فِي الْعَيْنِ وَالْمَاءِ وَالشَّرَابِ مِنْ تُرَابٍ أَوْ تِبْنٍ أَوْ وَسَخٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، أَرَادَ أَنَّ اجْتِمَاعَهُمْ يَكُونُ عَلَى فَسَادٍ فِي قُلُوبِكُمْ، فَشَبَّهَهُ بِقَذَى الْعَيْنِ وَنَحْوَهَا، قَالَ الْقَاضِي - رَحِمَهُ اللَّهُ: أَيْ: إِمَارَةٌ مَشُوبَةٌ بِشَيْءٍ مِنَ الْبِدَعِ وَارْتِكَابِ الْمَنَاهِي، (" وَهُدْنَةٌ ") بِضَمِّ الْهَاءِ أَيْ: صُلْحٌ (" عَلَى دَخَنٍ ") بِفَتْحَتَيْنِ أَيْ: مَعَ خِدَاعٍ وَنِفَاقٍ وَخِيَانَةٍ. وَفِي الْفَائِقِ: هَدَنَ أَيْ: سَكَنَ، ضَرَبَهُ مَثَلًا لِمَا بَيْنَهُمْ مِنَ الْفَسَادِ الْبَاطِنِ تَحْتَ الصَّلَاحِ الظَّاهِرِ، اهـ.
وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى: ثُمَّ يَكُونُ اجْتِمَاعُ النَّاسِ عَلَى مَنْ جُعِلَ أَمِيرًا بِكَرَاهِيَةِ نَفْسٍ لَا بِطِيبِ قَلْبٍ، يُقَالُ: فَعَلْتُ كَذَا وَفَى الْعَيْنِ قَذًى، أَيْ: فَعَلْتُهُ عَلَى كَرَاهَةٍ وَإِغْمَاضِ عَيْنٍ، كَمَا أَنَّ الْعَيْنَ الَّتِي يَقَعُ فِيهَا الْقَذَى ظَاهِرُهَا صَحِيحٌ وَبَاطِنُهَا صَرِيخٌ، وَأَصْلُ الدَّخَنِ هُوَ الْكُدُورَةُ وَاللَّوْنُ الَّذِي يَضْرِبُ إِلَى السَّوَادِ، فَيَكُونُ فِيهِ إِشْعَارٌ إِلَى أَنَّهُ صَلَاحٌ مَشُوبٌ بِالْفَسَادِ ; فَيَكُونُ إِشَارَةً إِلَى صُلْحِ الْحَسَنِ مَعَ مُعَاوِيَةَ وَتَفْوِيضِ الْمُلْكِ إِلَيْهِ وَاسْتِقْرَارِ أَمْرِ الْإِمَارَةِ عَلَيْهِ، وَبِهِ يَظْهَرُ أَنَّ مُعَاوِيَةَ بِصُلْحِ الْحَسَنِ لَمْ يَصِرْ خَلِيفَةً، خِلَافًا لِمَنْ تَوَهَّمَ خِلَافَ ذَلِكَ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
(قُلْتُ: ثُمَّ مَاذَا؟) أَيْ: مَاذَا يَكُونُ (قَالَ: " ثُمَّ تَنْشَأُ ") أَيْ: تَظْهَرُ (" دُعَاةُ الضَّلَالِ ") أَيْ: جَمَاعَةٌ يَدْعُونَ النَّاسَ إِلَى الْبِدَعِ أَوِ الْمَعَاصِي، (" فَإِنْ كَانَ لِلَّهِ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةٌ ") أَيْ: مَوْجُودًا فِيهَا، وَلَوْ مِنْ صِفَتِهِ أَنَّهُ (" جَلَدَ ظَهْرَكَ ") أَيْ: ضَرَبَكَ بِالْبَاطِلِ (" وَأَخَذَ مَالَكَ ") أَيْ: بِالْغَصْبِ، أَوْ مَا لَكَ مِنَ الْمَنْصِبِ، وَالنَّصِيبِ بِالتَّعَدِّي (" فَأَطِعْهُ ") أَيْ: وَلَا تُخَالِفْهُ ; لِئَلَّا تَثُورَ فِتْنَةٌ (" وَإِلَّا ") أَيْ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلَّهِ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةٌ (" فَمُتْ ") : أَمْرٌ مِنْ مَاتَ يَمُوتُ، إِشَارَةٌ إِلَى مَا قِيلَ: مُوتُوا قَبْلَ أَنْ تَمُوتُوا، وَكَأَنَّهُ عَبَّرَ عَنِ الْخُمُولِ وَالْعُزْلَةِ بِالْمَوْتِ، فَإِنَّ غَالِبَ لَذَّةِ الْحَيَاةِ تَكُونُ بِالشُّهْرَةِ وَالْخِلْطَةِ وَالْخَلْوَةِ، (" وَأَنْتَ عَاضٌّ ") : بِتَشْدِيدِ الضَّادِ وَالْجُمْلَةُ حَالِيَّةٌ أَيْ: حَالَ كَوْنِكَ آخِذًا بِقُوَّةٍ وَمَاسِكًا بِشِدَّةٍ (" عَلَى جَذْلِ شَجَرَةٍ ") : بِكَسْرِ الْجِيمِ وَتُفْتَحُ أَيْ: أَصْلُهَا، قَالَ الْقَاضِي: أَيْ: فَعَلَيْكَ بِالْعُزْلَةِ وَالصَّبْرِ عَلَى غُصَصِ الزَّمَانِ وَالتَّحَمُّلِ لِمَشَاقِّهِ وَشَدَائِدِهِ، وَعَضُّ جَذْلِ الشَّجَرَةِ وَهُوَ أَصْلُهَا كِنَايَةً عَنْ مُكَابَدَةِ الشِّدَادِ مِنْ قَوْلِهِمْ: فُلَانٌ يَعُضُّ بِالْحِجَارَةِ لِشِدَّةِ الْأَلَمِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْهُ أَنْ يَنْقَطِعَ عَنِ النَّاسِ، وَيَتَبَوَّأَ أَجِمَةً وَيَلْزَمُهَا إِلَى أَنْ يَمُوتَ أَوْ يَنْقَلِبَ الْأَمْرُ مِنْ قَوْلِهِمْ: عَضَّ الرَّجُلُ بِصَاحِبِهِ إِذَا لَزِمَهُ وَلَصِقَ بِهِ، وَمِنْهُ: عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَقِيلَ: هَذِهِ الْجُمْلَةُ قَسِيمَةُ قَوْلِهِ: فَأَطِعْهُ، وَمَعْنَاهُ: إِنْ لَمْ تُطِعْهُ أَدَّتْكَ الْمُخَالَفَةُ إِلَى مَا لَا تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصْبِرَ عَلَيْهِ، وَيَدُلَّ عَلَى الْمَعْنَى الْأَوَّلِ قَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى: فِتْنَةٌ عَمْيَاءُ صَمَّاءُ عَلَيْهَا دُعَاةٌ عَلَى أَبْوَابِ النَّارِ، فَإِنْ مُتَّ يَا حُذَيْفَةُ وَأَنْتَ عَاضٌّ عَلَى جَذْلٍ خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ تَتَّبِعَ أَحَدًا مِنْهُمْ. قَالَ الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ: عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ لَفْظُهُ خَبَرٌ وَمَعْنَاهُ الْأَمْرُ، وَهُوَ قَسِيمٌ لِقَوْلِهِ: فَإِنْ كَانَ لِلَّهِ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةٌ، عَلَى الثَّانِي هُوَ مُسَبَّبٌ مِنْ قَوْلِهِ: فَأَطِعْهُ، هَذَا وَفِي نُسْخَةٍ: قُمْتَ بِصِيغَةِ الْخِطَابِ مِنَ الْقِيَامِ بَدَلَ فَمُتْ. قَالَ السَّيِّدُ جَمَالُ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ: قُمْ خَبَرٌ بِمَعْنَى الْأَمْرِ.
(قُلْتُ ثُمَّ مَاذَا؟) أَيْ: مِنَ الْفِتَنِ (قَالَ: " ثُمَّ يَخْرُجُ الدَّجَّالُ ") أَيْ: زَمَنَ الْمَهْدِيِّ (" بَعْدَ ذَلِكَ ") أَيْ: بَعْدَ مَا ذَكَرَ مِنْ وُقُوعِ أَنْوَاعِ الشُّرُورِ وَالْفِتَنِ (" وَمَعَهُ نَهْرٌ ") : بِسُكُونِ الْهَاءِ وَفَتْحِهَا أَيْ: نَهْرُ مَاءٍ (" وَنَارٌ ") أَيْ: خَنْدَقُ نَارٍ، قِيلَ: إِنَّهُمَا عَلَى وَجْهِ التَّخَيُّلِ مِنْ طَرِيقِ السِّحْرِ وَالسِّيمِيَاءِ، وَقِيلَ: مَاؤُهُ فِي الْحَقِيقَةِ نَارٌ وَنَارُهُ مَاءٌ. (" فَمَنْ وَقَعَ فِي نَارِهِ ") أَيْ: مَنْ خَالَفَهُ حَتَّى يُلْقِيَهُ فِي نَارِهِ، وَأَضَافَ النَّارَ إِلَيْهِ إِيمَاءً إِلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِنَارٍ حَقِيقَةً بَلْ سِحْرًا (" وَجَبَ أَجْرُهُ ") أَيْ: ثَبَتَ وَتَحَقَّقَ أَجْرُ الْوَاقِعِ (" وَحُطَّ ") أَيْ: وَرُفِعَ وَسُومِحَ (" وِزْرُهُ ") أَيْ: إِثْمُهُ السَّابِقُ، (" وَمَنْ وَقَعَ فِي نَهْرِهِ ") أَيْ: حَيْثُ وَافَقَهُ فِي أَمْرِهِ (" وَجَبَ وَزِرُهُ ") أَيِ: اللَّاحِقُ (" وَحُطَّ أَجْرُهُ ") أَيْ: بَطَلَ عَمَلُهُ السَّابِقُ، (" قَالَ: قُلْتُ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: " ثُمَّ يُنْتَجُ ") : بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ ثُمَّ يُولَدُ (" الْمُهْرُ ") : بِضَمٍّ وَسُكُونِ هَاءٍ أَيْ: وَلَدُ الْفَرَسِ. قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ: يُنْتَجُ مِنَ النَّتْجِ لَا مِنَ النِّتَاجِ وَهُوَ الْوِلَادَةُ وَلَا مِنَ الْإِنْتَاجِ، يُقَالُ: نَتَجَتِ الْفَرَسُ أَوِ النَّاقَةُ عَلَى بِنَاءِ مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ نِتَاجًا، وَنَتَجَهَا أَهْلُهَا نَتَجًا،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute