وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمْ خَمْسُمِائَةٍ عَلَى مَا سَبَقَ فِي الْحَدِيثِ، ثُمَّ قَالَ: النُّجَبَاءُ هُمُ الْمُشْتَغِلُونَ بِحَمْلِ أَثْقَالِ الْخَلْقِ، وَهُمْ أَرْبَعُونَ. أَقُولُ: كَأَنَّهُ أَخَذَ هَذَا الْمَعْنَى مِنَ اللُّغَةِ، فَفِي الْقَامُوسِ: نَاقَةٌ نَجِيبٌ وَنَجِيبَةٌ وَجَمْعُهُ نَجَائِبُ، وَأَنْسَبُ مَا ذُكِرَ فِيهِ أَيْضًا مِنْ أَنَّ النَّجِيبَ الْكَرِيمُ وَالْجَمْعَ نُجَبَاءُ، وَالْمُنْتَجَبُ الْمُخْتَارُ، وَنَجَائِبُ الْقُرْآنِ أَفْضَلُهُ.
هَذَا وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ عَسَاكِرَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا " «إِنَّ لِلَّهِ تَعَالَى ثَلَاثَمِائَةِ نَفْسٍ، قُلُوبُهُمْ عَلَى قَلْبِ آدَمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَلَهُ أَرْبَعُونَ قُلُوبُهُمْ عَلَى قَلْبِ مُوسَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَلَهُ سَبْعَةٌ قُلُوبُهُمْ عَلَى قَلْبِ إِبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَلَهُ خَمْسَةٌ قُلُوبُهُمْ عَلَى قَلْبِ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَلَهُ ثَلَاثَةٌ قُلُوبُهُمْ عَلَى قَلْبِ مِيكَائِيلَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَلَهُ وَاحِدٌ قَلْبُهُ عَلَى قَلْبِ إِسْرَافِيلَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كُلَّمَا مَاتَ الْوَاحِدُ أَبْدَلَ اللَّهُ مَكَانَهُ مِنَ الثَّلَاثَةِ، وَكُلَّمَا مَاتَ وَاحِدٌ مِنَ الثَّلَاثَةِ أَبْدَلَ اللَّهُ مَكَانَهُ مِنَ الْخَمْسَةِ، وَكُلَّمَا مَاتَ مِنَ الْخَمْسَةِ وَاحِدٌ أَبْدَلَ اللَّهُ مَكَانَهُ مِنَ السَّبْعَةِ، وَكُلَّمَا مَاتَ مِنَ السَّبْعَةِ أَبْدَلَ اللَّهُ مَكَانَهُ مِنَ الْأَرْبَعِينَ، وَكُلَّمَا مَاتَ وَاحِدٌ مِنَ الْأَرْبَعِينَ أَبْدَلَ اللَّهُ مَكَانَهُ مِنَ الثَّلَاثِمِائَةِ، وَكُلَّمَا مَاتَ وَاحِدٌ مِنَ الثَّلَاثِمِائَةِ أَبْدَلَ اللَّهُ مَكَانَهُ مِنَ الْعَامَّةِ، بِهِمْ يَدْفَعُ اللَّهُ الْهَمَّ عَنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ» ، انْتَهَى.
وَأَرْجُو مِنَ اللَّهِ تَعَالَى وَحُسْنِ فَضْلِهِ وَكَرَمِهِ وَعُمُومِ جُودِهِ أَنَّهُ إِذَا وَقَعَ مَحْلُولًا مِنْ هَذِهِ الْمَنَاصِبِ الْعَلِيَّةِ أَنْ يَجْعَلَنِي مَنْصُوبًا عَلَى طَرِيقِ الْبَدَلِيَّةِ، وَلَوْ مِنْ مَرْتَبَةِ الْعَامَّةِ إِلَى أَدْنَى مَرْتَبَةِ الْخَاصَّةِ، وَيُتِمَّ عَلَيَّ هَذِهِ النِّعْمَةَ مَعَ الزِّيَادَةِ إِلَى حُسْنِ الْخَاتِمَةِ، ثُمَّ فِي الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنَ الِاحْتِمَالِ أَنَّ الْأَبْدَالَ لَا تَكُونُ مِنْ خَوَاصِّ الْأَبْدَالِ، بَلْ تَعُمُّ الرِّجَالَ مِنْ أَرْبَابِ الْأَحْوَالِ، وَفِيهِ تَنْبِيهٌ نَبِيهٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ أَنَّ أَحَدًا يَكُونُ عَلَى قَلْبِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذْ لَمْ يَخْلُقِ اللَّهُ فِي عَالَمَيِ الْخَلْقِ وَالْأَمْرِ أَشْرَفَ وَأَلْطَفَ مِنْ قَلْبِهِ الْأَكْرَمِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِيهِ أَيْضًا مَا يُشْعِرُ بِظَاهِرِهِ بِتَفْضِيلِ خَوَاصِّ الْمَلَكِ عَلَى خَوَاصِّ الْبَشَرِ، وَكَذَا تَفْضِيلُ إِسْرَافِيلَ وَمِيكَائِيلَ عَلَى جِبْرَائِيلَ، وَالْجُمْهُورُ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَهَذَا وَقَالَ الْعَارِفُ الصَّمَدَانِيُّ الشَّيْخُ عَلَاءُ الدَّوْلَةِ السِّمْنَانِيُّ فِي الْعُرْوَةِ الْوُثْقَى: إِنَّ الْأَبْدَالَ مِنْ بُدَلَاءِ السَّبْعَةِ، كَمَا أَخْبَرَ عَنْهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: " «هُوَ مِنَ السَّبْعَةِ وَسَيِّدُهُمْ» ". أَقُولُ: لَا بُدَّ مِنْ ثُبُوتِ هَذَا مِنْ ثِقَاتٍ وَسَنَدِهِمْ، قَالَ: وَكَانَ الْقُطْبُ فِي زَمَانِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَمَّ أُوَيْسٍ الْقَرَنِيِّ عِصَامًا، فَحَرِيٌّ أَنْ يَقُولَ: إِنِّي لَأَجِدُ نَفَسَ الرَّحْمَنِ مِنْ قِبَلِ الْيَمَنِ، وَهُوَ مَظْهَرٌ خَاصٌّ لِلتَّجَلِّي الرَّحْمَانِيِّ، كَمَا كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَظْهَرًا خَاصًّا لِلتَّجَلِّي الْإِلَهِيِّ الْمَخْصُوصِ بِاسْمِ الذَّاتِ وَهُوَ اللَّهُ.
قُلْتُ: هَذَا يُفِيدُ مُؤَيِّدًا لِمَا سَبَقَ مِنْ أَنَّ أَحَدًا لَمْ يُشَارِكْهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مَقَامِهِ الْأَعْظَمِ، لَكِنَّ فِي كَوْنِ الْقُطْبِيَّةِ لِعِصَامٍ، وَهُوَ غَيْرُ مَعْرُوفٍ فِي أَنَّهُ مِنَ الصَّحَابَةِ أَوِ التَّابِعِينَ، بِخِلَافِ أُوَيْسٍ فَإِنَّهُ مَشْهُورٌ، وَقَدْ وَرَدَ فِي حَقِّهِ أَنَّهُ سَيِّدُ التَّابِعِينَ إِشْكَالًا عَظِيمًا، فَإِنَّهُ كَيْفَ يَكُونُ لَهُ الْقُطْبِيَّةُ الْكُبْرَى مَعَ وُجُودِ الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ وَسَائِرِ فُضَلَاءِ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ هُمْ أَفْضَلُ النَّاسِ بَعْدَ الْأَنْبِيَاءِ بِالْإِجْمَاعِ، وَأَيْضًا فَقَدْ قَالَ الْيَافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ: وَقَدْ سَتَرَ أَحْوَالَ الْقُطْبِ وَهُوَ الْغَوْثُ عَنِ الْعَامَّةِ وَالْخَاصَّةِ غَيْرِهِ مِنَ الْحَقِّ عَلَيْهِ، لَكِنِّي أَقُولُ: الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا غَالِبِيٌّ ; لِثُبُوتِ الْقُطْبِيَّةِ لِلسَّيِّدِ عَبْدِ الْقَادِرِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِلَا نِزَاعٍ، ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ ادَّعَوْا أَنَّهُ الْمَهْدِيُّ، فَمِنْهُمْ مَنْ أَرَادَ الْمَعْنَى اللُّغَوِيَّ فَلَا إِشْكَالَ، وَمِنْهُمْ مَنِ ادَّعَى بَاطِلًا وَزُورًا، وَاجْتَمَعَ عَلَيْهِ جَمِيعٌ مِنَ الْأَوْبَاشِ، وَأَرَادَ الْفَسَادَ فِي الْبِلَادِ ; فَقُتِلَ وَاسْتَرَاحَ مِنْهُ الْعِبَادُ، وَمِنْهُمْ مَنْ رَأَى وَاقِعَةَ الْحَالِ فَحَمَلَهَا شَيْخُهُ عَلَى الْآفَاقِ، وَكَانَ حَقُّهُ أَنْ يَحْمِلَهَا عَلَى الْأَنْفُسِ ; لِئَلَّا يَحْصُلَ الِاخْتِلَافُ، وَهُوَ رَئِيسُ النُّورِ بِخَشْيَةِ أَحَدِ مَشَايِخِ الْكُبْرَوِيَّةِ، وَقَدْ ظَهَرَ فِي الْبِلَادِ الْهِنْدِيَّةِ جَمَاعَةٌ تُسَمَّى الْمَهْدَوِيَّةَ، وَلَهُمْ رِيَاضَاتٌ عَمَلِيَّةٌ، وَكُشُوفَاتٌ سُفْلِيَّةٌ، وَجَهَالَاتٌ ظَاهِرِيَّةٌ، مِنْ جُمْلَتِهَا أَنَّهُمْ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ الْمَهْدِيَّ الْمَوْعُودَ هُوَ شَيْخُهُمُ الَّذِي ظَهَرَ، وَمَاتَ وَدُفِنَ فِي بَعْضِ بِلَادِ خُرَاسَانَ، وَلَيْسَ يَظْهَرُ غَيْرُهُ مَهْدِيٌّ فِي الْوُجُودِ، وَمِنْ ضَلَالَتِهِمْ أَنَّهُمْ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ مَنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى هَذِهِ الْعَقِيدَةِ فَهُوَ كَافِرٌ.
وَقَدْ جَمَعَ شَيْخُنَا الْعَارِفُ بِاللَّهِ الْوَلِيُّ الشَّيْخُ عَلِيٌّ الْمُتَّقِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - رِسَالَةً جَامِعَةً فِي عَلَامَاتِ الْمَهْدِيِّ، مُنْتَخَبَةً مِنْ رَسَائِلِ السُّيُوطِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَاسْتَفْتَى مِنْ عُلَمَاءِ عَصْرِهِ الْمَوْجُودِينَ فِي مَكَّةَ مِنَ الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ، وَقَدْ أَفْتَوْا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute