وَأَعَدَّهَا وَأَعْلَمَهَا، وَلَوْ وُجِدَتِ الرِّوَايَةُ بِفَتْحِ الشِّينِ مِنَ الشَّرْطِ لَكَانَ مَعْنَاهَا أَوْضَحَ وَأَقْوَمَ مَعَ قَوْلِهِ: وَتَفْنَى الشُّرْطَةُ، أَيْ: يَشْتَرِطُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ شَرْطًا أَنْ لَا يَرْجِعُوا إِلَّا غَالِبَةً يَعْنِي يَوْمَهُمْ ذَلِكَ، فَإِذَا حَجَزَ بَيْنَهُمُ اللَّيْلُ ارْتَفَعَ الشَّرْطُ الَّذِي شَرَطُوهُ، وَإِنَّمَا أَدْخَلَ فِيهِ التَّاءَ لِتَدُلَّ عَلَى التَّوْحِيدِ، أَيْ: يَشْتَرِطُونَ شُرْطَةً وَاحِدَةً لَا مَثْنَوِيَّةَ فِيهَا، وَلَا نَعْرِفُ ذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ الرِّوَايَةِ، فَقَالَ الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ: إِذَا وُجِدَتِ الرِّوَايَةُ الصَّرِيحَةُ الصَّحِيحَةُ وَجَبَ الذَّهَابُ إِلَيْهَا، وَالِانْحِرَافُ عَنِ التَّحْرِيفِ مِنْ ضَمِّ الشِّينِ إِلَى فَتْحِهَا، وَالْتِزَامِ التَّكَلُّفِ فِي تَأْوِيلِ التَّاءِ، وَالْعُدُولِ عَنِ الْحَقِيقَةِ فِي نَفْيِ الشُّرْطَةِ إِلَى ذَلِكَ الْمَجَازِ الْبَعِيدِ، وَأَيُّ مَانِعٍ مِنْ أَنْ يُفْرَضَ أَنَّ الْفِئَةَ الْعَظِيمَةَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَفْرَزُوا مِنْ بَيْنِهِمْ طَائِفَةً تَتَقَدَّمُ الْجَيْشَ لِلْمُقَاتَلَةِ، وَاشْتَرَطُوا عَلَيْهَا أَنْ لَا تَرْجِعَ إِلَّا غَالِبَةً ; فَلِذَلِكَ بَذَلُوا جُهْدَهُمْ، وَصَدَقُوا فِيمَا عَاهَدُوا وَقَاتَلُوا حَتَّى قُتِلُوا عَنْ آخِرِهِمْ، وَهُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ: وَتَفْنَى الشُّرْطَةُ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: قَدْ شَرَطَ عَلَيْهِ كَذَا، وَاشْتَرَطَ عَلَيْهِ وَشَرَطَ، وَقَوْلُهُ: فَيَفِيءُ هَؤُلَاءِ، الْمُرَادُ مِنْهُ الْفِئَتَانِ الْعَظِيمَتَانِ لَا الشُّرْطَةُ.
(ثُمَّ يَتَشَرَّطُ الْمُسْلِمُونَ شُرْطَةً) أَيْ: أُخْرَى (لِلْمَوْتِ لَا تَرْجِعُ إِلَّا غَالِبَةً فَيَقْتَتِلُونَ، حَتَّى يَحْجِزَ بَيْنَهُمُ اللَّيْلُ، فَيَفِيءُ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ، كُلٌّ غَيْرُ غَالِبٍ، وَتَفْنَى الشُّرْطَةُ ثُمَّ يَتَشَرَّطُ الْمُسْلِمُونَ شُرْطَةً) أَيْ: ثَالِثَةٌ (لِلْمَوْتِ لَا تَرْجِعُ إِلَّا غَالِبَةً، فَيَقْتَتِلُونَ حَتَّى يُمْسُوا) أَيْ: يَدْخُلُوا فِي الْمَسَاءِ بِأَنْ يَدْخُلَ اللَّيْلُ، فَفِي الْعِبَارَةِ تَفَنُّنٌ، (فَيَفِيءُ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ، كُلٌّ غَيْرُ غَالِبٍ وَتَفْنَى الشُّرْطَةُ فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الرَّابِعِ نَهَدَ إِلَيْهِمْ) أَيْ: نَهَضَ وَقَامَ وَقَصَدَ إِلَى قِتَالِهِمْ (بَقِيَّةُ أَهْلِ الْإِسْلَامِ فَيَجْعَلُ اللَّهُ الدَّبْرَةَ) : بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ اسْمٌ مِنَ الْإِدْبَارِ، وَرُوِيَ الدَّابِرُ وَهُوَ بِمَعْنَى الْأَوَّلِ، أَيِ: الْهَزِيمَةُ (عَلَيْهِمْ) أَيْ: عَلَى الْكُفَّارِ، وَقَالَ شَارِحٌ: أَيْ: عَلَى الرُّومِ، (فَيَقْتَتِلُونَ) : مِنْ بَابِ الِافْتِعَالِ، هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَوْجُودُ فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ الْمُعْتَمَدَةِ، وَفِي نُسْخَةٍ: فَيُقْتَلُونَ بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ مِنَ الثُّلَاثِيِّ، وَهَذَا مَبْنِيٌّ لِمَا تُوُهِّمَ مِنْ أَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: فَيَجْعَلُ اللَّهُ، وَالْحَالُ أَنَّ الْأَمْرَ خِلَافُ ذَلِكَ، بَلْ هُوَ مُتَعَلِّقٌ بِمَجْمُوعِ مَا تَقَدَّمَ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ، وَقَوْلُهُ: (مَقْتَلَةً) مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ مِنْ غَيْرِ بَابِهِ أَوْ بِحَذْفِ زَوَائِدِهِ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا} [نوح: ١٧] ، وَالْمَعْنَى مُقَاتَلَةٌ عَظِيمَةٌ، (لَمْ يُرَ) أَيْ: لَمْ يُبْصَرْ أَوْ لَمْ يُعْرَفْ (مِثْلُهَا، حَتَّى إِنَّ الطَّائِرَ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَتُفَتَحُ (لَيَمُرُّ) أَيْ: لَيُرِيدُ الْمُرُورَ (بِجَنْبَاتِهِمْ) : بِجِيمٍ فَنُونٍ مَفْتُوحَتَيْنِ فَمُوَحَّدَةٍ، أَيْ: بِنَوَاحِيهِمْ (فَلَا) ، وَفِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ فَمَا (يُخَلِّفُهُمْ) : بِكَسْرِ اللَّامِ الْمُشَدَّدَةِ مِنْ خَلَّفْتُ فُلَانًا وَرَائِي إِذَا جَعَلْتَهُ مُتَأَخِّرًا عَنْكَ، وَالْمَعْنَى: فَلَا يُجَاوِزُهُمْ (حَتَّى يَخِرَّ) : بِكَسْرِ مُعْجَمَةٍ وَتَشْدِيدِ رَاءٍ أَيْ: حَتَّى يَسْقُطَ الطَّائِرُ (مَيِّتًا) : بِتَشْدِيدِ التَّحْتِيَّةِ وَيُخَفَّفُ. قَالَ الْمُظْهِرُ: يَعْنِي يَطِيرُ الطَّائِرُ عَلَى أُولَئِكَ الْمَوْتَى، فَمَا وَصَلَ إِلَى آخِرِهِمْ حَتَّى يَخِرَّ وَيَسْقُطَ مَيِّتًا مِنْ نَتْنِهِمْ، أَوْ مِنْ طُولِ مَسَافَةِ مَسْقَطِ الْمَوْتَى. وَقَالَ الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَالْمَعْنَى الثَّانِي يَنْظُرُ إِلَى قَوْلِ الْبُحْتُرِيَّ فِي وَصْفِ بِرْكَةٍ:
لَا يَبْلُغُ السَّمَكُ الْمَحْصُورُ غَايَتَهَا
لِبُعْدِ مَا بَيْنَ قَاصِيهَا وَدَانِيهَا
(فَيَتَعَادَّ) : بِصِيغَةِ الْمَعْلُومِ، وَقِيلَ بِالْمَجْهُولِ مِنْ بَابِ التَّفَاعُلِ، وَالْمَعْنَى: يَعُدُّ (بَنُو الْأَبِ) أَيْ: جَمَاعَةٌ حَضَرُوا تِلْكَ الْحَرْبَ كُلُّهُمْ أَقَارِبُ (كَانُوا مِائَةً فَلَا يَجِدُونَهُ) : الضَّمِيرُ الْمَنْصُوبُ لِمِائَةٍ بِتَأْوِيلِ الْمَعْدُودِ أَوِ الْعَدَدِ، أَيْ: فَلَا يَجِدُونَ عَدَدَهُمْ، أَوْ لِبَنِي الْأَبِ ; لِأَنَّهُ لَيْسَ بِجَمْعٍ حَقِيقَةً لَفْظًا، بَلْ مَعْنًى، كَذَا قِيلَ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ بَنِي الْأَبِ بِمَعْنَى الْقَوْمِ، وَالْقَوْمُ مُفْرَدًا لِلَّفْظِ جَمْعَ الْمَعْنَى، فَرُوعِيَ كُلٌّ مِنْهُمَا حَيْثُ قَالَ: فَلَا يَجِدُونَهُ (بَقِيَ مِنْهُمْ إِلَّا الرَّجُلُ الْوَاحِدُ) :
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute