وَخُلَاصَةُ الْمَعْنَى: أَنَّهُمْ يَشْرَعُونَ فِي عَدِّ أَنْفُسِهِمْ، فَيَشْرَعُ كُلُّ جَمَاعَةٍ فِي عَدِّ أَقَارِبِهِمْ، فَلَا يَجِدُونَ مِنْ مِائَةٍ إِلَّا وَاحِدًا، وَزِيدَتُهُ أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْ مِائَةٍ إِلَّا وَاحِدًا، (فَبِأَيِّ غَنِيمَةٍ يُفْرَحُ) : الْفَاءُ تَفْرِيعِيَّةٌ أَوْ فَصِيحَةٌ. قَالَ الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ: هُوَ جَزَاءُ شَرْطٍ مَحْذُوفٍ أُبْهِمَ أَوَّلًا فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ السَّاعَةَ لَا تَقُومُ حَتَّى لَا يُقَسَّمَ مِيرَاثٌ وَلَا يُفْرَحَ بِغَنِيمَةٍ» ; حَيْثُ أَطْلَقُهُ ثُمَّ بَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ: عَدُوٌّ إِلَخْ، بِأَنَّ ذَلِكَ مُقَيَّدٌ بِهَذِهِ الصِّفَةِ، فَحِينَئِذٍ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ: فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَبِأَيِّ غَنِيمَةٍ يُفْرَحُ (أَوْ أَيُّ مِيرَاثٍ) : الظَّاهِرُ أَنَّهُ بِالرَّفْعِ أَيْ فَأَيُّ مِيرَاثٍ (يُقَسَّمُ؟) : وَأَوْ لِلتَّنْوِيعِ، وَفِي النُّسَخِ بِالْجَرِّ، فَالْمَعْنَى: فَبِأَيِّ مِيرَاثٍ تَقَعُ الْقِسْمَةُ؟ وَتَأْخِيرُ الْمِيرَاثِ مَعَ تَقَدُّمِهِ سَابِقًا نَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ} [آل عمران: ١٠٦] الْآيَةَ. (فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ سَمِعُوا) أَيِ: الْمُسْلِمُونَ (بِبَأْسٍ) : بِمُوَحَّدَةٍ وَهَمْزَةٍ سَاكِنَةٍ وَيُبَدَّلُ، أَيْ: بِحَرْبٍ شَدِيدٍ، (هُوَ أَكْبَرُ) أَيْ: أَعْظَمُ (مِنْ ذَلِكَ) أَيْ: مِمَّا سَبَقَ، وَالْمُرَادُ بِالْبَأْسِ أَهْلُهُ بِارْتِكَابِ أَحَدِ الْمَجَازَيْنِ الْمَشْهُورَيْنِ (فَجَاءَهُمْ) أَيِ: الْمُسْلِمِينَ (الصَّرِيخُ) : فَعِيلٌ مِنَ الصُّرَاخِ، وَهُوَ الصَّوْتُ، أَيْ: صَوْتُ الْمُسْتَصْرِخِ وَهُوَ الْمُسْتَغِيثُ (أَنَّ الدَّجَّالَ) : بِفَتْحِ أَنَّ وَيُكْسَرُ (قَدْ خَلَفَهُمْ) : بِتَخْفِيفِ اللَّامِ أَيْ: قَعَدَ مَكَانَهُمْ (فِي ذَرَارِيِّهِمْ) : بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ أَيْ: أَوْلَادِهِمْ، وَفِي رِوَايَةٍ: فِي أَهْلِيهِمْ (فَيَرْفُضُونَ) : بِضَمِّ الْفَاءِ أَيْ: فَيَتْرُكُونَ وَيُلْقُونَ (مَا فِي أَيْدِيهِمْ) أَيْ: مِنَ الْغَنِيمَةِ وَسَائِرِ الْأَمْوَالِ فَزَعًا عَلَى الْأَهْلِ وَالْعِيَالِ (وَيُقْبِلُونَ) : مِنَ الْإِقْبَالِ أَيْ: وَيَتَوَجَّهُونَ إِلَى الدَّجَّالِ (فَيَبْعَثُونَ) أَيْ: يُرْسِلُونَ (عَشْرَ فَوَارِسَ) : جَمْعُ فَارِسٍ أَيْ: رَاكِبُ فَرَسٍ (طَلِيعَةً) : وَهُوَ مَنْ يُبْعَثُ لِيَطَّلِعَ عَلَى حَالِ الْعَدُوِّ، كَالْجَاسُوسِ، فَعِيلَةٌ بِمَعْنَى فَاعِلَةٍ يَسْتَوِي فِيهِ الْوَاحِدُ وَالْجَمْعُ، وَإِنَّمَا قَالَ: عَشْرٌ نَظَرًا إِلَى أَنَّ الْفَوَارِسَ طَلَائِعُ.
(قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنِّي لَأَعْرِفُ أَسْمَاءَهُمْ ") أَيِ: الْعِشْرَةُ (" وَأَسْمَاءَ آبَائِهِمْ، وَأَلْوَانَ خُيُولِهِمْ ") : فِيهِ مَعَ كَوْنِهِ مِنَ الْمُعْجِزَاتِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ عِلْمَهُ تَعَالَى مُحِيطٌ لِلْكُلِّيَّاتِ وَالْجُزْئِيَّاتِ مِنَ الْكَائِنَاتِ وَغَيْرِهَا (" هُمْ خَيْرُ فَوَارِسَ، أَوْ مِنْ خَيْرِ فَوَارِسَ) : ظَاهِرُهُ أَنَّهُ شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي (" عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ ": احْتِرَازٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ (" يَوْمَئِذٍ ") أَيْ: حِينَئِذٍ، وَهُوَ احْتِرَازٌ مِنَ الْعَشَرَةِ الْمُبَشَّرَةِ وَأَمْثَالِهِمْ (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute