قِيلَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ: كَيْفَ بِهِمْ يُحْيِي وَيُمِيتُ؟ قَالَ: " لِأَنَّهُمْ يَسْأَلُونَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إِكْثَارَ الْأُمَمِ فَيَكْثُرُونَ، وَيَدْعُونَ عَلَى الْجَبَابِرَةِ فَيُقْصَمُونَ، وَيَسْتَسْقُونَ فَيُسْقَوْنَ، وَيَسْأَلُونَ فَتُنْبِتُ لَهُمُ الْأَرْضُ، وَيَدْعُونَ فَيُدْفَعُ بِهِمْ أَنْوَاعُ الْبَلَاءِ " انْتَهَى.
وَالْمَعْنَى أَنَّ الْأَبْدَالَ وَالْعَصَائِبَ يَأْتُونَ الْمَهْدِيَّ (" فَيُبَايِعُونَهُ، ثُمَّ يَنْشَأُ ") أَيْ: يَظْهَرُ (" رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ ") : هَذَا هُوَ الْقَوِيُّ الَّذِي يُخَالِفُ الْمَهْدِيَّ (" أَخْوَالُهُ كَلْبٌ ") : وَهُمْ قَبِيلَةٌ فَتَكُونُ أُمُّهُ كَلْبِيَّةٌ، وَفِيهِ إِشَارَةٌ حَقِّيَّةٌ، وَبِشَارَةٌ جَلِيَّةٌ، وَتَفَاؤُلٌ بِغَلَبَةِ ذُرِّيَّةِ خَيْرِ الْبَرِيَّةِ. قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ: يُرِيدُ أَنَّ أُمَّ الْقُرَشِيِّ تَكُونُ كَلْبِيَّةً فَيُنَازِعُ الْمَهْدِيَّ فِي أَمْرِهِ، وَيَسْتَعِينُ عَلَيْهِ بِأَخْوَالِهِ مِنْ بَنِي كَلْبٍ، (فَيَبْعَثُ) أَيِ: الْكَلْبِيُّ (" إِلَيْهِمْ ") أَيْ: إِلَى الْمُبَايِعِينَ لِلْمَهْدِيِّ (" بَعْثًا ") أَيْ: جَيْشًا، (" فَيَظْهَرُونَ عَلَيْهِمْ ") أَيْ: فَيَغْلِبُ الْمُبَايِعُونَ عَلَى الْبَعْثِ الَّذِي بَعَثَهُ الْكَلْبِيُّ، (" وَذَلِكَ ") أَيِ: الْبَعْثُ (" بَعْثُ كَلْبٍ ") أَيْ: جَيْشُ كَلْبٍ بَاعِثُهُ هُوَ نَفْسُ الْكَلْبِيِّ (" وَيَعْمَلُ ") أَيِ: الْمَهْدِيُّ فِي النَّاسِ (" بِسُنَّةِ نَبِيِّهِمْ ") أَيْ: شَرِيعَتِهِ (" وَيُلْقِي ") : بِضَمِّ أَوَّلِهِ أَيْ: يَرْمِي وَيُرْخِي (" الْإِسْلَامُ ") أَيِ: الْمُشَبَّهُ بِالْبَعِيرِ الْمُنْقَادِ لِلْأَنَامِ (" بِجِرَانِهِ ") : بِكَسْرِ الْجِيمِ فَرَاءٍ وَنُونٍ، وَهُوَ مُقَدَّمُ عُنُقِهِ أَيْ: بِكَمَالِهِ، فَفِيهِ مَجَازُ التَّعْبِيرِ عَنِ الْكُلِّ بِالْجُزْءِ، كَإِطْلَاقِ الرَّقَبَةِ عَلَى الْمَمْلُوكِ. وَفِي النِّهَايَةِ: الْجِرَانُ بَاطِنُ الْعُنُقِ، وَمِنْهُ الْحَدِيثُ: أَنَّ نَاقَتَهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَضَعَتْ جِرَانَهَا، وَحَدِيثُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا: حَتَّى ضَرَبَ الْحَقُّ بِجِرَانِهِ، أَيْ: قَرَّ الْإِسْلَامُ وَاسْتَقَرَّ قَرَارُهُ وَاسْتَقَامَ، كَمَا أَنَّ الْبَعِيرَ إِذَا بَرَكَ وَاسْتَرَاحَ مَدَّ عُنُقَهُ عَلَى الْأَرْضِ. قِيلَ: ضُرِبَ الْجِرَانُ مَثَلًا لِلْإِسْلَامِ إِذَا اسْتَقَرَّ قَرَارُهُ، فَلَمْ يَكُنْ فِتْنَةً، وَجَرَتْ أَحْكَامُهُ عَلَى السُّنَّةِ وَالِاسْتِقَامَةِ وَالْعَدْلِ، (" فَيَلْبَثُ ") : بِفَتْحِ الْيَاءِ وَالْمُوَحَّدَةِ أَيِ: الْمَهْدِيُّ بَعْدَ ظُهُورِهِ (" سَبْعَ سِنِينَ، ثُمَّ يُتَوَفَّى، وَيُصَلِّي عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) ، قَالَ الْحَافِظُ السُّيُوطِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ: فِي تَعْلِيقِهِ عَلَى أَبِي دَاوُدَ: لَمْ يَرِدْ فِي الْكُتُبِ السِّتَّةِ ذِكْرُ الْأَبْدَالِ، إِلَّا فِي هَذَا الْحَدِيثِ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَقَالَ الشَّيْخُ زَكَرِيَّا - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي رِسَالَتِهِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى تَعْرِيفِ غَالِبِ أَلْفَاظِ الصُّوفِيَّةِ: الْقُطْبُ، وَيُقَالُ لَهُ الْغَوْثُ هُوَ الْوَاحِدُ الَّذِي هُوَ مَحَلُّ نَظَرِ اللَّهِ تَعَالَى مِنَ الْعَالَمِ فِي كُلِّ زَمَانٍ، أَيْ: نَظَرًا خَاصًّا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ إِفَاضَةُ الْفَيْضِ وَاسْتِفَاضَتُهُ، فَهُوَ الْوَاسِطَةُ فِي ذَلِكَ بَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَبَيْنَ عِبَادِهِ، فَيُقَسَّمُ الْفَيْضُ الْمَعْنَوِيُّ عَلَى أَهْلِ بِلَادِهِ بِحَسَبِ تَقْدِيرِهِ وَمُرَادِهِ، ثُمَّ قَالَ: الْأَوْتَادُ أَرْبَعَةٌ: مَنَازِلُهُمْ عَلَى مَنَازِلِ الْأَرْكَانِ مِنَ الْعَالَمِ، شَرْقٌ وَغَرْبٌ وَشَمَالٌ وَجَنُوبٌ، مَقَامُ كُلٍّ مِنْهُمْ مَقَامُ تِلْكَ الْجِهَةِ.
قُلْتُ: فَهُمُ الْأَقْطَابُ فِي الْأَقْطَارِ، يَأْخُذُونَ الْفَيْضَ مِنْ قُطْبِ الْأَقْطَابِ الْمُسَمَّى بِالْغَوْثِ الْأَعْظَمِ، فَهُمْ بِمَنْزِلَةِ الْوُزَرَاءِ تَحْتَ حُكْمِ الْوَزِيرِ الْأَعْظَمِ، فَإِذَا مَاتَ الْقُطْبُ الْأَفْخَمُ، أُبْدِلَ مِنْ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ أَحَدٌ بَدَلَهُ غَالِبًا، ثُمَّ قَالَ: الْأَبْدَالُ قَوْمٌ صَالِحُونَ لَا تَخْلُو الدُّنْيَا مِنْهُمْ، إِذَا مَاتَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ أَبْدَلَ اللَّهُ مَكَانَهُ آخَرَ، وَهُمْ سَبْعَةٌ. قُلْتُ: الْأَبْدَالُ اللُّغَوِيُّ صَادِقٌ عَلَى رِجَالِ الْغَيْبِ جَمِيعًا، وَقَدْ سَبَقَ لِلْبَدَلِ مَعْنًى آخَرَ، فَالْأَوْلَى حَمْلُهُ عَلَيْهِ ; وَلَعَلَّهُمْ خُصُّوا بِذَلِكَ لِكَثْرَتِهِمْ، وَلِحُصُولِ كَثْرَةِ الْبَدَلِ فِيهِمْ لِغَلَبَتِهِمْ ; فَإِنَّهُمْ أَرْبَعُونَ عَلَى مَا فِي الْحَدِيثِ السَّابِقِ، أَوْ سَبْعُونَ عَلَى مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْقَامُوسِ، فَقَوْلُهُ: وَهُمْ سَبْعَةٌ وَهْمٌ، ثُمَّ قَالَ: النُّقَبَاءُ هُمُ الَّذِينَ اسْتَخْرَجُوا خَبَايَا النُّفُوسِ وَهُمْ ثَلَاثُمِائَةٍ. أَقُولُ: لَعَلَّهُ أَخَذَ هَذَا الْمَعْنَى مِنَ النَّقْبِ بِمَعْنَى الثَّقْبِ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّ النُّقَبَاءَ جَمْعُ نَقِيبٍ، وَهُوَ شَاهِدُ الْقَوْمِ وَضَمِينُهُمْ وَعَرِيفُهُمْ عَلَى مَا فِي الْقَامُوسِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا} [المائدة: ١٢] ، أَيْ: شَاهِدًا مِنْ كُلِّ سِبْطٍ يُنَقِّبُ عَنْ أَحْوَالِ قَوْمِهِ وَيُفَتِّشُ عَنْهَا، أَوْ كَفِيلًا يَكْفُلُ عَلَيْهِمْ بِالْوَفَاءِ بِمَا أُمِرُوا بِهِ وَعَاهَدُوا عَلَيْهِ عَلَى مَا فِي الْبَيْضَاوِيِّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute