٥٢٩٨ - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ، احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، وَلَا تَعْجِزْ، وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فَلَا تَقُلْ: لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا، وَلَكِنْ قُلْ: قَدَّرَ اللَّهُ وَمَا شَاءَ فَعَلَ، فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ» ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
ــ
٥٢٩٨ - (وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ ") أَيِ: الْقَادِرُ عَلَى تَكْثِيرِ الطَّاعَةِ (" خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ ") : عَطْفُ تَفْسِيرٍ (" مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ ") أَيِ: الْعَاجِزِ عَنْهُ، (" وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ ") أَيْ: أَصْلُ الْخَيْرِ مَوْجُودٌ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا. قِيلَ: الْمُرَادُ بِالْمُؤْمِنِ الْقَوِيُّ الصَّابِرُ عَلَى مُخَالَطَةِ النَّاسِ وَتَحَمُّلِ أَذِيَّتِهِمْ وَتَعْلِيمِهِمُ الْخَيْرَ وَإِرْشَادِهِمْ إِلَى الْهُدَى، وَيُؤَيِّدُهُ مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: " «الْمُؤْمِنُ الَّذِي يُخَالِطُ النَّاسَ وَيَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ أَفْضَلُ مِنَ الْمُؤْمِنِ الَّذِي لَا يُخَالِطُ النَّاسَ وَلَا يَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ» ". وَقِيلَ: أَرَادَ بِالْمُؤْمِنِ الْقَوِيُّ الَّذِي قَوِيَ فِي إِيمَانِهِ وَصَلُبَ فِي إِيقَانِهِ بِحَيْثُ لَا يَرَى الْأَسْبَابَ، وَوَثِقَ بِمُسَبِّبِ الْأَسْبَابِ، وَالْمُؤْمِنُ الضَّعِيفُ بِخِلَافِهِ وَهُوَ أَدْنَى مَرَاتِبِ الْإِيمَانِ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الْقُوَّةُ هُنَا يُرَادُ بِهَا عَزِيمَةُ النَّفْسِ فِي أُمُورِ الْآخِرَةِ، فَيَكُونُ صَاحِبُ هَذَا أَكْثَرَ إِقْدَامًا عَلَى الْغَزْوِ وَالْجِهَادِ، وَأَسْرَعَ خُرُوجًا وَذَهَابًا فِي طَلَبِهِ وَأَشَدَّ عَزِيمَةً فِي الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالصَّبْرِ عَلَى الْأَذَى فِي كُلِّ ذَلِكَ، وَقَوْلُهُ: فِي كُلٍّ خَيْرٌ، مَعْنَاهُ فِي كُلٍّ مِنَ الْقَوِيِّ وَالضَّعِيفِ خَيْرٌ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْإِيمَانِ، مَعَ مَا يَأْتِي بِهِ الضَّعِيفُ مِنَ الْعِبَادَاتِ (" احْرِصْ ") : بِكَسْرِ الرَّاءِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ} [النحل: ٣٧] وَفِي نُسْخَةٍ بِفَتْحِهَا، فَفِي الْقَامُوسِ: حَرَصَ كَضَرَبَ وَسَمِعَ، وَالْمَعْنَى كُنْ حَرِيصًا (" عَلَى مَا يَنْفَعُكَ ") أَيْ: مِنْ أُمُورِ الدِّينِ (" وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ ") أَيْ: عَلَى فِعْلِكَ فَإِنَّهُ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ (" وَلَا تَعْجِزْ ") بِكَسْرِ الْجِيمِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى جَلَّ جَلَالُهُ: أَعَجَزْتُ وَفِي نُسْخَةٍ بِالْفَتْحِ فَفِي الْقَامُوسِ: عَجَزَ كَضَرَبَ وَسَمِعَ أَيْ: وَلَا تَعْجَزْ عَنِ الْحِرْصِ وَالِاسْتِعَانَةِ، فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُعْطِيكَ قُوَّةً عَلَى طَاعَتِهِ إِذَا اسْتَقَمْتَ عَلَى اسْتِعَانَتِهِ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ لَا تَعْجِزْ عَنِ الْعَمَلِ بِمَا أُمِرْتَ، وَلَا تَتْرُكْهُ مُقْتَصِرًا عَلَى الِاسْتِعَانَةِ بِهِ، فَإِنَّ كَمَالَ الْإِيمَانِ أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَهُمَا.
قَالَ الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يُمْكِنُ أَنْ يَذْهَبَ إِلَى اللَّفِّ وَالنَّشْرِ، فَيَكُونُ قَوْلُهُ " احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ وَلَا تَتْرُكِ الْجُهْدَ " بَيَانًا لِلْقَوِيِّ " وَلَا تَعْجِزْ " بَيَانًا لِلضَّعِيفِ (" وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ ") أَيْ: مِنْ أَمْرِ دِينِكَ أَوْ دُنْيَاكَ (" فَلَا تَقُلْ لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ ") أَيْ: كَذَا وَكَذَا (" كَانَ ") أَيْ: لَصَارَ (" كَذَا وَكَذَا ") : فَإِنَّ هَذَا الْقَوْلَ غَيْرُ سَدِيدٍ، وَمَعَ هَذَا غَيْرُ مُفِيدٍ فَإِنَّهُ قَالَ تَعَالَى جَلَّ شَأْنُهُ: {قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا} [التوبة: ٥١] وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «مَا أَصَابَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَكَ وَمَا أَخْطَأَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَكَ» " وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ} [آل عمران: ١٥٣] (" وَلَكِنْ قُلْ ") أَيْ: بِلِسَانِ الْقَالِ أَوْ لِسَانِ الْحَالِ. (" قَدَّرَ اللَّهُ ") : بِتَشْدِيدِ الدَّالِ أَيْ: قُلْ قَدَّرَ اللَّهُ، وَيَجُوزُ تَخْفِيفُهَا. أَيْ: قُلْ قَدَّرَ اللَّهُ كَذَا وَكَذَا. أَيْ: وَقَعَ ذَلِكَ بِمُقْتَضَى قَضَائِهِ وَعَلَى وَفْقِ قَدَرِهِ. (" وَمَا شَاءَ ") أَيِ: اللَّهُ فِعْلَهُ (" فَعَلَ ") : فَإِنَّهُ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ وَلَا رَادَّ لِقَضَائِهِ وَلَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ، (" فَإِنَّ لَوْ ") أَيْ: كَلِمَةَ الشَّرْطِ أَوْ إِنَّ (" تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ ") .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute