للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

تَخْيِيلًا لِتَحْقِيقِ الْقَتْلِ (" ثُمَّ يَقُولُ لَهُ: قُمْ، فَيَسْتَوِي قَائِمًا، ثُمَّ يَقُولُ لَهُ: أَتُؤْمِنُ بِي؟ فَيَقُولُ: مَا ازْدَدْتُ ") : بِفَتْحِ الدَّالِ، وَقَالَ شَارِحٌ: بِكَسْرِ الدَّالِ الْأَوَّلِ عَلَى بِنَاءِ الْمَجْهُولِ. أَقُولُ: صِحَّتُهُ مَوْقُوفَةٌ عَلَى إِتْيَانِهِ مُتَعَدِّيًا إِلَى مَفْعُولَيْنِ، وَظَاهِرُ مَا فِي الْقَامُوسِ أَنَّهُ لَازِمٌ ; حَيْثُ قَالَ: زَادَهُ اللَّهُ خَيْرًا فَزَادَ وَازْدَادَ، حَيْثُ أَشَارَ إِلَى أَنَّ زَادَ لَازِمٌ وَمُتَعَدٍّ، وَأَنَّ ازْدَادَ قَاصِرٌ فَقَطْ حَيْثُ جَعَلَهُ مُطَاوِعًا، نَعَمْ قَوْلُهُ تَعَالَى: {لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ} [الفتح: ٤] صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ مُتَعَدٍّ إِلَى مَفْعُولٍ وَاحِدٍ، وَأَمَّا زَادَ فَيَجِيءُ لَازِمًا وَمُتَعَدِّيًا إِلَى مَفْعُولٍ وَإِلَى مَفْعُولَيْنِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَزَادَهُمْ إِيمَانًا} [آل عمران: ١٧٣] ، وَقِيلَ: نَصَبَ إِيمَانًا عَلَى التَّمْيِيزِ، وَحَاصِلُ الْمَعْنَى مَا زِدْتُ (" فِيكَ ") أَيْ: فِي مَعْرِفَتِكَ بِفِعْلِكَ هَذَا مِنَ الْقَتْلِ وَالْإِحْيَاءِ (" إِلَّا بَصِيرَةً ") أَيْ: زِيَادَةَ عِلْمٍ وَيَقِينٍ بِأَنَّكَ كَاذِبٌ مُمَوِّهٌ، (" قَالَ: ثُمَّ يَقُولُ ") : الْمُؤْمِنُ (" يَا أَيُّهَا النَّاسُ! إِنَّهُ ") أَيِ: الشَّأْنَ أَوِ الدَّجَّالَ (" لَا يَفْعَلُ ") : مَفْعُولُهُ مَحْذُوفٌ أَيْ: لَا يَفْعَلُ مَا فَعَلَ بِي مِنَ الْقَتْلِ وَالْإِحْيَاءِ - فِي الظَّاهِرِ (" بَعْدِي ") أَيْ: بَعْدَ فِعْلِهِ بِي (" بِأَحَدٍ مِنَ النَّاسِ ") ، وَفِي هَذَا إِخْبَارٌ عَنْ سَلْبِ الْقُدْرَةِ الِاسْتِدْرَاجِيَّةِ عَنْهُ، وَتَسْلِيَةِ النَّاسِ فِي الْخَوْفِ مِنْهُ، (قَالَ: " فَيَأْخُذُهُ الدَّجَّالُ لِيَذْبَحَهُ، فَيُجْعَلُ ") : بِضَمِّ أَوَّلِهِ، وَفِي نُسْخَةٍ بِفَتْحِهِ أَيْ: فَيَجْعَلُ اللَّهُ (" مَا بَيْنَ رَقَبَتِهِ إِلَى تَرْقُوَتِهِ ") : بِفَتْحِ التَّاءِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَضَمِّ الْقَافِ وَفَتْحِ الْوَاوِ الْعَظْمُ الَّذِي بَيْنَ ثُغْرَةِ النَّحْرِ وَالْعَاتِقِ (" نُحَاسًا) أَيْ: كَالنُّحَاسِ لَا يَعْمَلُ فِيهِ السَّيْفُ، وَفِي شَرْحِ السُّنَّةِ قَالَ مَعْمَرٌ: بَلَغَنِي أَنَّهُ يُجْعَلُ عَلَى حَلْقِهِ صَفْحَةُ نُحَاسٍ (" فَلَا يَسْتَطِيعُ ") أَيِ: الدَّجَّالُ (" إِلَيْهِ) أَيْ: إِلَى وُصُولِ قَتْلِهِ، وَلَا يَقْدِرُ عَلَى حُصُولِ مَضَرَّتِهِ (" سَبِيلًا ") : تَمْيِيزٌ أَيْ: طَرِيقًا مِنَ التَّعَرُّضِ، (قَالَ: " فَيَأْخُذُ ") أَيِ: الدَّجَّالُ (" بِيَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ فَيَقْذِفُ بِهِ ") أَيْ: يَرْمِي بِالْمُؤْمِنِ وَيَطْرَحُهُ (" فِي الْهَوَاءِ فَيَحْسِبُ النَّاسُ ") : بِكَسْرِ السِّينِ وَفَتْحِهَا أَيْ فَيَظُنُّونَ (" أَنَّمَا قَذَفَهُ إِلَى النَّارِ ") : فِي تَأْوِيلِ الْمَصْدَرِ أَيْ: قَذَفَهُ إِلَيْهَا، وَالْأَظْهَرُ مَا اخْتَارَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ مِنْ أَنَّ أَنَّمَا بِالْفَتْحِ يُفِيدُ الْحَصْرَ أَيْضًا، كَمَا اجْتَمَعَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} [الكهف: ١١٠] ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ: (" وَإِنَّمَا أُلْقِيَ ") : بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ: أُوقِعَ (" فِي الْجَنَّةِ ") ، وَاللَّامُ لِلْعَهْدِ أَيْ: فِي بُسْتَانٍ مِنْ بَسَاتِينِ الدُّنْيَا، وَيُمْكِنُ أَنْ يَرْمِيَهُ فِي النَّارِ الَّتِي مَعَهُ، وَيَجْعَلَهَا اللَّهُ عَلَيْهِ جَنَّةً، كَمَا سَبَقَ بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَتَصِيرُ تِلْكَ النَّارُ رَوْضَةً وَجَنَّةً، وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ: فَلَمْ يَحْصُلْ لَهُ مَوْتٌ عَلَى يَدِهِ سِوَى مَا تَقَدَّمَ، وَأَمَّا قَوْلُ الرَّاوِي (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هَذَا أَعْظَمُ النَّاسِ شَهَادَةً عِنْدَ رَبِّ الْعَالَمِينَ ") : فَالْمُرَادُ بِهَا قَتْلُهُ الْأَوَّلُ، فَتَأَمَّلْ ; فَإِنَّهُ مَوْضِعُ الزَّلَلِ وَالْخَطَلِ وَالْوَحَلِ، كَمَا وَقَعَ فِيهِ الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِقَوْلِهِ: فَيَحْسِبُ النَّاسُ أَنَّ الدَّجَّالَ قَذَفَهُ فِيمَا يَزْعُمُ أَنَّهُ نَارُهُ، وَإِنَّمَا أُلْقِيَ فِي الْجَنَّةِ وَهِيَ دَارُ الْبَقَاءِ، يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: هَذَا أَعْظَمُ النَّاسِ شَهَادَةً، وَنَحْوُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ - فَرِحِينَ} [آل عمران: ١٦٩ - ١٧٠] أَيْ يَسْرَحُونَ فِي ثِمَارِ الْجَنَّةِ. أَقُولُ: فَهَذَا مُنَاقِضٌ لِقَوْلِهِ: إِنَّهُ لَا يَفْعَلُ بِعْدِي بِأَحَدٍ مِنَ النَّاسِ، اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يُقَالَ: الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ لَا يَفْعَلُ بَعْدِي أَيْ بَعْدَ قَتْلِي ثَانِيًا بِأَحَدٍ مِنَ النَّاسِ، أَيْ: غَيْرِي، وَلَا يَخْفَى بُعْدُهُ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ، وَسَيَأْتِي فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ مَا يُفِيدُ تَأْيِيدَ مَا اخْتَرْنَاهُ. (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) .

<<  <  ج: ص:  >  >>