بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: أَلَيْسَ قَدْ نَهَاكُمْ رَبُّكُمْ أَنْ تَقْتُلُوا ") أَيْ: مِنْ قَتَلَكُمْ (" أَحَدًا دُونَهُ ") أَيْ: دُونَ عِلْمِهِ وَأَمْرِهِ وَإِذْنِهِ (" فَيَنْطَلِقُونَ بِهِ إِلَى الدَّجَّالِ فَإِذَا رَآهُ الْمُؤْمِنُ ") أَيْ: أَبْصَرَ الدَّجَّالَ الرَّجُلُ الْمُؤْمِنُ وَقَدْ عَرَفَ عَلَامَاتِهِ (قَالَ) : تَذْكِيرًا لِلْأُمَّةِ تَوْهِينًا لِلْغُمَّةِ (" يَا أَيُّهَا النَّاسُ هَذَا الدَّجَّالُ الَّذِي ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) أَيْ: فِي أَحَادِيثِهِ أَنَّهُ سَيَخْرُجُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ.
(قَالَ) أَيِ: النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (" فَيَأْمُرُ الدَّجَّالُ بِهِ ") أَيْ: بِضَرْبِهِ (" فَيُشَبَّحُ ") : بِتَشْدِيدِ الْمُوَحَّدَةِ الْمَفْتُوحَةِ أَيْ: يُمَدُّ لِلضَّرْبِ (" فَيَقُولُ ") أَيِ: الدَّجَّالُ، تَأْكِيدًا وَتَغْلِيظًا وَتَشْدِيدًا (" خُذُوهُ ") أَيْ: امْسِكُوهُ أَخْذًا شَدِيدًا (" وَشُجُّوهُ ") : بِضَمِّ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ الْجِيمِ أَيِ: اكْسِرُوا رَأْسَهُ، وَفِي نُسْخَةٍ فَشَبِّحُوهُ بِفَتْحِ الشِّينِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ فَحَاءٍ مُهْمَلَةٍ، أَيْ: مُدُّوهُ عَلَى بَطْنِهِ أَوْ عَلَى قَفَاهُ، يُقَالُ: تَشَبَّحَ الْحِرْبَاءُ عَلَى الْعُودِ، أَيِ: امْتَدَّ، وَتَشْبِيحُ الشَّيْءِ جَعْلُهُ عَرِيضًا (" فَيُوسَعُ ") : بِسُكُونِ الْوَاوِ وَفَتْحِ السِّينِ (ظَهْرُهُ وَبَطْنُهُ ضَرْبًا) أَيْ: يَكْثُرُ الضَّرْبُ عَلَى ظَهْرِهِ، وَبَطْنِهِ، (قَالَ: " فَيَقُولُ ") أَيِ: الدَّجَّالُ (" أَمَا تُؤْمِنُ بِي ") ؟ وَفِي نُسْخَةٍ: أَوَمَا تُؤْمِنُ بِي؟ أَيْ أَتُنْكِرُنِي وَأُلُوهِيَّتِي وَمَا تُؤْمِنُ بِي وَبِرُبُوبِيَّتِي؟ (قَالَ: " فَيَقُولُ ") أَيِ: الْمُؤْمِنُ (" أَنْتَ الْمَسِيحُ الْكَذَّابُ ") أَيِ: الَّذِي يَقْتُلُكَ الْمَسِيحُ الصِّدِّيقُ. (قَالَ: " فَيُؤْمَرُ بِهِ فَيُؤْشَرُ) : بِضَمٍّ فَسُكُونِ هَمْزٍ وَيُبْدَلُ وَاوًا فَفَتْحِ شِينٍ، أَيْ: فَيُقْطَعُ (" بِالْمِئْشَارِ ") : بِكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْهَمْزِ وَيُبْدَلُ يَاءً وَبِالنُّونِ فِي بَعْضِ النُّسَخِ، وَهُوَ آلَةُ النَّشْرِ وَالْقَطْعِ (" مِنْ مَفْرِقِهِ ") : بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَيُفْتَحُ أَيْ مُبْتَدِأً مِنْ فَرْقِ رَأْسِهِ (" حَتَّى يُفَرَّقَ) : بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ مُخَفَّفًا وَيُشَدَّدُ أَيْ: حَتَّى يُفْصَلَ بَدَنُهُ قِطْعَتَيْنِ وَاقِعَتَيْنِ (" بَيْنَ رِجْلَيْهِ) أَيْ: فِي طَرَفَيْ قَدَمَيْهِ.
قَالَ النَّوَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ: قَوْلُهُ يُشَبَّحُ بِشِينٍ مُعْجَمَةٍ ثُمَّ بَاءٍ مُوَحَّدَةٍ وَحَاءٍ مُهْمَلَةٍ، وَكَذَا شُجُّوهُ أَيْ مُدُّوهُ عَلَى بَطْنِهِ، وَجَاءَ أَيْضًا شَجُّوهُ بِجِيمٍ مُشَدَّدَةٍ مِنَ الشَّجِّ وَهُوَ الْجَرْحُ فِي الرَّأْسِ، ثُمَّ قَالَ: وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ أَصَحُّ عِنْدَنَا، وَقَوْلُهُ: فَيُؤْشَرُ، الرِّوَايَةُ فِيهِ بِالْهَمْزَةِ وَالْمِئْشَارُ بِهَمْزٍ بَعْدَ الْمِيمِ وَهُوَ الْأَفْصَحُ، وَيَجُوزُ تَخْفِيفُ الْهَمْزِ فِيهِمَا، فَيُجْعَلُ فِي الْأَوَّلِ وَاوًا، وَفِي الثَّانِي يَاءً، وَيَجُوزُ الْمِنْشَارُ بِالنُّونِ، وَعَلَى هَذَا يُقَالُ: نَشَرْتُ الْخَشَبَةَ، " وَمَفْرِقِهِ " بِكَسْرِ الرَّاءِ وَسَطُهُ يَعْنِي وَسَطَ فَرْقِهِ أَوْ وَسَطَ رَأْسِهِ انْتَهَى.
قَالَ الْجَزَرِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ: رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ يُشَبَّحُ بِمُعْجَمَةٍ فَمُوَحَّدَةٍ فَمُهْمَلَةٍ، وَشُجُّوهُ بِالْجِيمِ مِنَ الشَّجِّ وَهُوَ الْجَرْحُ فِي الرَّأْسِ وَالْوَجْهِ، وَثَانِيهِمَا يُشَبَّحُ كَالْأَوَّلِ وَشَبِّحُوهُ بِالْبَاءِ وَالْحَاءِ، وَثَالِثُهَا فَيُشَجُّ وَشُجُّوهُ كِلَاهُمَا بِالْجِيمِ، وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي هُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْحُمَيْدِيُّ، وَصَحَّحَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ، وَالْأَصَحُّ عِنْدَ جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا الْأَوَّلُ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَقَالَ شَارِحٌ: يُقَالُ: وَشَرْتَ الْخَشَبَةَ بِالْمِيشَارِ إِذَا نَشَرْتَهُ بِالْمِنْشَارِ، وَفِي الْحَدِيثِ بِالْيَاءِ لَا غَيْرُ ; يَدُلُّ عَلَيْهِ فَيُؤْشَرُ.
قُلْتُ: فِيهِ بَحْثٌ ; إِذْ قَوْلُهُ: فَيُؤْشَرُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ بِالْهَمْزِ، وَأَنْ يَكُونَ بِوَاوٍ مُبْدَلَةٍ أَوْ أَصْلِيَّةٍ، وَكَذَا فِي الْمِيشَارِ يَصِحُّ هَمْزُهُ وَإِبْدَالُهُ مِنْ هَمْزٍ أَوْ مِنْ وَاوٍ، وَهَذَا لَا يُنَافِي أَنْ يَكُونَ بِالْهَمْزِ، وَأَنْ يَكُونَ الْمِنْشَارُ بِالنُّونِ، بِنَاءً عَلَى التَّفَنُّنِ فِي الْعِبَارَةِ، مَعَ أَنَّهُ هُوَ الْمَشْهُورُ بِاعْتِبَارِ اللُّغَةِ عَلَى لِسَانِ الْعَامَّةِ. وَفِي الْقَامُوسِ: أَشَرَ الْخَشَبَ بِالْمِيشَارِ شَقَّهُ، وَنَشَرَ الْخَشَبَ نَحَتَهُ، وَوَشَرَ الْخَشَبَ بِالْمِيشَارِ غَيْرَ مَهْمُوزٍ لُغَةٌ فِي أَشَرَهَا بِالْمِنْشَارِ إِذَا نَشَرَهَا. انْتَهَى. وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّ الْأَصْلَ هُوَ الْهَمْزُ وَالْوَاوَ لُغَةٌ فِي الشَّقِّ وَالنُّونَ خَاصٌّ بِمَعْنَى النَّحْتِ.
(قَالَ) أَيِ: النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (" ثُمَّ يَمْشِي الدَّجَّالُ بَيْنَ الْقِطْعَتَيْنِ ") أَيِ: الشُّقَّتَيْنِ مِنَ الرَّجُلِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute