للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٥٢٦١ - وَعَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «حُبِّبَ إِلَيَّ الطِّيبُ وَالنِّسَاءُ، وَجُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ» ". رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالنَّسَائِيُّ. وَزَادَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ بَعْدَ قَوْلِهِ (حُبِّبَ إِلَيَّ) : " مِنَ الدُّنْيَا ".

ــ

٥٢٦١ - (وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " حُبِّبَ إِلَيَّ " أَيْ: مِنْ دُنْيَاكُمْ كَمَا فِي رِوَايَةٍ (" الطِّيبُ وَالنِّسَاءُ وَجُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ ") . كَذَا فِي نُسَخِ الْمِشْكَاةِ بِلَفْظِ: جُعِلَتْ وَكَأَنَّهُ غَيْرُ مَوْجُودٍ فِي أَصْلِ الطِّيبِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ كَمَا وَرَدَ فِي رِوَايَةٍ أَوْ غَفَلَ عَنْهُ حَيْثُ قَالَ قَوْلُهُ: " قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ " جُمْلَةٌ اسْمِيَّةٌ عُطِفَتْ عَلَى جُمْلَةٍ فِعْلِيَّةٍ لِدَلَالَتِهِ عَلَى الثَّبَاتِ وَالدَّوَامِ فِي الثَّانِيَةِ، وَالتَّجَدُّدِ فِي الْأُولَى. قُلْتُ: وَفِيهِ بَحْثٌ إِذِ الْقَوْلُ بِالتَّجَدُّدِ إِنَّمَا هُوَ فِي الْفِعْلِ الْمُضَارِعِ، وَأَمَّا الْمَاضِي فَهُوَ لِلثَّبَاتِ، حَتَّى إِذَا عُبِّرَ عَنِ الْمُضَارِعِ بِالْمَاضِي يُعَلَّلُ بِأَنَّهُ لِتَحَقُّقِهِ كَأَنَّهُ قَدْ وَقَعَ. وَجِيءَ بِالْفِعْلِ الْمَجْهُولِ دَلَالَةً عَلَى أَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ مِنْ جِبِلَّتِهِ وَطَبْعِهِ، وَأَنَّهُ مَجْبُورٌ عَلَى الْحُبِّ رَحْمَةً لِلْعِبَادِ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ، فَإِنَّهَا مَحْبُوبَةٌ لِذَاتِهَا، وَمِنْهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَرِحْنَا يَا بِلَالُ " أَيِ: اشْغَلْنَا عَمَّا سِوَاهَا، فَإِنْ تَعِبَ وَكَدَحَ، وَإِنَّمَا الِاسْتِرْوَاحُ فِي الصَّلَاةِ، فَأَرِحْنَا بِنِدَائِكَ بِهَا. (رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالنَّسَائِيُّ) . وَكَذَا الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ، كَذَا فِي الْجَامِعِ، وَذَكَرَ ابْنُ الرَّبِيعِ فِي مُخْتَصَرِ الْمَقَاصِدِ لِلسَّخَاوِيِّ أَنَّ الطَّبَرَانِيَّ رَوَاهُ فِي الْكَبِيرِ وَالنَّسَائِيُّ فِي سُنَنِهِ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَالْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ بِدُونِ لَفْظِ: " جُعِلَتْ " وَقَالَ: إِنَّهُ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَأَمَّا مَا اشْتُهِرَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ زِيَادَةِ: ثَلَاثٌ، فَقَالَ السَّخَاوِيُّ: لَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ إِلَّا فِي مَوْضِعَيْنِ مِنَ الْإِحْيَاءِ، وَفِي تَفْسِيرِ آلِ عِمْرَانَ مِنَ الْكَشَّافِ، وَمَا رَأَيْتُهَا فِي شَيْءٍ مِنْ طُرُقِ هَذَا الْحَدِيثِ بَعْدَ مَزِيدِ التَّفْتِيشِ، وَلِذَلِكَ صَرَّحَ الزَّرْكَشِيُّ فَقَالَ: إِنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِيهِ لِفَظُ ثَلَاثٍ. قَالَ: وَزِيَادَتُهُ مُحِيلَةٌ لِلْمَعْنَى فَإِنَّ الصَّلَاةَ لَيْسَتْ مِنَ الدُّنْيَا. (وَزَادَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ بَعْدَ قَوْلِهِ: " حُبِّبَ إِلَيَّ مِنَ الدُّنْيَا ") أَيْ: قَوْلُهُ مِنَ الدُّنْيَا مَنْصُوبًا عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولُ زَادَ، وَقَدْ ذَكَرَ الْحَافِظُ السُّيُوطِيُّ فِي الْفَتَاوَى الْحَدِيثِيَّةِ مَسْأَلَةَ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «حُبِّبَ إِلَيَّ مِنْ دُنْيَاكُمُ النِّسَاءُ وَالطِّيبُ وَجُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ» ". لِمَ بَدَأَ بِالنِّسَاءِ وَأَخَّرَ الصَّلَاةَ؟ الْجَوَابُ: لَمَّا كَانَ الْمَقْصُودُ مِنْ سِيَاقِ الْحَدِيثِ مَا أَصَابَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ مَتَاعِ الدُّنْيَا بَدَأَ بِهِ، كَمَا قَالَ فِي الْحَدِيثِ: " «مَا أَصَابَنَا مِنْ دُنْيَاكُمْ هَذِهِ إِلَّا النِّسَاءُ» " وَلَمَّا كَانَ الَّذِي حُبِّبَ إِلَيْهِ مِنْ مَتَاعِ الدُّنْيَا هُوَ أَفْضَلُهَا وَهُوَ النِّسَاءُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ: " «الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَخَيْرُ مَتَاعِهَا الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ» " نَاسَبَ أَنْ يَصِلَ إِلَيْهِ بَيَانُ أَفْضَلِ الْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ وَذَلِكَ الصَّلَاةُ، فَإِنَّهَا أَفْضَلُ الْعِبَادَاتِ بَعْدَ الْإِيمَانِ، فَكَانَ الْحَدِيثُ عَلَى أُسْلُوبِ الْبَلَاغَةِ مِنْ جَمْعِهِ بَيْنَ أَفْضَلِ أُمُورِ الدُّنْيَا، وَأَفْضَلِ أُمُورِ الدِّينِ، وَفِي ذَلِكَ ضَمُّ الشَّيْءِ إِلَى نَظِيرِهِ، وَعَبَّرَ فِي أَمْرِ الدِّينِ بِعِبَارَةٍ أَبْلَغَ مِمَّا عَبَّرَ بِهِ فِي أَمْرِ الدُّنْيَا عَلَى مُجَرَّدِ التَّحْبِيبِ. وَقَالَ فِي أَمْرِ الدِّينِ: " «جُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِي» " فَإِنَّ قُرَّةَ الْعَيْنِ مِنَ التَّعْظِيمِ فِي الْمَحَبَّةِ مَا لَا يَخْفَى انْتَهَى. وَلَعَلَّ السُّكُوتَ عَنِ الطَّعَامِ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِلنِّسَاءِ وُجُودًا وَعَدَمًا عَلَى مَا فِي الرِّوَايَتَيْنِ، ثُمَّ الصَّلَاةُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ مَحْمُولَةٌ عَلَى الْعِبَادَةِ الْمَعْرُوفَةِ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالصَّلَاةِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَشَرَفُهُ لَدَيْهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>