للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: قَدْ وُجِدَ الْخَسْفُ فِي مَوَاضِعَ، لَكِنْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْخُسُوفِ الثَّلَاثَةِ قَدْرًا زَائِدًا عَلَى مَا وُجِدَ، كَأَنْ يَكُونَ أَعْظَمَ مَكَانًا وَقَدْرًا (" خَسْفٌ بِالْمَشْرِقِ، وَخَسْفٌ بِالْمَغْرِبِ، وَخَسْفٌ بِجَزِيرَةِ الْعَرَبِ ") : بِالرَّفْعِ فِي الثَّلَاثَةِ عَلَى تَقْدِيرِ أَحَدِهَا أَوْ مِنْهَا، وَلَوْ رُوِيَ بِالْجَرِّ لَكَانَ لَهُ وَجْهٌ مِنَ الْبِدَايَةِ، (" وَآخِرُ ذَلِكَ ") أَيْ: مَا ذُكِرَ مِنَ الْآيَاتِ (نَارٌ تَخْرُجُ مِنَ الْيَمَنِ) ، وَفِي رِوَايَةٍ: تَخْرُجُ مِنْ أَرْضِ الْحِجَازِ.

وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: لَعَلَّهَا نَارَانِ تَجْتَمِعَانِ تَحْشُرَانِ النَّاسَ، أَوْ يَكُونُ ابْتِدَاءُ خُرُوجِهَا مِنَ الْيَمَنِ، وَظُهُورُهَا مِنَ الْحِجَازِ، ذَكَرَهُ الْقُرْطُبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ثُمَّ الْجَمْعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا فِي الْبُخَارِيِّ: أَنَّ أَوَّلَ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ نَارٌ تَخْرُجُ مِنَ الْمَشْرِقِ إِلَى الْمَغْرِبِ، بِأَنَّ آخِرِيَّتَهَا بِاعْتِبَارِ مَا ذُكِرَ مِنَ الْآيَاتِ، وَأَوَّلِيَّتَهَا بِاعْتِبَارِ أَنَّهَا أَوَّلُ الْآيَاتِ الَّتِي لَا شَيْءَ بَعْدَهَا مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا أَصْلًا، بَلْ يَقَعُ بِانْتِهَائِهَا النَّفْخُ فِي الصُّورِ، بِخِلَافِ مَا ذُكِرَ مَعَهَا، فَإِنَّهُ يَبْقَى مَعَ كُلِّ آيَةٍ مِنْهَا أَشْيَاءُ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا، كَذَا ذَكَرَهُ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ مِنَ الْعُلَمَاءِ الْمُوَفَّقِينَ. (" تَطْرُدُ ") أَيْ: تَسُوقُ تِلْكَ النَّارُ (النَّاسَ إِلَى مَحْشَرِهِمْ) : بِفَتْحِ الشِّينِ وَيُكْسَرُ أَيْ: إِلَى مَجْمَعِهِمْ، وَمَوْقِفِهِمْ، قِيلَ: الْمُرَادُ مِنَ الْمَحْشَرِ أَرْضُ الشَّامِ، إِذْ صَحَّ فِي الْخَبَرِ: إِنَّ الْحَشْرَ يَكُونُ فِي أَرْضِ الشَّامِ، لَكِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْمُرَادَ أَنْ يَكُونَ مُبْتَدَؤُهُ مِنْهَا، أَوْ تُجْعَلَ وَاسِعَةً تَسَعُ خَلْقَ الْعَالَمِ فِيهَا.

(وَفِي رِوَايَةٍ) أَيْ: لِمُسْلِمٍ أَوْ غَيْرِهِ (" نَارٌ تَخْرُجُ مِنْ قَعْرِ عَدَنَ ") أَيْ: أَقْصَى أَرْضِهَا، وَهُوَ غَيْرُ مُنْصَرِفٍ، وَقِيلَ مُنْصَرِفٌ بِاعْتِبَارِ الْبُقْعَةِ وَالْمَوْضِعِ، فَفِي الْمَشَارِقِ عَدَنُ مَدِينَةٌ مَشْهُورَةٌ بِالْيَمَنِ، وَفِي الْقَامُوسِ عَدَنُ مُحَرَّكَةً جَزِيرَةٌ بِالْيَمَنِ، (" تَسُوقُ ") أَيْ: تَطْرُدُ النَّارُ (" النَّاسَ إِلَى الْمَحْشَرِ ". وَفِي رِوَايَةٍ فِي الْعَاشِرَةِ) أَيْ: فِي بَيَانِهَا وَبَدَلًا عَمَّا ذُكِرَ فِيهَا مِنَ النَّارِ (" وَرِيحٌ تُلْقِي النَّاسَ فِي الْبَحْرِ ") ، وَلَعَلَّ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْمُرَادَ بِالنَّاسِ الْكُفَّارُ، وَأَنَّ نَارَهُمْ تَكُونُ مُنْضَمَّةً إِلَى رِيحٍ شَدِيدَةِ الْجَرْيِ، سَرِيعَةِ التَّأْثِيرِ فِي إِلْقَائِهَا إِيَّاهُمْ فِي الْبَحْرِ، وَهُوَ مَوْضِعُ حَشْرِ الْكُفَّارِ، أَوْ مُسْتَقَرُّ الْفُجَّارِ، كَمَا وَرَدَ: إِنَّ الْبَحْرَ يَصِيرُ نَارًا، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ} [التكوير: ٦] ، بِخِلَافِ نَارِ الْمُؤْمِنِينَ، فَإِنَّهَا لِمُجَرَّدِ التَّخْوِيفِ بِمَنْزِلَةِ السَّوْطِ مَهَابَةً ; لِتَحْصِيلِ السَّوْقِ إِلَى الْمَحْشَرِ وَالْمَوْقِفِ الْأَعْظَمِ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) ، وَكَذَا أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>