للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٥١٩٩ - وَعَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «مَا زَهِدَ عَبْدُ فِي الدُّنْيَا إِلَّا أَنْبَتَ اللَّهُ الْحِكْمَةَ فِي قَلْبِهِ، وَأَنْطَقَ بِهَا لِسَانَهُ، وَبَصَّرَهُ عَيْبَ الدُّنْيَا وَدَاءَهَا وَدَوَاءَهَا، وَأَخْرَجَهُ مِنْهَا سَالِمًا إِلَى دَارِ السَّلَامِ» ". (رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ) .

ــ

٥١٩٩ - (وَعَنْهُ) أَيْ: عَنْ أَبِي ذَرٍّ (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا زَهِدَ ") : بِكَسْرِ الْهَاءِ (" عَبْدٌ فِي الدُّنْيَا ") أَيْ: زِيَادَتُهَا عَلَى قَدْرِ الْحَاجَةِ مِنْ مَالٍ أَوْ جَاهٍ (" إِلَّا أَنْبَتَ اللَّهُ الْحِكْمَةَ ") أَيْ: أَنْبَتَ الْمَعْرِفَةَ الْمُتْقَنَةَ (" فِي قَلْبِهِ، وَأَنْطَقَ بِهَا لِسَانَهُ، وَبَصَّرَهُ ") : بِتَشْدِيدِ الصَّادِ مِنَ الْبَصِيرَةِ أَيْ: جَعَلَهُ مُعَايِنًا (" عَيْبَ الدُّنْيَا ") أَيْ: مَعَايِبَهَا مِنْ كَثْرَةِ عَنَائِهَا وَقِلَّةِ غَنَائِهَا وَخِسَّةِ شُرَكَائِهَا وَسُرْعَةِ فَنَائِهَا، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَتْعَابِ الْبَدَنِ وَإِكْثَارِ الْحُزْنِ وَإِشْعَالِ الْقَلْبِ عَنْ ذِكْرِ الرَّبِّ.

قَالَ الطِّيبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: هُوَ إِشَارَةٌ إِلَى الدَّرَجَةِ الثَّانِيَةِ يَعْنِي: لَمَّا زَهِدَ الدُّنْيَا لِمَا حَصَلَ لَهُ مِنْ عِلْمِ الْيَقِينِ بِعُيُوبِ الدُّنْيَا أَوْرَثَهُ اللَّهُ بِهِ بَصِيرَةً، حَتَّى حَصَلَ لَهُ بِهَا حَقُّ الْيَقِينِ. (" وَدَاءَهَا ") أَيْ: عِلَّةَ مِحْنَتِهَا وَسَبَبَ طِلْبَتِهَا (" وَدَوَاءَهَا ") أَيْ: مُعَالَجَتَهَا بِمَعْجُونِ الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ وَالِاحْتِمَاءَ عَنْهَا بِالصَّبْرِ وَالْقَنَاعَةِ وَالرِّضَا بِمَا قُسِمَ لَهُ مِنْهَا. (" وَأَخْرَجَهُ ") أَيِ: اللَّهُ تَعَالَى (" مِنْهَا ") أَيْ: مِنَ الدُّنْيَا وَآفَاتِهَا وَبَلِيَّاتِهَا (" سَالِمًا ") أَيْ: بِالْإِعْرَاضِ عَنْهَا وَالْإِقْبَالِ عَلَى الْعُقْبَى (" إِلَى دَارِ السَّلَامِ ") : وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ مَنْ لَمْ يَزْهَدْ فِيهَا وَلَمْ يَطَّلِعْ عَلَى عَيْبِهَا وَدَائِهَا وَدَوَائِهَا لَمْ يَدْخُلِ الْجَنَّةَ أَصْلًا، أَوْ لَمْ يَدْخُلْ بِسَلَامٍ، بَلْ بَعْدَ سَابِقَةِ عَذَابٍ أَوْ لَاحِقَةِ حِجَابٍ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ) : وَرَوَى أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا: " «مَا زَانَ اللَّهُ الْعِبَادَ بِزِينَةٍ أَفْضَلَ مِنْ زَهَادَةٍ فِي الدُّنْيَا وَعَفَافٍ فِي بَطْنِهِ وَفَرْجِهِ» ".

<<  <  ج: ص:  >  >>