للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٥٢٨٢ - وَعَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ قَالَ: لَيْسَ الزُّهْدُ فِي الدُّنْيَا بِلُبْسِ الْغَلِيظِ وَالْخَشِنِ، وَأَكْلِ الْجَشِبِ، إِنَّمَا الزُّهْدُ فِي الدُّنْيَا قِصَرُ الْأَمَلِ. رَوَاهُ فِي (شَرْحِ السُّنَّةِ) .

ــ

٥٢٨٢ - (وَعَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ) أَيِ: الْكُوفِيِّ إِمَامِ الْمُسْلِمِينَ وَحُجَّةِ اللَّهِ عَلَى خَلْقِهِ أَجْمَعِينَ، جَمَعَ زَمَنَهُ بَيْنَ الْفِقْهِ وَالِاجْتِهَادِ فِيهِ وَالْحَدِيثِ وَالزُّهْدِ وَالْعِبَادَةِ وَالْوَرَعِ وَالْعِفَّةِ، وَإِلَيْهِ الْمُنْتَهَى فِي عِلْمِ الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِ مِنَ الْعُلُومِ، أَجْمَعَ النَّاسُ عَلَى دِينِهِ وَزُهْدِهِ وَوَرَعِهِ، وَثِقَتِهِ، وَلَمْ يَخْتَلِفُوا فِي ذَلِكَ، وَهُوَ أَحَدُ الْأَئِمَّةِ الْمُجْتَهِدِينَ وَأَحَدُ أَقْطَابِ الْإِسْلَامِ وَأَرْكَانِ الدِّينِ، وُلِدَ فِي أَيَّامِ سُلَيْمَانَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ سَنَةَ تِسْعٍ وَتِسْعِينَ، سَمِعَ خَلْقًا كَثِيرًا. وَرَوَى عَنْ مَعْمَرٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَابْنِ جُرَيْجٍ وَمَالِكٍ وَشُعْبَةَ وَابْنِ عُيَيْنَةَ وَفُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ، وَخَلْقٍ كَثِيرٍ سِوَاهُمْ، مَاتَ سَنَةَ إِحْدَى وَسِتِّينَ وَمِائَةٍ، ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ. (قَالَ: لَيْسَ الزُّهْدُ فِي الدُّنْيَا بِلُبْسِ الْغَلِيظِ) أَيْ: فِي الْغَزْلِ (وَالْخَشِنِ) ، بِفَتْحٍ فَكَسْرٍ أَيْ: فِي النَّسْجِ (وَأَكْلِ الْجَشِبِ) ، بِفَتْحِ الْجِيمِ وَكَسْرِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ: وَلَا بِأَكْلِ الْغَلِيظِ الْجَشِبِ مِنَ الطَّعَامِ، وَقِيلَ: غَيْرُ الْمَأْدُومِ (إِنَّمَا الزُّهْدُ فِي الدُّنْيَا قِصَرُ الْأَمَلِ) . بِكَسْرِ قَافٍ فَفَتْحِ صَادٍ، وَفِي نُسْخَةٍ بِضَمٍّ فَسُكُونٍ أَيِ: اقْتِصَارُ الْأَمَلِ وَالِاسْتِعْدَادُ لِلْأَجَلِ بِالْمُسَارَعَةِ إِلَى التَّوْبَةِ وَالْعِلْمِ وَالْعَمَلِ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ الزُّهْدَ الْحَقِيقِيَّ هُوَ مَا يَكُونُ فِي الْحَالِ الْقَلْبِيِّ مِنْ عُزُوفِ النَّفْسِ عَنِ الدُّنْيَا وَمَيْلِهَا إِلَى الْعُقْبَى، وَلَيْسَ الْمَدَارُ عَلَى الِانْتِفَاعِ الْقَالَبِيِّ فَإِنَّهُ يَسْتَوِي الْأَمْرَانِ فِيهِ بِاعْتِبَارِ الْحَقِيقَةِ، وَإِنْ كَانَ التَّقَشُّفُ فِي اللُّبْسِ وَالتَّقَلُّلِ فِي كَمِّيَّةِ الْأَكْلِ وَكَيْفِيَّتِهِ لَهُ تَأْثِيرٌ بَلِيغٌ فِي اسْتِقَامَةِ الْعَبْدِ عَلَى الطَّرِيقَةِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ حُبَّ الدُّنْيَا فِي الْقَلْبِ هُوَ الْمُهْلِكُ لِلْهَالِكِ لَا وُجُودَهَا عَلَى قَالَبِ السَّالِكِ، وَشَبَّهَ الْقَلْبَ بِالسَّفِينَةِ حَيْثُ إِنَّ الْمَاءَ الْمُشَبَّهَ بِالدُّنْيَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ} [يونس: ٢٤] إِنْ دَخَلَ دَاخِلَ السَّفِينَةِ أَغْرَقَهَا مَعَ

<<  <  ج: ص:  >  >>