قُلْتُ: الْأَصَحُّ وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَكْثَرُ بِفَتْحَتَيْنِ وَالْفَاءِ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْقَامُوسُ فِي الْمَعَانِي الْآتِيَةِ كُلِّهَا، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. قَالَ: وَاخْتَلَفُوا فِي مَعْنَاهَا، فَقَالَ ثَعْلَبٌ وَأَبُو زَيْدٍ وَآخَرُ وَفِي مَعْنَاهُ كَالْمِرْآةِ، وَحَكَى صَاحِبُ الْمَشَارِقِ هَذَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا: شَبَّهَهَا بِالْمِرْآةِ فِي صَفَائِهَا وَنَظَافَتِهَا، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ كَمَصَانِعِ الْمَاءِ أَيِ الْمَاءُ يَسْتَنْقِعُ فِيهَا حَتَّى تَصِيرَ الْأَرْضُ كَالْمَصْنَعِ الَّذِي يَجْتَمِعُ فِيهِ الْمَاءُ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: مَعْنَاهُ الْإِجَّانَةُ الْخَضْرَاءُ، وَقِيلَ: كَالصَّحْفَةِ، وَقِيلَ: كَالرَّوْضَةِ. (ثُمَّ يُقَالُ لِلْأَرْضِ: أَنْبِتِي ثَمَرَتَكِ وَرُدِّي) أَيْ: إِلَى أَهْلِكِ (بَرَكَتَكِ) أَيْ: سَائِرَ نِعَمِكِ (" فَيَوْمَئِذٍ تَأْكُلُ الْعِصَابَةُ) : بِكَسْرِ الْعَيْنِ أَيِ الْجَمَاعَةُ (مِنَ الرُّمَّانَةِ ") أَيْ: وَيَشْبَعُونَ مِنْهَا (وَيَسْتَظِلُّونَ بِقِحْفِهَا ") : بِكَسْرِ الْقَافِ أَيْ بِقِشْرِهَا.
قَالَ النَّوَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ: هُوَ مُقَعَّرُ قِشْرِهَا شَبَّهَهَا بِقِحْفِ الْآدَمِيِّ، وَهُوَ الَّذِي فَوْقَ الدِّمَاغِ، وَقِيلَ: هُوَ مَا انْفَلَقَ مِنْ جُمْجُمَتِهِ وَانْفَصَلَ، وَقَالَ شَارِحٌ: أَرَادَ نِصْفَ قِشْرِهَا الْأَعْلَى، وَهُوَ فِي الْأَصْلِ الْعَظْمُ الْمُسْتَدِيرُ فَوْقَ الدِّمَاغِ، وَهُوَ أَيْضًا إِنَاءٌ مِنْ خَشَبٍ عَلَى مِثَالِهِ، كَأَنَّهُ نِصْفُ صَاعٍ، وَاسْتُعِيرَ هُنَا لِمَا يَلِي رَأْسَهَا مِنَ الْقِشْرِ (" وَيُبَارَكُ ") : بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ: يُوضَعُ الْبَرَكَةُ وَالْكَثْرَةُ (" فِي الرِّسْلِ ") : بِكَسْرِ الرَّاءِ وَسُكُونِ السِّينِ أَيِ اللَّبَنِ، (حَتَّى إِنَّ اللِّقْحَةَ ") : بِكَسْرِ اللَّامِ وَيُفْتَحُ أَيِ: النَّاقَةُ الْحَلُوبَةُ. قَالَ النَّوَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ: اللِّقْحَةُ بِكَسْرِ اللَّامِ وَفَتْحِهَا لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ وَالْكَسْرُ أَشْهَرُ، وَهِيَ الْقَرِيبَةُ الْعَهْدِ بِالْوِلَادَةِ. وَقَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ: مِنَ النُّوقِ وَغَيْرِهَا فَقَوْلُهُ: (مِنَ الْإِبِلِ ") بَيَانِيَّةٌ، (" لَتَكْفِي ") أَيِ: اللِّقْحَةُ، وَالْمُرَادُ بِهَا (" الْفِئَامَ) : بِهَمْزٍ عَلَى زِنَةِ رِجَالٍ وَالْعَامَّةُ تُبْدِلُ الْهَمْزَةَ يَاءً أَيِ: الْجَمَاعَةَ (" مِنَ النَّاسِ) ، وَلَا وَاحِدَ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ، وَالْمُرَادُ بِهِ هَهُنَا أَكْثَرُ مِنَ الْقَبِيلَةِ، كَمَا أَنَّ الْقَبِيلَةَ أَكْثَرُ مِنَ الْفَخْذِ عَلَى مَا سَيَأْتِي. وَقَالَ النَّوَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ: الْقِئَامَ. بِكَسْرِ الْقَافِ وَبَعْدَهَا هَمْزَةٌ مَمْدُودَةٌ هِيَ الْجَمَاعَةُ الْكَثِيرَةُ، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ الْمَعْرُوفُ فِي اللُّغَةِ، وَرِوَايَةُ الْحَدِيثِ بِكَسْرِ الْفَاءِ وَبِالْهَمْزِ. قَالَ الْقَاضِي: وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يُجِيزُ الْهَمْزَ بَلْ يَقُولُهُ بِالْيَاءِ. وَقَالَ فِي الْمَشَارِقِ: وَحَكَاهُ الْخَلِيلُ بِفَتْحِ الْفَاءِ، قَالَ: وَذَكَرَهُ صَاحِبُ الْعَيْنِ غَيْرَ مَهْمُوزٍ، وَأَدْخَلَهُ فِي حَرْفِ الْيَاءِ، وَحَكَى الْخَطَّابِيُّ أَنَّ بَعْضَهُمْ ذَكَرَهُ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ وَهُوَ غَلَطٌ فَاحِشٌ. (" وَاللِّقْحَةَ مِنَ الْبَقَرِ لَتَكْفِي الْقَبِيلَةَ مِنَ النَّاسِ، وَاللِّقْحَةَ مِنَ الْغَنَمِ لَتَكْفِي الْفَخْذَ مِنَ النَّاسِ ") ، قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ: الْفَخْذُ هُنَا بِسُكُونِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ لَا غَيْرُ جَمَاعَةٌ مِنَ الْأَقَارِبِ، وَهُمْ دُونَ الْبَطْنِ، وَالْبَطْنُ دُونَ الْقَبِيلَةِ، وَأَمَّا الْفَخِذُ بِمَعْنَى الْعُضْوِ فَبِكَسْرِ الْخَاءِ وَسُكُونِهَا. (" فَبَيْنَا ") : بِلَا مِيمٍ (" هُمْ ") : مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ (" كَذَلِكَ ") ، وَنَا: عِوَضٌ عَنِ الْمُضَافِ إِلَيْهِ، وَالْعَامِلُ فِيهِ قَوْلُهُ: (" إِذْ بَعَثَ اللَّهُ ") : وَإِذْ لِلْمُفَاجَأَةِ أَيْ: بَيْنَ أَوْقَاتٍ يَتَنَعَّمُونَ فِي طِيبِ عَيْشٍ وَسَعَةٍ أَرْسَلَ عَلَيْهِمْ فَجْأَةً (" رِيحًا طَيِّبَةً فَتَأْخُذُهُمْ تَحْتَ آبَاطِهِمْ ") : بِهَمْزَةٍ مَمْدُودَةٍ جَمْعُ إِبِطٍ، (فَتَقْبِضُ ") أَيْ: تِلْكَ الرِّيحُ (" رُوحَ كُلِّ مُؤْمِنٍ ") : أَسْنَدَ الْفِعْلَ إِلَى الرِّيحِ مَجَازًا (" أَوْ كُلِّ مُسْلِمٍ ") .
قَالَ النَّوَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ: هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ بِالْوَاوِ يَعْنِي كَانَ الظَّاهِرُ أَنْ يَكُونَ بِـ أَوْ بِالشَّكِّ، فَإِنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُؤْمِنِ وَالْمُسْلِمِ عِنْدَ أَرْبَابِ الْحَقِّ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ، فَالْمَقْصُودُ الْمُبَالَغَةُ فِي التَّعْمِيمِ وَالتَّغَايُرُ بِاعْتِبَارِ اخْتِلَافِ الْوَصْفَيْنِ، كَمَا فِي التَّنْزِيلِ: {تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآنٍ مُبِينٍ} [الحجر: ١] ، وَقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [الأحزاب: ٣٥] ، أَوْ بِنَاءً عَلَى الْفَرْقِ اللُّغَوِيِّ بَيْنَهُمَا مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُؤْمِنِ الْمُصَدِّقُ، وَبِالْمُسْلِمِ الْمُنْقَادُ، لَكِنْ لَمَّا كَانَ أَحَدُهَا لَا يَنْفَعُ بِدُونِ الْآخَرِ، جُعِلَ الْمَوْصُوفُ بِهِمَا وَاحِدًا، وَأُطْلِقَ عَلَيْهِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْوَصْفَيْنِ بِطَرِيقِ التَّسَاوِي، أَوْ لِكَوْنِ أَحَدِهِمَا غَالِبًا عَلَيْهِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute