للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

لِأَنْ يَكُونَ جَامِعًا لِلْأَمْرَيْنِ لَا مُقْتَصِرًا عَلَى أَحَدِهِمَا فَتَأَمَّلْ هَذَا. وَقَدْ قَالَ الطِّيبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: السَّوَابِقُ جَمْعُ سَابِقَةٍ وَهِيَ الْخَصْلَةُ الْمُفَضَّلَةُ إِمَّا السَّعَادَةُ وَإِمَّا الْبُشْرَى بِالثَّوَابِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَإِمَّا التَّوْفِيقُ لِلطَّاعَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى} [الأنبياء: ١٠١] وَقَوْلُهُ: " «عَرَفَ دِينَ اللَّهِ فَجَاهَدَ عَلَيْهِ» " إِلَى آخِرِ الْحَدِيثِ. هُوَ مِنْ بَابِ التَّقْسِيمِ الْحَاصِرِ، لِأَنَّ النَّاهِيَ عَنِ الْمُنْكَرِ إِمَّا سَابِقٌ أَوْ مُقْتَصِدٌ أَوْ دُونَهُمَا، فَالْفَاءَاتُ فِي قَوْلِهِ: فَجَاهَدَ فَصَدَّقَ فَسَكَتَ، مُسَبَّبَاتٌ عَنِ الْعِرْفَانِ، فَمَعْنَى الْأَوَّلِ مَنْ عَرَفَ دِينَ اللَّهِ تَعَالَى حَقَّ مَعْرِفَتِهِ وَتَصَلَّبَ فِي دِينِهِ، فَبَدَّلَ جُهْدَهُ فِي الْمُجَاهَدَةِ بِلِسَانِهِ وَيَدِهِ وَقَلْبِهِ، وَمَعْنَى الثَّالِثِ مَنْ عَرَفَ دِينَ اللَّهِ أَدْنَى مَعْرِفَةٍ وَسَكَتَ فَلَمْ يُجْهُدْ فِيهِ إِلَّا عَلَى قَدْرِ إِيمَانِهِ، وَذَلِكَ بِالْكَرَاهَةِ بِالْقَلْبِ، وَهُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ: " وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ " فَيَبْقَى قَوْلُهُ: فَصَدَّقَ بِهِ فِي دَرَجَةِ الْمُقْتَصِدِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يُفَسَّرَ بِمَا هُوَ دُونَ الْأَوْلَى، وَفَوْقَ الثَّالِثَةِ، وَهُوَ أَنْ يُجَاهِدَ بِلِسَانِهِ وَقَلْبِهِ، وَالتَّصْدِيقُ يُسْتَعْمَلُ حَقِيقَةً فِي اللِّسَانِ مَجَازًا فِي الْعَمَلِ، فَتَصْدِيقُهُ هُنَا مُعَبَّرٌ بِهِ عَنْ دَفْعِ الْمُنْكِرِ بِلِسَانِهِ وَقَلْبِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>