الْفَصْلُ الثَّالِثُ
٥١٩٨ - (عَنْ أَبِي ذَرٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهُ: " «إِنَّكَ لَسْتَ بِخَيْرٍ مِنْ أَحْمَرَ وَلَا أَسْوَدَ إِلَّا أَنْ تَفْضُلَهُ بِتَقْوَى» ". رَوَاهُ أَحْمَدُ.
ــ
٥١٩٨ - (عَنْ أَبِي ذَرٍّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ: " إِنَّكَ لَسْتَ بِخَيْرٍ ") أَيْ: بِأَفْضَلَ (" مِنْ أَحْمَرَ ") أَيْ: جِسْمًا (" وَلَا أَسْوَدَ ") أَيْ: لَوْنًا، وَالْمُرَادُ أَنَّ الْفَضِيلَةَ لَيْسَتْ بِلَوْنٍ دُونَ لَوْنٍ، وَإِنَّمَا خُصَّا بِالذِّكْرِ مَثَلًا لِكَوْنِهِمَا أَكْثَرَ وُجُودًا، وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الْمُرَادَ هُنَا لَوْنُ السَّيِّدِ وَالْعَبْدِ، كَمَا هُوَ الْغَالِبُ، وَأَغْرَبَ الطِّيبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ حَيْثُ جَزَمَ وَقَالَ: الْمُرَادُ بِالْأَحْمَرِ الْعَجَمُ، وَبِالْأَسْوَدِ الْعَرَبُ، (" إِلَّا أَنْ تَفْضُلَهُ ") : بِضَمِّ الضَّادِ أَيْ: تُرِيدُ أَنْتَ أَحَدَهُمَا (" بِتَقْوَى ") : بِالْقَصْرِ، وَفِي نُسْخَةٍ بِالتَّنْوِينِ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ} [التوبة: ١٠٩] فَفِي قِرَاءَةٍ شَاذَّةٍ بِالتَّنْوِينِ، وَالْمَعْنَى أَنَّ الْفَضِيلَةَ لَيْسَتْ بِالصُّورَةِ الظَّاهِرَةِ، وَلَا بِالنِّسْبَةِ الْبَاهِرَةِ، بَلْ بِالتَّقْوَى، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى} [الحجرات: ١٣] إِلَى أَنْ قَالَ: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: ١٣] قَالَ الطِّيبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَالضَّمِيرُ فِي تَفْضِيلِهِ عَائِدٌ إِلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَوَّلُهُمَا بِتَأْوِيلِ الْإِنْسَانِ، وَالِاسْتِثْنَاءُ مُضِرٌّ، وَالتَّقْدِيرُ لَسْتَ بِأَفْضَلَ مِنْهُمَا بِشَيْءٍ مِنَ الْأَشْيَاءِ إِلَّا بِالتَّقْوَى، وَقَوْلُهُ: أَنْ تَفْضُلَهُ تَكْرِيرُ تَأْكِيدٍ اه. فَتَأَمَّلْ فِيهِ، فَإِنَّ جَعْلَ الضَّمِيرِ إِلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَعَ دَلَالَتِهِمَا عَلَى الْعُمُومِ مِنَ الْجِنْسُ الَّذِي وَقَعَ الْمُخَاطَبُ فَرْدًا مِنْهُ عَنْ صَحِيحٍ، وَكَذَا تَأْوِيلُهُمَا بِالْإِنْسَانِ الْمُرَادِ بِهِ الْجِنْسُ فَتَدَبَّرْ. (رَوَاهُ أَحْمَدُ) : ثُمَّ الظَّاهِرُ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مُفَرَّغٌ مِنْ أَعَمِّ الْأَحْوَالِ، أَيْ: لَسْتَ بِأَفْضَلَ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ أَحَدِ النَّوْعَيْنِ فِي حَالٍ مِنَ الْأَحْوَالِ إِلَّا حَالَ زِيَادَتِكَ عَلَيْهِ بِتَقْوَى مُعْتَبَرَةٍ فِي الشَّرْعِ، وَهِيَ لَهَا مَرَاتِبُ: أَدْنَاهَا: التَّقْوَى عَنِ الشِّرْكِ الْجَلِيِّ، وَأَوْسَطُهَا: عَنِ الْمَعَاصِي وَالْمَنَاهِي وَالْمَلَاهِي، وَعَنِ الشِّرْكِ الْخَفِيِّ، وَهُوَ الرِّيَاءُ وَالسُّمْعَةُ فِي الطَّاعَةِ، وَأَعْلَاهَا: أَنْ يَكُونَ دَائِمَ الْحُضُورِ مِنَ اللَّهِ غَائِبًا عَنْ حُضُورِ مَا سِوَاهُ، وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ فِيمَا رُوِيَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «مَا فَضَلَكُمْ أَبُو بَكْرٍ بِفَضْلِ صَوْمٍ وَلَا صَلَاةٍ وَلَكِنْ بِشَيْءٍ وَقَرَ فِي قَلْبِهِ» " ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ. وَقَالَ الْعِرَاقِيُّ: لَمْ أَجِدْهُ مَرْفُوعًا وَهُوَ عِنْدَ الْحَكِيمِ التِّرْمِذِيِّ، وَالنَّوَادِرِ مِنْ قَوْلِ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيِّ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute