ وَيَدِهِ وَقَلْبِهِ، فَذَلِكَ الَّذِي سَبَقَتْ لَهُ السَّوَابِقُ، وَرَجُلٌ عَرَفَ دِينَ اللَّهِ، فَصَدَّقَ بِهِ، وَرَجُلٌ عَرَفَ دِينَ اللَّهِ فَسَكَتَ عَلَيْهِ، فَإِنْ رَأَى مَنْ يَعْمَلُ الْخَيْرَ أَحَبَّهُ عَلَيْهِ، وَإِنْ رَأَى مَنْ يَعْمَلُ بِبَاطِلٍ أَبْغَضَهُ عَلَيْهِ، فَذَلِكَ يَنْجُو عَلَى إِبْطَانِهِ كُلِّهِ» ".

ــ

الْفَصْلُ الثَّالِثُ

٥١٥١ - (عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّهُ) أَيِ: الشَّأْنُ ( «تُصِيبُ أُمَّتِي فِي آخِرِ الزَّمَانِ مِنْ سُلْطَانِهِمْ» ) : يَحْتَمِلُ الْجِنْسَ وَالشَّخْصَ كَيَزِيدَ وَالْحَجَّاجِ وَأَمْثَالِهِمَا (شَدَائِدُ) أَيْ: مِحَنٌ دُنْيَوِيَّةٌ أَوْ دِينِيَّةٌ أَوْ مُرَكَّبَةٌ مِنْهُمَا (لَا يَنْجُو) : اسْتِئْنَافُ بَيَانٍ أَوْ حَالٌ أَيْ: لَا يُخَلَّصُ (مِنْهُ) أَيْ: مِنَ السُّلْطَانِ وَشَدَائِدِهِ النَّاشِئَةِ مِنْ ظُلْمِهِ فَهُمَا فِي حُكْمٍ وَاحِدٍ، فَيَجُوزُ أَنْ يُعَبَّرَ عَنْهُ بِضَمِيرٍ مُفْرَدٍ (إِلَّا رَجُلٌ عَرَفَ دِينَ اللَّهِ) : قَالَ الطِّيبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: الضَّمِيرُ فِي مِنْهُ يَجُوزُ أَنْ يَعُودَ إِلَى السُّلْطَانِ، أَوْ يُحْمَلَ عَلَى أَنَّهُ وَاقِعٌ مَوْقِعَ اسْمِ الْإِشَارَةِ، أَوْ يَعُودُ إِلَى شَدَائِدَ بِاعْتِبَارِ الْمَذْكُورِ أَوِ الْمُنْكَرِ وَهُوَ الشَّدَائِدُ، وَقَوْلُهُ: لَا يَنْجُو عَلَى الْأَوَّلِ اسْتِئْنَافٌ وَعَلَى الثَّانِي صِفَةُ قَوْلِهِ شَدَائِدُ اهـ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا يَتَخَلَّصُ فِي زَمَانِ ذَلِكَ السُّلْطَانِ الْمُشَابِهِ بِالشَّيْطَانِ إِلَّا مَنْ جَمَعَ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ وَالْكَمَالِ وَالتَّكْمِيلِ، فَعَرَفَ دِينَ اللَّهِ أَوَّلًا بِتَفْصِيلِهِ مِنَ الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ، وَعَمَلَ لِنَفْسِهِ عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ الْأَمْرُ الْمَشْرُوعُ (فَجَاهَدَ عَلَيْهِ) أَيْ: عَلَى تَحْصِيلِ إِعْلَاءِ دِينِ اللَّهِ (بِلِسَانِهِ) أَيْ: بِطَرِيقِ النَّصِيحَةِ وَالْبَيَانِ (وَيَدِهِ) أَيْ: إِنْ كَانَ لَهُ قُدْرَةٌ وَقُوَّةٌ (وَقَلْبِهِ) أَيْ: بِإِنْكَارِهِ عِنْدَ الْعَجْزِ عَمَلًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: ١٢٥] وَقِيَامًا بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [آل عمران: ١٠٤] وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ: (فَذَلِكَ الَّذِي سَبَقَتْ لَهُ السَّوَابِقُ) أَيِ: السِّعَادَاتُ السَّابِقَةُ حَيْثُ جَمَعَ بَيْنَ الْأَحْوَالِ الثَّلَاثِةِ اللَّاحِقَةِ، وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ} [الواقعة: ١٠] أَيِ: الْجَامِعُونَ بَيْنَ مَرَاتِبِ الْكَمَالِ وَالتَّكْمِيلِ، وَدَرَجَاتِ الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ وَالتَّعْلِيمِ {أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ} [الواقعة: ١١] فَفِي كَلَامِ عِيسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامِ: مَنْ عَمِلَ وَعَلِمَ وَعَلَّمَ يُدْعَى فِي الْمَلَكُوتِ عَظِيمًا. ( «وَرَجُلٌ عَرَفَ دِينَ اللَّهِ فَصَدَّقَ لَهُ» ) أَيْ: فَتَكَلَّمَ بِلِسَانِهِ مَا يَجِبُ تَصْدِيقُهُ مِنَ الْأَمْرِ بِالْحَقِّ وَالنَّهْيِ عَنِ الْبَاطِلِ، وَاكْتَفَى بِهِ عَنِ الْإِنْكَارِ بِالْيَدِ لِعَجْزِهِ أَوْ ضَعْفِ قَلْبِهِ وَقُوَّةِ خَصْمِهِ. (وَرَجُلٌ عَرَفَ دِينَ اللَّهِ فَسَكَتَ عَلَيْهِ) أَيْ: تَارِكًا لِلْأَمْرِ وَالنَّهْيِ لِغَيْرِهِ مُكْتَفِيًا بِإِنْكَارِ قَلْبِهِ لِضَعْفِ إِيمَانِهِ أَوْ ضَعْفِ أَهْلِ زَمَانِهِ، وَيَدُلُّ عَلَى تَحْقِيقِ إِنْكَارِ قَلْبِهِ قَوْلُهُ: (فَإِنْ رَأَى مَنْ يَعْمَلُ الْخَيْرَ) أَيْ: بِعَمَلِ حَقٍّ (أَحَبَّهُ) أَيْ: بِقَلْبِهِ (عَلَيْهِ) أَيْ: عَلَى ذَلِكَ الْعَمَلِ أَوْ لِأَجْلِهِ (وَإِنْ رَأَى مَنْ يَعْمَلُ بِبَاطِلٍ) أَيْ: مَنْ يَعْمَلُ الشَّرَّ (أَبْغَضَهُ عَلَيْهِ) أَيْ: وَتَرَكَ مُصَاحَبَتَهُ وَمُجَالَسَتَهُ وَلَوْ كَانَ مَنْ كَانَ (فَذَلِكَ يَنْجُو عَلَى إِبْطَانِهِ) أَيْ: إِبِطَانِ مَا ذُكِرَ فِي قَلْبِهِ مِنْ مَحَبَّةِ الْخَيْرِ وَبُغْضِ الْبَاطِلِ (كُلِّهِ) : تَأْكِيدٌ مُفِيدٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>