(قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) : اسْتِئْنَافُ بَيَانٍ (" مَنْ يَكْفِينِيهِمْ؟ ") أَيْ: مُؤْنَتَهُمْ مِنْ طَعَامِهِمْ وَشَرَابِهِمْ وَنَحْوِ ذَلِكَ. قَالَ الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: " هُمْ " ثَانِي مَفْعُولَيْ يَكْفِي عَلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ (قَالَ طَلْحَةُ: أَنَا) . أَيْ: أَكْفِيكَهُمْ (فَكَانُوا) أَيِ: الثَّلَاثَةُ أَوِ النَّفَرُ (عِنْدَهُ) أَيْ: عِنْدَ أَبِي طَلْحَةَ، (فَبَعَثَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْثًا) أَيْ: أَرْسَلَ سَرِيَّةً، فَالْبَعْثُ بِمَعْنَى الْمَبْعُوثِ (فَخَرَجَ فِيهِ) أَيْ: فِي ذَلِكَ الْبَعْثِ (أَحَدُهُمْ، فَاسْتُشْهِدَ) ، بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ: صَارَ شَهِيدًا (ثُمَّ بَعَثَ بَعْثًا فَخَرَجَ فِيهِ الْآخَرُ، فَاسْتُشْهِدَ، ثُمَّ مَاتَ الثَّالِثُ عَلَى فِرَاشِهِ) ، أَيْ: مُرَابِطًا نَاوِيًا لِلْجِهَادِ (قَالَ) أَيِ: ابْنُ شَدَّادٍ (قَالَ طَلْحَةُ: فَرَأَيْتُ) أَيْ: فِي الْمَنَامِ أَوْ فِي كَشْفِ الْمَقَامِ (هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةَ فِي الْجَنَّةِ، وَرَأَيْتُ الْمَيِّتَ عَلَى فِرَاشِهِ) أَيِ: الْكَائِنِ عَلَيْهِ (أَمَامَهُمْ) : بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ أَيْ: قُدَّامَهُمْ. قَالَ الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الظَّاهِرُ أَنْ يُقَالَ أَمَامَهُمَا إِلَّا أَنْ يُقَالَ الْمُرَادُ الْمُقَدَّمُ مِنْ بَيْنِهِمْ، أَوْ يَذْهَبَ إِلَى أَنَّ أَقَلَّ الْجَمْعِ اثْنَانِ. (وَالَّذِي) عَطْفٌ عَلَى الْمَيِّتِ، وَفِي نُسْخَةٍ: فَالَّذِي (اسْتُشْهِدَ آخِرًا يَلِيهِ) أَيْ: يَقْرُبُ الْمَيِّتَ (وَأَوَّلَهَمْ) : بِالنَّصْبِ، وَقِيلَ بِرَفْعِهِ (يَلِيهِ) ، أَيْ: يَلِي الْمُسْتَشْهِدَ آخِرًا (فَدَخَلَنِي) أَيْ: شَيْءٌ أَوْ إِشْكَالٌ (مِنْ ذَلِكَ) أَيْ: مِمَّا رَأَيْتُهُ مِنَ التَّقَدُّمِ وَالتَّأْخِيرِ عَلَى خِلَافِ مَا كَانَ يَخْطِرُ فِي الضَّمِيرِ، وَالْفَاعِلُ مَحْذُوفٌ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ مَالِكِ (فَذَكَرْتُ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ) ، الْفَاءُ فَصِيحَةٌ أَيْ: فَجِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَذَكَرْتُ لَهُ ذَلِكَ مُسْتَغْرِبًا وَمُسْتَنْكِرًا (فَقَالَ: وَمَا أَنْكَرْتَ) أَيْ: وَأَيَّ شَيْءٍ أَنْكَرْتَهُ (" مِنْ ذَلِكَ؟ ") : وَالْمَعْنَى لَا تُنْكِرْ شَيْئًا مِنْهُ فَإِنَّهُ (" لَيْسَ أَحَدٌ أَفْضَلَ عِنْدَ اللَّهِ ") : فَالِاسْتِئْنَافُ مُبَيِّنٌ مُتَضَمِّنٌ لِلْعِلَّةِ أَيْ: لَيْسَ أَحَدٌ أَكْثَرَ ثَوَابًا عِنْدَهُ سُبْحَانَهُ (" مِنْ مُؤْمِنٍ يُعَمَّرُ ") : بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ الْمَفْتُوحَةِ أَيْ: يَطُولُ عُمُرُهُ (" فِي الْإِسْلَامِ ; لِتَسْبِيحِهِ ") أَيْ: لِأَجْلِ تَسْبِيحِهِ (" وَتَكْبِيرِهِ وَتَهْلِيلِهِ ") . أَيْ: وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ سَائِرِ عِبَادَاتِهِ الْقَوْلِيَّةِ وَالْفِعْلِيَّةِ. وَلَفْظُ الْجَامِعِ رِوَايَةً عَنْ أَحْمَدَ: لِتَكْبِيرِهِ وَتَحْمِيدِهِ وَتَسْبِيحِهِ وَتَهْلِيلِهِ. قَالَ مِيرَكُ: حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ، رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو يَعْلَى، وَرُوَاتُهُمَا رُوَاةُ الصَّحِيحِ، وَفِي أَوَّلِهِ عِنْدَ أَحْمَدَ إِرْسَالٌ، لَكِنْ وَصَلَهُ أَبُو يَعْلَى بِذِكْرِ طَلْحَةَ فِيهِ، كَذَا قَالَهُ الْمُنْذِرِيُّ فِي التَّرْغِيبِ، وَكَأَنَّهُ يُشِيرُ إِلَى أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ لَيْسَتْ لَهُ صُحْبَةٌ، وَإِنْ وُلِدَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا ذَكَرَهُ الْعِجْلِيُّ إِنَّهُ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ الثِّقَاتِ، وَكَانَ مَعْدُودًا فِي الْفُقَهَاءِ، وَلَمْ يُصَرِّحْ هَذَا الْحَدِيثُ عِنْدَ أَحْمَدَ بِالسَّمَاعِ، بَلْ قَالَ: إِنَّ نَفَرًا، إِلَخْ. وَصَرَّحَ أَبُو يَعْلَى بِأَنَّهُ رَوَاهُ عَنْ طَلْحَةَ، وَمِمَّا نَاسَبَ حَدِيثَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ هَذَا، وَحَدِيثَ عُبَيْدِ بْنِ خَالِدِ الَّذِي سَبَقَ فِي الْفَصْلِ الثَّانِي، مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «كَانَ رَجُلَانِ مِنْ بَنِي قُضَاعَةَ أَسْلَمَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَاسْتُشْهِدَ أَحَدُهُمَا، وَأُخِّرَ الْآخَرُ سَنَةً. قَالَ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ: فَرَأَيْتُ الْمُؤَخَّرَ مِنْهُمَا أُدْخِلَ الْجَنَّةَ قَبْلَ الشَّهِيدِ، فَتَعَجَّبْتُ لِذَلِكَ، فَأَصْبَحْتُ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " أَلَيْسَ قَدْ صَامَ بَعْدَهُ رَمَضَانَ وَصَلَّى سِتَّةَ آلَافِ رَكْعَةٍ وَكَذَا وَكَذَا رَكْعَةً صَلَاةَ سَنَةٍ» " وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالُبَيْهَقِيُّ، كُلُّهُمْ عَنْ طَلْحَةَ بِنَحْوِهِ أَطْوَلَ مِنْهُ، وَزَادَ ابْنُ مَاجَهْ فِي آخِرِهِ: فَمَا بَيْنَهُمَا أَبْعَدُ مِمَّا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute