(" ثُمَّ يَهْبِطُ ") أَيْ: يَنْزِلُ مِنَ الطُّورِ (" نَبِيُّ اللَّهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ إِلَى الْأَرْضِ، فَلَا يَجِدُونَ فِي الْأَرْضِ ") أَيْ: فِي وَجْهِهَا جَمِيعًا، وَهَذَا هُوَ رَجْعُ الْعُدُولِ عَنِ الضَّمِيرِ إِلَى الظَّاهِرِ، فَاللَّامُ فِي الْأُولَى لِلْعَهْدِ، وَفِي الثَّانِيَةِ لِلِاسْتِغْرَاقِ ; بِدَلِيلِ الِاسْتِثْنَاءِ، وَبِهِ يَتَبَيَّنُ أَنَّ الْقَاعِدَةَ الْمَعْرُوفَةَ أَنَّ الْمَعْرِفَةَ إِذَا أُعِيدَتْ تَكُونُ عَيْنًا لِلْأُولَى مَبْنِيَّةً عَلَى غَالِبِ الْعَادَةِ، أَوْ حَيْثُ لَا قَرِينَةَ صَارِفَةٌ، (" مَوْضِعَ شِبْرٍ إِلَّا مَلَأَهُ زَهَمُهُمْ ") : بِفَتْحِ الزَّايِ وَالْهَاءِ وَقَدْ تُضَمُّ الزَّايُ، وَقَالَ شَارِحٌ هُوَ بِالضَّمِّ، وَرُوِيَ بِالتَّحْرِيكِ وَتَفْسِيرُهُ قَوْلُهُ: (" وَنَتْنُهُمْ ") : بِسُكُونِ التَّاءِ.
قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ: الزَّهَمُ بِالتَّحْرِيكِ مَصْدَرُ قَوْلِكَ زَهِمَتْ يَدِي بِالْكَسْرِ مِنَ الزُّهُومَةِ، فَهِيَ زَهِمَةٌ أَيْ دَسِمَةٌ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الرِّوَايَاتِ فِيمَا أَعْلَمُ، وَفِيهِ مِنْ طَرِيقِ الْمَعْنَى وَهَنٌ، وَضَمُّ الزَّايِ مَعَ فَتْحِ الْهَاءِ أَصَحُّ مَعْنًى، وَهُوَ جَمْعُ زُهْمَةٍ يَعْنِي بِضَمِّ الزَّايِ وَسُكُونِ الْهَاءِ، وَهِيَ الرِّيحُ الْمُنْتِنَةُ. وَقَالَ شَارِحٌ: هُوَ أَصَحُّ رِوَايَةً وَدِرَايَةً، وَيُوَافِقُهُمَا مَا فِي الْقَامُوسِ ; حَيْثُ قَالَ: الزُّهُومَةُ وَالزُّهْمَةُ بِضَمِّهَا رِيحُ لَحْمٍ سَمِينٍ مُنْتِنٍ، وَالزُّهْمُ بِالضَّمِّ الرِّيحُ الْمُنْتِنَةُ، وَبِالتَّحْرِيكِ مَصْدَرُ زَهِمَتْ يَدِي كَفَرِحَ، فَهِيَ زَهِمَةٌ أَيْ دَسِمَةٌ انْتَهَى، وَقَدْ يُقَالُ: أُطْلِقَ الْمَصْدَرُ وَأُرِيدَ بِهِ الْوَصْفُ مُبَالَغَةً كَرَجُلٍ عَدْلٍ، (" فَيَرْغَبُ نَبِيُّ اللَّهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ إِلَى اللَّهِ ") ، فِي ضَمِّ أَصْحَابِهِ إِلَيْهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الْهَيْئَةَ الِاجْتِمَاعِيَّةَ فِي الْهِمَّةِ الْإِطْمَاعِيَّةِ لَهَا تَأْثِيرٌ بَلِيغٌ فِي الْإِجَابَةِ الدُّعَائِيَّةِ، أَوْ فِي ذِكْرِهِمْ إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّهُمْ هُمُ الْبَاعِثُ عَلَى الدُّعَاءِ وَالتَّضَرُّعِ إِلَى رَبِّ السَّمَاءِ، (" فَيُرْسِلُ اللَّهُ طَيْرًا كَأَعْنَاقِ الْبُخْتِ ") : بِضَمِّ مُوَحَّدَةٍ وَسُكُونِ مُعْجَمَةٍ نَوْعٌ مِنَ الْإِبِلِ أَيْ: طَيْرًا أَعْنَاقُهَا فِي الطُّولِ وَالْكِبَرِ كَأَعْنَاقِ الْبُخْتِ، وَالطَّيْرُ جَمْعُ طَائِرٍ، وَقَدْ يَقَعُ عَلَى الْوَاحِدِ ; وَلِذَا قَالَ: (" فَتَحْمِلُهُمْ ") أَيْ: تِلْكَ الطَّيْرُ (" فَتَطْرَحُهُمْ) أَيْ: فَتَرْمِيهِمْ (" حَيْثُ شَاءَ اللَّهُ) أَيْ: مِنَ الْبِحَارِ، أَوْ مِمَّا وَرَاءَ مَعْمُورَةِ الدِّيَارِ، أَوْ خَلْفَ جِبَالِ قَافٍ وَنَحْوِهِا، أَوْ إِلَى عَالَمِ الْإِعْدَامِ وَالْإِفْنَاءِ.
(وَفِي رِوَايَةٍ: " تَطْرَحُهُمْ بِالنَّهْبَلِ ") : بِفَتْحِ النُّونِ وَسُكُونِ الْهَاءِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ مَوْضِعٌ، وَقِيلَ: مَكَانٌ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَفِيهِ أَنَّهُ كَيْفَ يَسَعُهُمْ، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِهِ مَوْضِعُ بَعْضِهِمْ، أَوْ عَلَى طَرِيقِ خَرْقِ الْعَادَةِ يَسَعُهُمْ، وَقِيلَ: هُوَ حَيْثُ تَطْلُعُ الشَّمْسُ، وَفِي الْقَامُوسِ: نَهْبَلَ: أَسِنَ، وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ فِي حَدِيثِ الدَّجَّالِ: فَتَطْرَحُهُمْ بِالنَّهْبَلِ، وَهُوَ تَصْحِيفٌ وَالصَّوَابُ بِالْمِيمِ. انْتَهَى. وَلَمْ يُذْكَرِ الْمَهْبَلُ لَا لَفْظًا وَلَا مَعْنًى. (" وَيَسْتَوْقِدُ الْمُسْلِمُونَ مِنْ قِسِيِّهِمْ ") : بِكَسْرَتَيْنِ فَتَشْدِيدِ تَحْتِيَّةٍ جَمْعُ قَوْسٍ، وَالضَّمِيرُ لِيَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ (" وَنُشَّابِهِمْ ") أَيْ: سِهَامِهِمْ (" وَجِعَابِهِمْ ") : بِكَسْرِ الْجِيمِ جَمْعُ جَعْبَةٍ بِالْفَتْحِ وَهِيَ طَرَفُ النُّشَّابِ (" سَبْعَ سِنِينَ، ثُمَّ يُرْسِلُ اللَّهُ مَطَرًا ") أَيْ: عَظِيمًا (" لَا يَكُنُّ ") : بِفَتْحِ الْيَاءِ وَضَمِّ الْكَافِ وَتَشْدِيدِ النُّونِ، مِنْ كَنَنْتُ الشَّيْءَ أَيْ سَتَرْتُهُ وَصُنْتُهُ عَنِ الشَّمْسِ، وَهِيَ مِنْ أَكْنَنْتُ الشَّيْءَ بِهَذَا الْمَعْنَى، وَالْمَفْعُولُ مَحْذُوفٌ، وَالْجُمْلَةُ صِفَةُ مَطَرًا، أَيْ: لَا يَسْتُرُ وَلَا يَصُونُ شَيْئًا (" مِنْهُ ") أَيْ: مِنْ ذَلِكَ الْمَطَرِ (" بَيْتُ مَدَرٍ ") : بِفَتْحَتَيْنِ أَيْ تُرَابٍ وَحَجَرٍ (" وَلَا وَبَرٍ ") ، أَيْ: صُوفٍ أَوْ شَعَرٍ، وَالْمُرَادُ تَعْمِيمُ بُيُوتِ أَهْلِ الْبَدْوِ وَالْحَضَرِ. قَالَ النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: أَيْ لَا يَمْنَعُ مِنْ نُزُولِ الْمَاءِ بَيْتُ الْمَدَرِ وَهُوَ الطِّينُ الصُّلْبُ.
وَقَالَ الْقَاضِي - رَحِمَهُ اللَّهُ: أَيْ: لَا يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَانِ مَاءٍ حَائِلٌ، بَلْ يَعُمُّ الْأَمَاكِنَ كُلَّهَا، (" فَيَغْسِلُ) أَيِ: الْمَطَرُ (الْأَرْضَ ") أَيْ: وَجْهَهَا كُلَّهَا (" حَتَّى يَتْرُكَهَا كَالزَّلَفَةِ ") : بِفَتْحِ الزَّايِ وَاللَّامِ وَيُسَكَّنُ وَبِالْفَاءِ، وَقِيلَ: بِالْقَافِ وَهِيَ الْمِرْآةُ بِكَسْرِ الْمِيمِ، وَقِيلَ: مَا يُتَّخَذُ لِجَمْعِ الْمَاءِ مِنَ الْمَصْنَعِ، وَالْمُرَادُ أَنَّ الْمَاءَ يَعُمُّ جَمِيعَ الْأَرْضِ ; بِحَيْثُ يَرَى الرَّائِي وَجْهَهُ فِيهِ. قَالَ النَّوَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ: رُوِيَ بِفَتْحِ الزَّايِ وَاللَّامِ وَبِالْفَاءِ وَبِالْقَافِ، وَرُوِيَ بِضَمِّ الزَّايِ وَإِسْكَانِ اللَّامِ وَبِالْفَاءِ، وَقَالَ الْقَاضِي - رَحِمَهُ اللَّهُ: رُوِيَ بِالْفَاءِ وَالْقَافِ وَبِفَتْحِ اللَّامِ وَإِسْكَانِهَا وَكُلُّهَا صَحِيحَةٌ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute