يَمْشِي عَلَى ظَهْرِهِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا} [السجدة: ١٨] الْآيَةَ، (" أَوِ الْكَافِرُ ") : شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي لَا لِلتَّنْوِيعِ، وَقَدْ جَرَتْ عَادَةُ الْكِتَابِ وَالسُّنَةِ عَلَى بَيَانِ حُكْمِ الْفَرِيقَيْنِ فِي الدَّارَيْنِ، وَالسُّكُونِ عَنْ حَالِ الْمُؤْمِنِ الْفَاسِقِ سَتْرًا عَلَيْهِ، أَوْ لِيَكُونَ بَيْنَ الرَّجَاءِ وَالْخَوْفِ، لَا لِإِثْبَاتِ الْمَنْزِلَةِ بَيْنَ الْمَنْزِلَتَيْنِ كَمَا تَوَهَّمَتِ الْمُعْتَزِلَةُ، (" قَالَ لَهُ الْقَبْرُ: لَا مَرْحَبًا وَلَا أَهْلًا، أَمَا إِنْ كُنْتَ لَأَبْغَضَ مَنْ يَمْشِي عَلَى ظَهْرِي إِلَيَّ، فَإِذَا وُلِّيتُكَ الْيَوْمَ وَصِرْتَ إِلَيَّ فَسَتَرَى صَنِيعِي بِكَ ". قَالَ) أَيِ: النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (" فَيَلْتَئِمُ ") أَيْ: يَنْضَمُّ الْقَبْرُ (" عَلَيْهِ حَتَّى تَخْتَلِفَ أَضْلَاعُهُ ") أَيْ: يَدْخُلُ بَعْضُهَا فِي بَعْضٍ، وَفِي رِوَايَةٍ: حَتَّى تَلْتَقِي وَتَخْتَلِفَ أَضْلَاعُهُ.
(قَالَ) أَيِ: الرَّاوِي (وَقَالَ) أَيْ: أَشَارَ (رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَصَابِعِهِ) أَيْ: مِنَ الْيَدَيْنِ الْكَرِيمَتَيْنِ (فَأَدْخَلَ بَعْضَهَا) وَهُوَ أَصَابِعُ الْيَدِ الْيُمْنَى (فِي جَوْفِ بَعْضٍ) وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ تَضْيِيقَ الْقَبْرِ وَاخْتِلَافَ الْأَضْلَاعِ حَقِيقِيٌّ، لَا أَنَّهُ مُجَازٌ عَنْ ضِيقِ الْحَالِ، وَأَنَّ الِاخْتِلَافَ مُبَالَغَةٌ فِي أَنَّهُ عَلَى وَجْهِ الْكَمَالِ، كَمَا تَوَهَّمَهُ بَعْضُ أَرْبَابِ النُّقْصَانِ، حَتَّى جَعَلُوا عَذَابَ الْقَبْرِ رُوحَانِيًّا لَا جُسْمَانِيًّا، وَالصَّوَابُ أَنَّ عَذَابَ الْآخِرَةِ وَنَعِيمَهَا مُتَعَلِّقَانِ بِهِمَا.
(قَالَ) أَيِ: النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (" وَيُقَيَّضُ ") بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ الْمَفْتُوحَةِ أَيْ: يُسَلَّطُ وَيُوَكَّلُ (" لَهُ ") أَيْ: بِخُصُوصِهِ وَإِلَّا فَهُوَ عَلَيْهِ (" سَبْعُونَ تِنِّينًا ") بِكَسْرِ التَّاءِ وَتَشْدِيدِ النُّونِ الْأَوَّلِ مَكْسُورَةً أَيْ: حَيَّةً عَظِيمَةً، يُقَالُ لَهُ: أَزْرَدُ بِالْفَارِسِيِّ وَبِالْعَرَبِيِّ أَفْعَى، وَعَدَدُ السَبْعِينَ يَحْتَمِلُ التَّحْدِيدَ وَالتَّكْثِيرَ، وَيُؤَيِّدُ الثَّانِيَ مَا ذَكَرَهُ فِي الْإِحْيَاءِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا " هَلْ تَدْرُونَ فِيمَا إِذَا أُنْزِلَتْ {فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا} [طه: ١٢٤] قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: " عَذَابُ الْكَافِرِ فِي قَبْرِهِ، يُسَلَّطُ عَلَيْهِ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ تِنِّينًا، هَلْ تَدْرُونَ مَا التِّنِّينُ؟ " قَالَ: " تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ حَيَّةً لِكُلِّ وَاحِدَةٍ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ رَأْسًا يَخْدِشْنَهُ، وَيَلْحَسْنَهُ، وَيَنْفُخْنَ فِي جِسْمِهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ " انْتَهَى. (" لَوْ أَنَّ وَاحِدًا مِنْهَا نَفَخَ ") الْخَاءُ الْمُعْجَمَةُ أَيْ: تَنَفَّسَ (" فِي الْأَرْضِ مَا أَنْبَتَتْ ") أَيِ: الْأَرْضُ (" شَيْئًا ") أَيْ: مِنَ الْإِنْبَاتِ أَوِ النَّبَاتَاتِ (" مَا بَقِيَتِ الدُّنْيَا ") أَيْ: مُدَّةَ بَقَائِهَا (" فَيَنْهَسْنَهُ ") : بِفَتْحِ الْهَاءِ وَسُكُونِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ، أَيْ: يَلْدَغْنَهُ، وَفِي الْقَامُوسِ: نَهَسَ اللَّحْمَ، كَمَنَعَ وَفَرِحَ، أَخَذَهُ بِمَقْدِمِ أَسْنَانِهِ وَنَتَفَهُ (" وَيَخْدِشْنَهُ ") بِكَسْرِ الدَّالِ أَيْ: يُخْرِجْنَهُ (" حَتَّى يُفْضِي ") بِفَتْحٍ فَسُكُونِ فَاءٍ فَفَتْحِ ضَادٍ مُعْجَمَةٍ أَيْ: يُوصِلُ (" بِهِ ") أَيْ: بِالْكَافِرِ (" إِلَى الْحِسَابِ ") أَيْ: وَثُمَّ إِلَى الْعِقَابِ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْكَافِرَ يُحَاسَبُ، خِلَافًا لِمَا تَوَهَّمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الْكَافِرَ يَدْخُلُ النَّارَ بِغَيْرِ حِسَابٍ، اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يُقَالَ: الْمُرَادُ بِالْحِسَابِ الْجَزَاءُ، وَأَنَّ ظَوَاهِرَ الْآيَاتِ مِنْ قَوْلِهِ: {وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ} [القارعة: ٨] فَصَرِيحٌ فِي حِسَابِهِمْ، نَعَمْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ بَعْضُهُمْ مِنَ الْعُصَاةِ الْعُتَاةِ يَدْخُلُونَ النَّارَ مِنْ غَيْرِ حِسَابٍ وَلَا كِتَابٍ، كَمَا يَدْخُلُ بَعْضُ الْمُؤْمِنِينَ الْمُبَالِغِينَ فِي الصَّبْرِ وَالتَّوَكُّلِ عَلَى مَا سَبَقَ بِغَيْرِ حِسَابٍ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
(قَالَ) أَيِ: الرَّاوِي (وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) أَيْ: فِي هَذَا الْمَحَلِّ أَوْ فِي وَقْتٍ آخَرَ، فَتَأَمَّلْ، (" إِنَّمَا الْقَبْرُ رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ، أَوْ حُفْرَةٌ مِنْ حُفَرِ النَّارِ ") بِصِيغَةِ الْإِفْرَادِ الْمُنَاسِبَةِ لِلَفْظَةِ الْجَنَّةِ، وَفِي نُسْخَةِ: النِّيرَانِ لِمُنَاسَبَةِ جَمْعِ الْحُفَرِ وَلِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْجَنَّةِ الْجِنَانُ، قَالَ الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قَوْلُهُ: مِنْ حُفَرِ النَّارِ كَذَا فِي جَامِعِ التِّرْمِذِيِّ، وَجَامِعِ الْأُصُولِ، وَأَكْثَرِ نُسَخِ الْمَصَابِيحِ، وَفِي بَعْضِهَا: النِّيرَانِ بِالْجَمْعِ. (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute