وَمُجْمَلُهُ أَنْ سَأَصِلُ تِلْكَ الْقَرَابَةَ بِالشَّيْءِ الَّذِي يُتَوَصَّلُ بِهِ إِلَى الْأَقَارِبِ مِنَ الْإِحْسَانِ، وَدَفْعِ الظُّلْمِ وَالضُّرِّ عَنْهُمْ وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَفِي النِّهَايَةِ: الْبِلَالُ جَمْعُ بَلَلٍ، وَالْعَرَبُ يُطْلِقُونَ النَّدَاوَةَ عَلَى الصِّلَةِ، كَمَا يُطْلَقُ الْيُبْسُ عَلَى الْقِطْعَةِ ; لِأَنَّهُمْ لَمَّا رَأَوْا أَنَّ بَعْضَ الْأَشْيَاءِ يَتَّصِلُ بِالنَّدَاوَةِ، وَيَحْصُلُ بَيْنَهَا التَّجَافِي وَالتَّفَرُّقُ بِالْيُبْسِ اسْتَعَارُوا الْبَلَلَ لِمَعْنَى الْوَصْلِ، وَالْيُبْسَ لِمَعْنَى الْقِطْعَةِ، وَالْمَعْنَى: أَصِلُكُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) .
(وَفَى الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ) : هَذَا مَوْجُودٌ فِي بَعْضِ النُّسَخِ الْمُصَحَّحَةِ (يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، اشْتَرُوا أَنْفُسَكُمْ) ، أَيِ اعْتِقُوهَا وَخَلِّصُوهَا مِنَ النَّارِ بِالْإِيمَانِ وَتَرْكِ الْكُفْرَانِ وَبِالطَّاعَةِ لِمَا جِئْتُ بِهِ وَالِانْقِيَادِ لِمَا مَنَعْتُ مِنْهُ (لَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا) أَيْ: لَا أُبْعِدُ مِنْكُمْ وَلَا أَدْفَعُ عَنْكُمْ شَيْئًا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ (يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ: لَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، يَا عَبَّاسُ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ") بِالنَّصْبِ فِيهِمَا، وَفَى نُسْخَةٍ بِرَفْعِ عَبَّاسٍ (" لَا أُغْنِي عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَيَا صَفِيَّةُ ") بِالْوَاوِ الْعَاطِفَةِ بِخِلَافِ مَا قَبْلُهُ مِنْ أَلْفَاظِ النِّدَاءِ، فَإِنَّهَا كَانَتْ عَلَى سَبِيلِ التَّعْدَادِ، وَصْفِيَّةُ مَرْفُوعَةٌ، وَقَوْلُهُ: (" عَمَّةَ رَسُولِ اللَّهِ ") مَنْصُوبَةٌ (" لَا أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا ") وَكَذَا قَوْلُهُ: (وَيَا فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ! سَلِينِي مَا شِئْتِ مِنْ مَالِي) كَذَا فِي نُسَخٍ مِنْ مَوْصُولَةٌ، قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: أَرَى أَنَّهُ لَيْسَ مِنَ الْمَالِ الْمَعْرُوفِ فِي شَيْءٍ، وَإِنَّمَا عَبَّرَ بِهِ عَمَّا يَمْلِكُهُ مِنَ الْأَمْرِ وَيَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ فِيهِ، وَلَمْ يَثْبُتْ عِنْدَنَا أَنَّهُ كَانَ ذَا مَالٍ لَا سِيَّمَا بِمَكَّةَ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْكَلِمَتَيْنِ أَعْنِي (مِنْ وَمَا) وَقَعَ الْفَصْلُ فِيهِمَا مِنْ بَعْضِ مَنْ لَمْ يُحَقِّقْهُ مِنَ الرُّوَاةِ فَكَتَبَهُمَا مُنْفَصِلَتَيْنِ، انْتَهَى. وَفِيهِ أَنَّهُ يَرُدُّهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى} [الضحى: ٨] أَيْ بِمَالِ خَدِيجَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - عَلَى مَا قَالَهُ الْمُفَسِّرُونَ، وَأَيْضًا لَمْ يَلْزَمْ مِنْ عَدَمِ وُجُودِ الْمَالِ الْحَاضِرِ لِلْجَوَادِ أَنْ لَا يَدْخُلَ فِي يَدِهِ شَيْءٌ مِنَ الْمَالِ فِي الِاسْتِقْبَالِ، فَيُحْمَلُ الْوَعْدُ الْمَذْكُورُ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ، وَمَهْمَا أَمْكَنَ الْجَمْعُ لِتَصْحِيحِ الدِّرَايَةِ تَعَيَّنَ عَدَمُ التَّخْطِئَةِ فِي الرِّوَايَةِ، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ، (" لَا أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا ") .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute