للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الْيَوْمِ الْأَوَّلِ فِي أَنَّهُ يُقَدَّرُ لَهُ كَالْيَوْمِ الْأَوَّلِ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ انْتَهَى. وَحَاصِلُهُ: أَنَّ الْأَوْقَاتَ لِلصَّلَاةِ أَسْبَابٌ، وَتَقَدُّمُ الْمُسَبِّبَاتِ عَلَى الْأَسْبَابِ غَيْرُ جَائِزٍ إِلَّا بِشَرْعٍ مَخْصُوصٍ، كَمَا يُقَدَّمُ الْعَصْرُ عَلَى وَقْتِهِ بِعَرَفَاتَ، فَمَعْنَى اقْدُرُوا أَيْ: قَدِّرُوا وَخَمِّنُوا لَهُ، أَيْ: لِأَدَاءِ الصَّلَاةِ الْخَمْسِ، قَدْرَهُ أَيْ: قَدْرَ يَوْمِ كَذَا. قِيلَ: وَالْأَظْهَرُ مَا قَالَهُ شَارِحٌ أَيْ: قَدِّرُوا لِوَقْتِ الصَّلَاةِ يَوْمًا فِي يَوْمٍ كَسَنَةٍ مَثَلًا قَدْرَهُ، أَيْ: قَدْرَهُ الَّذِي كَانَ لَهُ فِي سَائِرِ الْأَيَّامِ كَمَحْبُوسٍ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ الْوَقْتُ.

(قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! وَمَا إِسْرَاعُهُ) أَيْ: مَا قَدْرُ إِسْرَاعِهِ أَوْ كَيْفِيَّةُ إِعْجَالِهِ (فِي الْأَرْضِ) ؟ أَيْ: فِي سَيْرِهَا وَطَيِّ سَاحَتِهَا. قَالَ الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ: لَعَلَّهُمْ عَلِمُوا أَنَّ لَهُ إِسْرَاعًا فِي الْأَرْضِ ; فَسَأَلُوا عَنْ كَيْفِيَّتِهِ، كَمَا كَانُوا عَالِمِينَ بِلَبْثِهِ ; فَسَأَلُوا عَنْ كَمِّيَّتِهِ بِقَوْلِهِمْ: مَا لَبْثُهُ؟ أَيْ مَا مُدَّةُ لَبْثِهِ؟ (قَالَ: كَالْغَيْثِ) : الْمُرَادُ بِهِ هُنَا الْغَيْمُ إِطْلَاقًا لِلسَّبَبِ عَلَى الْمُسَبِّبِ، أَيْ: يُسْرِعُ فِي الْأَرْضِ إِسْرَاعَ الْغَيْمِ (اسْتَدْبَرَتْهُ الرِّيحُ ") . قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: الْجُمْلَةُ حَالٌ أَوْ صِفَةٌ لِلْغَيْثِ، وَأَلْ فِيهِ لِلْعَهْدِ الذِّهْنِيِّ، وَالْمَعْنَى أَنَّ هَذَا مِثَالٌ لَا يُدْرَكُ كَيْفِيَّتُهُ، وَلَا يُمْكِنُ تَقْدِيرُ كَمِّيَّتِهِ، (فَيَأْتِي) أَيْ: فَيَمُرُّ الدَّجَّالُ (" عَلَى الْقَوْمِ ") أَيْ: عَلَى جِنْسٍ مِنَ النَّاسِ (" فَيَدْعُوهُمْ ") أَيْ: إِلَى بَاطِلِهِ (" فَيُؤْمِنُونَ بِهِ، فَيَأْمُرُ السَّمَاءَ ") أَيِ: السَّحَابَ (" فَتُمْطِرُ ") : مِنَ الْإِمْطَارِ حَتَّى تَجْرِيَ الْأَنْهَارُ، (" وَالْأَرْضَ ") أَيْ: وَيَأْمُرُهَا (" فَتُنْبِتُ ") : مِنَ الْإِنْبَاتِ حَتَّى تَظْهَرَ الْأَزْهَارُ اسْتِدْرَاجًا مِنَ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ، (" فَتَرُوحُ عَلَيْهِمْ سَارِحَتُهُمْ ") أَيْ: فَتَرْجِعُ بَعْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ إِلَيْهِمْ مَاشِيَتُهُمُ الَّتِي تَذْهَبُ بِالْغَدْوَةِ إِلَى مَرَاعِيهَا (" أَطْوَلَ مَا كَانَتْ ") أَيِ: السَّارِحَةُ مِنَ الْإِبِلِ، وَنَصْبُ أَطْوَلَ عَلَى الْحَالِيَّةِ، وَقَوْلُهُ: (" ذُرًى ") : بِضَمِّ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ، وَحُكِيَ كَسْرُهَا، وَفَتْحِ الرَّاءِ مُنَوَّنًا جَمْعُ ذِرْوَةٍ مُثَلَّثَةٍ، وَهِيَ أَعْلَى السَّنَامِ، وَذِرْوَةُ كُلِّ شَيْءٍ أَعْلَاهُ، وَهُوَ كِنَايَةٌ عَنْ كَثْرَةِ السِّمَنِ، (وَأَسْبَغَهُ) أَيْ: وَأَتَمَّ مَا كَانَتْ (ضُرُوعًا ") : بِضَمِّ أَوَّلِهِ جَمْعُ ضَرْعٍ، وَهُوَ الثَّدْيُ كِنَايَةً عَنْ كَثْرَةِ اللَّبَنِ، (وَأَمَدَّهُ) أَيْ: وَأَمَدَّ مَا كَانَتْ وَهُوَ اسْمُ تَفْضِيلٍ مِنَ الْمَدِّ (" خَوَاصِرَ ") : جَمْعُ خَاصِرَةٍ، وَهِيَ مَا تَحْتَ الْجَنْبِ وَمَدُّهَا كِنَايَةً عَنِ الِامْتِلَاكِ وَكَثْرَةِ الْأَكْلِ، (" ثُمَّ يَأْتِي الْقَوْمَ) أَيْ: قَوْمًا آخَرِينَ، وَفِي الْعُدُولِ عَنْ قَوْلِهِ: عَلَى، بِنَاءً عَلَى مَا سَبَقَ، إِشْعَارٌ بِأَنَّ إِتْيَانَهُ عَلَى الْأَوَّلِينَ ضَرَرٌ فِي الْحَقِيقَةِ دُونَ الْآخَرِينَ (" فَيَدْعُوهُمْ ") أَيْ: بِدَعْوَى أُلُوهِيَّتِهِ (" فَيَرُدُّونَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ) أَيْ: لَا يَقْبَلُونَهُ أَوْ يُبْطِلُونَهُ بِالْحُجَّةِ، (" فَيَنْصَرِفُ عَنْهُمْ ") ، فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ قُدْرَةُ الْإِجْبَارِ. قَالَ تَعَالَى جَلَّ جَلَالُهُ: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ} [الحجر: ٤٢] ، وَالْمَعْنَى فَيَصْرِفُهُ اللَّهُ عَنْهُمْ، (" فَيُصْبِحُونَ مُمْحِلِينَ) : بِضَمِّ الْمِيمِ وَبِالْحَاءِ أَيْ: دَاخِلِينَ الْمَحْلَ. قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ: أَمْحَلَ الْقَوْمُ أَصَابَهُمُ الْمَحْلُ، وَهُوَ انْقِطَاعُ الْمَطَرِ وَيُبْسُ الْأَرْضِ مِنَ الْكَلَأِ، (" لَيْسَ بِأَيْدِيهِمْ شَيْءٌ مِنْ أَمْوَالِهِمْ ") ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ صَارُوا بِهِ مُبْتَلِينَ بِأَنْوَاعٍ مِنَ الْبَلَاءِ وَالْمِحَنِ وَالضَّرَّاءِ، وَلَكِنَّهُمْ صَابِرُونَ وَرَاضُونَ وَشَاكِرُونَ ; لِمَا أَعْطَاهُمُ اللَّهُ مِنْ صِفَاتِ الْأَوْلِيَاءِ ; بِبَرَكَةِ سَيِّدِ الْأَنْبِيَاءِ وَسَيِّدِ الْأَصْفِيَاءِ، (" وَيَمُرُّ عَلَى الْخَرِبَةِ ") : بِكَسْرِ الرَّاءِ أَيْ: يَمُرُّ الدَّجَّالُ بِالْأَرْضِ الْخَرِبَةِ وَبِالْبِقَاعِ الْخَرِبَةِ، (" فَيَقُولُ لَهَا: أَخْرِجِي كُنُوزَكِ) أَيْ: مَدْفُونَكِ أَوْ مَعَادِنَكِ، (فَتَتْبَعُهُ ") : الْفَاءُ فَصِيحَةٌ أَيْ: فَتَخْرُجُ فَتَعْقُبُ الدَّجَّالَ (" كُنُوزُهَا كَيَعَاسِيبِ النَّحْلِ) أَيْ: كَمَا يَتْبَعُ النَّحْلُ الْيَعْسُوبَ.

قَالَ النَّوَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ: الْيَعَاسِيبُ ذُكُورُ النَّحْلِ، هَكَذَا فَسَّرَهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ وَآخَرُونَ. قَالَ الْقَاضِي - رَحِمَهُ اللَّهُ: الْمُرَادُ جَمَاعَةُ النَّحْلِ لَا ذُكُورُهَا خَاصَّةً، لَكِنَّهُ كَنَّى عَنِ الْجَمَاعَةِ بِالْيَعْسُوبِ، وَهُوَ أَمِيرُهَا ; لِأَنَّهُ مَتَى طَارَ تَبِعَتْهُ جَمَاعَتُهُ،

<<  <  ج: ص:  >  >>