قَالَ الْأَشْرَفُ: لَمَّا كَانَ بَيْتُ الْمَقْدِسِ بِاسْتِيلَاءِ الْكُفَّارِ عَلَيْهِ، وَكَثْرَةِ عِمَارَتِهِمْ فِيهِ أَمَارَةٌ مُسْتَعْقِبَةٌ بِخَرَابِ يَثْرِبَ، وَهُوَ أَمَارَةٌ مُسْتَعْقِبَةٌ بِخُرُوجِ الْمَلْحَمَةِ، وَهُوَ أَمَارَةٌ مُسْتَعْقِبَةٌ بِفَتْحِ قُسْطَنْطِينِيَّةَ، وَهُوَ أَمَارَةٌ مُسْتَعْقِبَةٌ بِخُرُوجِ الدَّجَّالِ، جَعَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُلَّ وَاحِدٍ عَيْنَ مَا بَعْدَهُ وَعَبَّرَ بِهِ عَنْهُ اهـ. وَخُلَاصَتُهُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ أَمَارَةٌ لِوُقُوعٍ مَا بَعْدَهُ، وَإِنْ وَقَعَ هُنَاكَ مُهْلَةٌ.
قَالَ الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ: فَإِنْ قُلْتَ: قَالَ هَنَا فَتْحُ الْقُسْطَنْطِينِيَّةِ خُرُوجُ الدَّجَّالِ، وَفِي الْحَدِيثِ السَّابِقِ: إِذْ صَاحَ فِيهِمُ الشَّيْطَانُ: إِنَّ الْمَسِيحَ قَدْ خَلَفَكُمْ فِي أَهْلِيكُمْ فَيَخْرُجُونَ، وَذَلِكَ بَاطِلٌ، فَكَيْفَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا؟ قُلْتُ: إِنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَعَلَ الْفَتْحَ عَلَامَةً لِخُرُوجِ الدَّجَّالِ، لَا أَنَّهَا مُسْتَعْقِبَةٌ لَهُ مِنْ غَيْرِ تَرَاخٍ، وَصُرَاخُ الشَّيْطَانِ كَانَ لِلْإِيذَانِ بِأَنَّهُ وَاقِعٌ لِيَشْتَغِلُوا عَنِ الْقَسْمِ، وَكَانَ بَاطِلًا يَدُلُّ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ الْآتِي: الْمَلْحَمَةُ الْعُظْمَى وَفَتْحُ الْقُسْطَنْطِينِيَّةِ، وَخُرُوجُ الدَّجَّالِ فِي سَبْعَةِ أَشْهُرٍ، وَالتَّعْرِيفُ فِي الصَّارِخِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ لِلْعَهْدِ وَالْمَعْهُودُ الشَّيْطَانُ.
أَقُولُ: وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْقَضِيَّةَ مُتَعَدِّدَةٌ، وَأَنَّ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا مُتَفَرِّقِينَ، وَأَنَّ الْمَدِينَةَ غَيْرُ الْقُسْطَنْطِينِيَّةِ، إِذْ قِصَّةُ الْقُسْطَنْطِينِيَّةِ كَانَتْ بِالْمُقَاتَلَةِ، وَفَتْحُ الْمَدِينَةِ إِنَّمَا هُوَ بِالتَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ مِنْ غَيْرِ الْمُحَارِبَةِ، فَحِينَئِذٍ يُحْمَلُ صَرِيخُ الشَّيْطَانِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى غُزَاةِ قُسْطَنْطِينِيَّةَ، وَصَرِيخُ الْمُسْلِمِينَ إِلَى أَصْحَابِ فَتْحِ الْمَدِينَةِ، وَإِنَّ كُلًّا مِنَ الْفَرِيقَيْنِ تَرَكُوا الْغَنَائِمَ وَتَوَجَّهُوا إِلَى قِتَالِ الدَّجَّالِ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالْحَالِ. (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) أَيْ: وَسَكَتَ عَلَيْهِ، كَمَا ذَكَرَهُ مِيرَكُ، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْ مُعَاذٍ أَيْضًا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute