للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَمِنْهُ قِيلَ لِلسَّيِّدِ يَعْسُوبٌ. وَرَوَى الدَّيْلَمِيُّ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مَرْفُوعًا: «عَلِيٌّ يَعْسُوبُ الْمُؤْمِنِينَ، وَالْمَالُ يَعْسُوبُ الْمُنَافِقِينَ» ، فَفِي الْكَلَامِ نَوْعُ قَلْبٍ ; إِذْ حَقُّ الْكَلَامِ كَنَحْلِ الْيَعَاسِيبِ، وَلَعَلَّ النُّكْتَةَ فِي جَمْعِ الْيَعَاسِيبِ هُوَ الْإِيمَاءُ إِلَى كَثْرَةِ الْكُنُوزِ التَّابِعَةِ، وَأَنَّهُ قُدِّرَ كَأَنَّهُ جَمْعٌ بِاعْتِبَارِ جَوَانِبِهِ وَأَطْرَافِهِ، وَالْمُرَادُ جَمْعٌ مِنْ أُمَرَائِهِ وَوُكَلَائِهِ. وَقَالَ الْأَشْرَفُ، وَقَوْلُهُ: كَالْيَعَاسِيبِ كِنَايَةً عَنْ سُرْعَةِ اتِّبَاعِهِ، أَيْ: تَتْبَعُهُ الْكُنُوزُ بِالسُّرْعَةِ. وَقَالَ الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ: إِذَا كَانَ قَوْلُهُ: كَالْيَعَاسِيبِ حَالًا مِنَ الدَّجَّالِ، فَالْخَرِبَةُ صِفَةُ الْبِقَاعِ، وَإِذَا كَانَ حَالًا مِنَ الْكُنُوزِ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَوْصُوفُ جَمْعًا أَوْ مُفْرَدًا.

(" ثُمَّ يَدْعُو رَجُلًا) أَيْ: يَطْلُبُهُ حَالَ كَوْنِهِ (" مُمْتَلِئًا ") أَيْ: تَامًّا كَامِلًا قَوِيًّا (" شَابًّا) ، تَمْيِيزٌ عَنِ النِّسْبَةِ. قَالَ الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ: وَالْمُمْتَلِئُ شَبَابًا هُوَ الَّذِي يَكُونُ فِي غَايَةِ الشَّبَابِ، (" فَيَضْرِبُهُ بِالسَّيْفِ) أَيْ: غَضَبًا عَلَيْهِ ; لِإِبَائِهِ قَبُولَ دَعْوَتِهِ الْأُلُوهِيَّةَ، أَوْ إِظْهَارًا لِلْقُدْرَةِ وَتَوْطِئَةً لِخَرْقِ الْعَادَةِ، (فَقَطَعَهُ جَزْلَتَيْنِ ") : بِفَتْحِ الْجِيمِ وَتُكْسَرُ أَيْ: قِطْعَتَيْنِ تَتَبَاعَدَانِ، (رَمْيَةَ الْغَرَضِ) أَيْ: قَدْرَ حَذْفِ الْهَدَفِ فَهِيَ مَنْصُوبَةٌ بِمُقَدَّرٍ، وَفَائِدَةُ التَّقْيِيدِ بِهِ أَنْ يَظْهَرَ عِنْدَ النَّاسِ أَنَّهُ هَلَاكٌ بِلَا شُبْهَةٍ، كَمَا يَفْعَلُهُ السَّحَرَةُ وَالْمُشَعْبِذَةُ. قَالَ النَّوَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ: هُوَ بِفَتْحِ الْجِيمِ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَحَكَى ابْنُ دُرَيْدٍ كَسْرَهَا، وَمَعْنَى رَمْيَةَ الْغَرَضِ أَنَّهُ يَجْعَلُ بَيْنَ الْجَزْلَتَيْنِ مِقْدَارَ رَمْيَةِ الْغَرَضِ، هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ الْمَشْهُورُ، وَحَكَى الْقَاضِي هَذَا، ثُمَّ قَالَ: وَعِنْدِي أَنَّ فِيهِ تَقْدِيمًا وَتَأْخِيرًا، وَتَقْدِيرُهُ: فَيُصِيبُهُ إِصَابَةَ رَمْيَةِ الْغَرَضِ، فَيَقْطَعُهُنَّ جَزْلَتَيْنِ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ. قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ: أَرَادَ بِرَمْيَةِ الْغَرَضِ إِمَّا سُرْعَةَ نُفُوذِ السَّيْفِ، وَإِمَّا إِصَابَةَ الْمَحَزِّ. قَالَ الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ: وَيُؤَيِّدُ تَأْوِيلَ النَّوَوِيِّ قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي يَلِيهِ، ثُمَّ يَمْشِي الدَّجَّالُ بَيْنَ الْقِطْعَتَيْنِ.

(ثُمَّ يَدْعُوهُ، فَيُقْبِلُ) أَيِ: الرَّجُلُ الشَّابُّ عَلَى الدَّجَّالِ، (" وَيَتَهَلَّلُ ") أَيْ: يَتَلَأْلَأُ وَيُضِيءُ، (" وَجْهُهُ يَضْحَكُ ") : حَالٌ مِنْ فَاعِلِ يُقْبِلُ، أَيْ: يُقْبِلُ ضَاحِكًا بَشَّاشًا ; فَيَقُولُ: هَذَا كَيْفَ يَصْلُحُ إِلَهًا؟ (" فَبَيْنَمَا ") : بِالْمِيمِ عَلَى الصَّحِيحِ (" هُوَ) أَيِ: الرَّجُلُ (كَذَلِكَ ") أَيْ: عَلَى تِلْكَ الْحَالِ وَذَلِكَ الْمِنْوَالِ (" إِذْ بَعَثَ اللَّهُ الْمَسِيحَ بْنَ مَرْيَمَ ") ، عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، فَسُبْحَانَ مَنْ يَدْفَعُ الْمَسِيحُ بِالْمَسِيحِ! قَالَ تَعَالَى جَلَّ شَأْنُهُ: {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ} [الأنبياء: ١٨] ، (" فَيَنْزِلُ) أَيْ: عِيسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ (" عِنْدَ الْمَنَارَةِ الْبَيْضَاءِ شَرْقِيَّ ") : بِالنَّصْبِ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ مُضَافًا إِلَى قَوْلِهِ: (" دِمَشْقَ ") : بِكَسْرِ الدَّالِ وَفَتْحِ الْمِيمِ وَتُكْسَرُ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ الْآنَ بِالشَّامِ، فَإِنَّهُ تَحْتَ مُلْكِهِ.

وَفِي الْجَامِعِ: رَوَى الطَّبَرَانِيُّ عَنْ أَوْسِ بْنِ أَوْسٍ: يَنْزِلُ عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ عِنْدَ الْمَنَارَةِ الْبَيْضَاءِ شَرْقِيَّ دِمَشْقَ، ذَكَرَ السُّيُوطِيُّ فِي تَعْلِيقِهِ عَلَى ابْنِ مَاجَهْ أَنَّهُ قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ كَثِيرٍ فِي رِوَايَةٍ: إِنَّ عِيسَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يَنْزِلُ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَفِي رِوَايَةٍ: بِالْأُرْدُنِّ، وَفِي رِوَايَةٍ: بِمُعَسْكَرِ الْمُسْلِمِينَ، قُلْتُ: حَدِيثُ نُزُولِهِ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ عِنْدَ ابْنِ مَاجَهْ، وَهُوَ عِنْدِي أَرْجَحُ، وَلَا يُنَافِي سَائِرَ الرِّوَايَاتِ ; لِأَنَّ بَيْتَ الْمَقْدِسِ شَرْقِيَّ دِمَشْقَ، وَهُوَ مُعَسْكَرُ الْمُسْلِمِينَ إِذْ ذَاكَ، وَالْأُرْدُنَّ اسْمُ الْكُورَةِ كَمَا فِي الصِّحَاحِ، وَبَيْتُ الْمَقْدِسِ دَاخِلٌ فِيهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ الْآنَ مَنَارَةٌ، فَلَا بُدَّ أَنْ تَحْدُثَ قَبْلَ نُزُولِهِ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

وَقَوْلُهُ: (" بَيْنَ مَهْرُودَتَيْنِ ") : بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَيُعْجَمُ، أَيْ: حَالَ كَوْنِ عِيسَى بَيْنَهُمَا، بِمَعْنَى لَابِسِ حُلَّتَيْنِ مَصْبُوغَتَيْنِ بِوَرْسٍ أَوْ زَعْفَرَانٍ. قَالَ النَّوَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ: رُوِيَ بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ، وَالذَّالُ الْمُعْجَمَةُ أَكْثَرُ، وَالْوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ لِلْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ، وَأَكْثَرُ مَا يَقَعُ فِي النُّسَخِ بِالْمُهْمَلَةِ، وَمَعْنَاهُ لَابِسُ ثَوْبَيْنِ مَصْبُوغَيْنِ بِالْوَرْسِ ثُمَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>