الزَّعْفَرَانِ. انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: يُرْوَى بِدَالٍ مُهْمَلَةٍ وَمُعْجَمَةٍ، أَيْ: بَيْنَ مُخَصَّرَتَيْنِ عَلَى مَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ، وَلَا نَسْمَعُهُ إِلَّا فِيهِ، وَكَذَلِكَ أَشْيَاءُ كَثِيرَةٌ لَمْ تُسْمَعْ إِلَّا فِي الْحَدِيثِ، وَالْمُخَصَّرَةُ مِنَ الثِّيَابِ الَّتِي فِيهَا صُفْرَةٌ خَفِيفَةٌ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ، (" وَاضِعًا كَفَّيْهِ عَلَى أَجْنِحَةِ مَلَكَيْنِ ") : حَالٌ لِبَيَانِ كَيْفِيَّةِ إِنْزَالِهِ، كَمَا أَنَّ مَا قَبْلَهُ حَالٌ لِبَيَانِ كَيْفِيَّةِ لُبْسِهِ وَجَمَالِهِ، ثُمَّ بَيَّنَ لَهُ حَالَةً أُخْرَى بِقَوْلِهِ: (" إِذَا طَأْطَأَ ") بِهَمْزَتَيْنِ أَيْ: خَفَضَ، (" رَأَسَهُ قَطَرَ ") أَيْ: عَرِقَ (" وَإِذَا رَفَعَهُ ") أَيْ: رَأَسَهُ (" تَحَدَّرَ ") : بِتَشْدِيدِ الدَّالِ أَيْ: نَزَلَ (" مِنْهُ ") أَيْ: مِنْ شَعَرِهِ قَطَرَاتٌ نُورَانِيَّةٌ (" مِثْلُ الْجُمَانِ ") : بِضَمِّ الْجِيمِ وَتَخْفِيفِ الْمِيمِ وَتُشَدَّدُ، حَبٌّ يُتَّخَذُ مِنَ الْفِضَّةِ، (" كَاللُّؤْلُؤِ ") أَيْ: فِي الصَّفَاءِ وَالْبَيَاضِ، فَفِي النِّهَايَةِ الْجُمَانُ بِضَمِّ الْجِيمِ وَتَخْفِيفِ الْمِيمِ يُتَّخَذُ مِنَ الْفِضَّةِ عَلَى هَيْئَةِ اللَّآلِئِ الْكِبَارِ. قَالَ الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ: شَبَّهَهُ بِالْجُمَانِ فِي الْكِبَرِ، ثُمَّ شَبَّهَ الْجُمَانَ بِاللُّؤْلُؤِ فِي الصَّفَاءِ وَالْحُسْنِ، فَالْوَجْهُ أَنْ يَكُونَ الْوَجْهُ الْكِبَرَ مَعَ الصَّفَاءِ وَالْحُسْنِ، وَفِي الْقَامُوسِ: الْجُمَانُ كَغُرَابٍ اللُّؤْلُؤُ أَوْ هَنَوَاتٌ أَشْكَالُ اللُّؤْلُؤِ، وَقَالَ شَارِحٌ: الْجُمَّانُ بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ، وَقَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: بِالتَّشْدِيدِ اللُّؤْلُؤُ الصِّغَارُ، وَبِتَخْفِيفِهَا حَبٌّ يُتَّخَذُ مِنَ الْفِضَّةِ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالْجُمَانِ فِي صِفَةِ عِيسَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - هُوَ الْحَبُّ الْمُتَّخَذُ مِنَ الْفِضَّةِ. قُلْتُ: بَلْ هُوَ الْمُتَعَيَّنُ بِقَوْلِهِ كَاللُّؤْلُؤِ، (" فَلَا يَحِلُّ) : بِكَسْرِ الْحَاءِ أَيْ: لَا يُمْكِنُ وَلَا يَقَعُ (لِكَافِرٍ أَنْ يَجِدَ مِنْ رِيحِ نَفَسِهِ) : بِفَتْحِ الْفَاءِ (إِلَّا مَاتَ ") ، كَذَا ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ. وَقَالَ الْقَاضِي: مَعْنَاهُ عِنْدِي حَقٌّ وَاجِبٌ. قَالَ: وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ بِضَمِّ الْحَاءِ وَهُوَ وَهْمٌ وَغَلَطٌ.
قَالَ الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ: مَعْنَاهُ لَا يَحْصُلُ وَلَا يَحِقُّ أَنْ يَجِدَ مِنْ رِيحِ نَفَسِهِ وَلَهُ حَالٌ مِنَ الْأَحْوَالِ إِلَّا حَالَ الْمَوْتِ، فَقَوْلُهُ: يَجِدُ مَعَ مَا فِي سِيَاقِهِ فَاعِلُ يَحِلُّ عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّ (وَنَفَسُهُ يَنْتَهِي حَيْثُ يَنْتَهِي طَرْفُهُ) : بِسُكُونِ الرَّاءِ أَيْ لَحْظُهُ وَلَمْحُهُ، وَيَجُوزُ كَوْنُ الدَّجَّالِ مُسْتَثْنًى مِنْ هَذَا الْحُكْمِ لِحِكْمَةِ إِرَاءَةِ دَمِهِ فِي الْحَرْبَةِ ; لِيَزْدَادَ كَوْنُهُ سَاحِرًا فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ، وَيَجُوزُ كَوْنُ هَذِهِ الْكَرَامَةِ لِعِيسَى أَوَّلًا حِينَ نُزُولِهِ، ثُمَّ تَكُونُ زَائِلَةً حِينَ يَرَى الدَّجَّالَ ; إِذْ دَوَامُ الْكَرَامَةِ لَيْسَ بِلَازِمٍ، وَقِيلَ: نَفَسُ الَّذِي يُمَوِّتُ الْكَافِرَ هُوَ النَّفَسُ الْمَقْصُودُ بِهِ إِهْلَاكُ كَافِرٍ، لَا النَّفَسُ الْمُعْتَادُ، فَعَدَمُ مَوْتِ الدَّجَّالِ لِعَدَمِ النَّفَسِ الْمُرَادِ، وَقِيلَ: الْمَفْهُومُ مِنْهُ أَنَّ مَنْ وَجَدَ مِنْ نَفَسِ عِيسَى مِنَ الْكُفَّارِ يَمُوتُ، وَلَا يُفْهَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ أَوْ وَصُولُ نَفَسِهِ، فَيَجُوزُ أَنْ يَحْصُلَ ذَلِكَ بِهِمْ بَعْدَ أَنْ يُرِيَهُمْ عِيسَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - دَمَ الدَّجَّالِ فِي حَرْبَتِهِ لِلْحِكْمَةِ الْمَذْكُورَةِ، كَذَا بِخَطِّ شَيْخِنَا الْمَرْحُومِ مَوْلَانَا عَبْدِ اللَّهِ السِّنْدِيِّ، رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى.
ثُمَّ مِنَ الْغَرِيبِ أَنَّ نَفَسَ عِيسَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - تَعَلَّقَ بِهِ الْإِحْيَاءُ لِبَعْضٍ، وَالْإِمَاتَةُ لِبَعْضٍ، (فَيَطْلُبُهُ) أَيْ: يَطْلُبُ عِيسَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - الدَّجَّالَ (" حَتَّى يُدْرِكَهُ بِبَابِ لُدٍّ) : بِضَمِّ لَامٍ وَتَشْدِيدِ دَالٍ مَصْرُوفٌ اسْمُ جَبَلٍ بِالشَّامِ، وَقِيلَ قَرْيَةٌ مِنْ قُرَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ النَّوَوِيُّ، وَزَادَ غَيْرُهُ سُمِّيَ بِهِ لِكَثْرَةِ شَجَرِهِ. وَقَالَ السُّيُوطِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ: هُوَ عَلَى مَا فِي النِّهَايَةِ مَوْضِعٌ بِالشَّامِ، وَقِيلَ بِفَلَسْطِينَ، (فَيَقْتُلُهُ ") ، فِي الْجَامِعِ: رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَكَذَا أَحْمَدُ، وَعَنْ مُجَمِّعِ بْنِ جَارِيَةَ: يَقْتُلُ ابْنُ مَرْيَمَ الدَّجَّالَ بِبَابِ لُدٍّ، (ثُمَّ يَأْتِي عِيسَى قَوْمٌ قَدْ عَصَمَهُمُ اللَّهُ مِنْهُ ") ، أَيْ: حَفِظَهُمْ مِنْ شَرِّ الدَّجَّالِ (" فَيَمْسَحُ عَنْ وُجُوهِهِمْ ") أَيْ: يُزِيلُ عَنْهَا مَا أَصَابَهَا مِنْ غُبَارِ سَفَرِ الْغَزْوِ مُبَالَغَةً فِي إِكْرَامِهِمْ، أَوِ الْمَعْنَى يَكْشِفُ مَا نَزَلَ بِهِمْ مِنْ آثَارِ الْكَآبَةِ وَالْحُزْنِ عَلَى وُجُوهِهِمْ بِمَا يَسُرُّهُمْ مِنْ خَبَرِهِ بِقَتْلِ الدَّجَّالِ، (وَيُحَدِّثُهُمْ بِدَرَجَاتِهِمْ فِي الْجَنَّةِ) ، قَالَ النَّوَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ: وَهَذَا الْمَسْحُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَلَى ظَاهِرِهِ فَيَمْسَحُ وُجُوهَهُمْ تَبَرُّكًا، أَوْ أَنَّهُ إِشَارَةٌ إِلَى كَشْفِ مَا يَكُونُ فِيهِ مِنَ الشِّدَّةِ وَالْخَوْفِ، (" فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ أَوْحَى اللَّهُ إِلَى عِيسَى: أَنِّي ") : بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَيُكْسَرُ (قَدْ أَخْرَجْتُ عِبَادًا لِي) أَيْ: أَظْهَرْتُ جَمَاعَةً مُنْقَادَةً لِقَضَائِي وَقَدَرِي (" لَا يَدَانِ ") أَيْ: لَا قُدْرَةَ وَلَا طَاقَةَ (لِأَحَدٍ بِقِتَالِهِمْ ") ، وَإِنَّمَا عَبَّرَ عَنِ الطَّاقَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute