وَالْمَعْنَى أَنَّ أَصْلَهُ دَارَ بِالْأَلِفِ الْمُبْدَلَةِ مِنَ الْوَاوِ، وَمَأْخُوذًا مِنَ الدَّوْرِ لِكَوْنِهِ مُدَوَّرًا، أَوْ يُدَارُ فِيهَا، أَوْ مَدَارُ الْمَعِيشَةِ وَالْمَبِيتِ إِلَيْهِ ثُمَّ أُبْدِلَتِ الْأَلِفُ يَاءً لِلْفَرْقِ، وَمُرَادُهُ بِقَوْلِهِ: دَيْرُ النَّصَارَى أَنَّهُ مِثْلُهُ، أَوْ فِي الْأَصْلِ يُطْلَقُ عَلَيْهِ، وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى بَيْتِ الْخَمْرِ، (" فَإِذَا فِيهِ أَعْظَمُ إِنْسَانٍ ") أَيْ: أَكْبَرُهُ جِهَةً أَوْ أَهْيَبُهُ هَيْئَةً (" رَأَيْنَاهُ ") : صِفَةُ إِنْسَانٍ احْتِرَازٌ عَمَّنْ لَمْ يَرَوْهُ، وَلَمَّا كَانَ هَذَا الْكَلَامُ فِي مَعْنَى مَا رَأَيْنَا مِثْلَهُ صَحَّ قَوْلُهُ: (" قَطُّ ") الَّذِي يَخْتَصُّ بِنَفْيِ الْمَاضِي، وَهُوَ بِفَتْحِ الْقَافِ وَتَشْدِيدِ الطَّاءِ الْمَضْمُومَةِ فِي أَفْصَحِ اللُّغَاتِ، وَقَدْ تُكْسَرُ، وَقَدْ يَتْبَعُ قَافُهُ طَاءَهُ فِي الضَّمِّ، وَقَدْ تُخَفَّفُ طَاؤُهُ مَعَ ضَمِّهَا وَإِسْكَانِهَا عَلَى مَا فِي الْمُغْنِي، وَوَقَعَ فِي نُسْخَةٍ: مَا رَأَيْنَاهُ قَطُ، وَقَوْلُهُ: (" خَلْقًا ") تَمْيِيزُ أَعْظَمُ، (" وَأَشَدُّهُ ") أَيْ: أَقْوَى إِنْسَانٍ (" وِثَاقًا ") : بِفَتْحِ الْوَاوِ وَيُكْسَرُ، أَيْ: قَيْدًا مِنَ السَّلَاسِلِ وَالْأَغْلَالِ عَلَى مَا سَيَأْتِي، هَذَا وَذَكَرَ الْأَشْرَفُ أَنَّ ضَمِيرَ الْمَفْعُولِ رَاجِعٌ إِلَى الْأَعْظَمِ أَيْ: مَا رَأَيْنَاهُ قَطُّ، أَعْظَمُ إِنْسَانٍ خَلْقًا، وَخَلْقًا نُصِبَ عَلَى التَّمْيِيزِ مِنْ " أَعْظَمُ إِنْسَانٍ ". وَقَالَ الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَدَّرَ مُضَافٌ، أَيْ: مَا رَأَيْنَا مِثْلَ ذَلِكَ الْأَعْظَمِ، وَأَشَدُّ: مَرْفُوعٌ عَطْفٌ عَلَى الْأَعْظَمِ، هَذَا وَإِنَّ لَفْظَةَ: " مَا " لَيْسَتْ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، وَلَا فِي كِتَابِ الْحُمَيْدِيِّ، وَلَا فِي جَامِعِ الْأُصُولِ، وَلَا فِي أَكْثَرِ نُسَخِ الْمَصَابِيحِ، وَلَعَلَّ مَنْ زَادَهَا نَظَرَ إِلَى لَفْظَةِ قَطُّ ; حَيْثُ يَكُونُ فِي الْمَاضِي الْمَنْفِيِّ، فَالْوَجْهُ أَوْ يَكُونُ مُرَادُهُ كَمَا جَاءَ فِي قَوْلِ الْقَائِلِ:
لِلَّهِ يَبْقَى عَلَى الْأَيَّامِ ذُو حِيَدٍ
(" مَجْمُوعَةٌ ") : بِالنَّصْبِ وَفِي نُسْخَةٍ بِالرَّفْعِ أَيْ مَضْمُومَةٍ (" يَدُهُ إِلَى عُنُقِهِ ") ، وَقَوْلُهُ: (" مَا بَيْنَ رُكْبَتَيْهِ إِلَى كَعْبَيْهِ ") ، لَمَّا كَانَ ظَاهِرُهُ أَنْ يُؤْتَى بِالْوَاوِ فِي أَوَّلِهِ ; لِيَكُونَ الْمَعْنَى: وَمَجْمُوعَةٌ سَاقَاهُ عَلَيْهِ، وَيَكُونُ قَوْلُهُ: بِالْحَدِيدِ قَيْدًا لَهُمَا. قَالَ الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ: " مَا " مَوْصُولَةٌ مَرْفُوعَةُ الْمَحَلِّ الْمَعْنِيِّ (" بِالْحَدِيدِ ") ، وَحُذِفَ مَجْمُوعَةٌ فِي الثَّانِي لِدَلَالَةِ الْأُولَى عَلَيْهِ (" قُلْنَا: وَيْلَكَ مَا أَنْتَ ") ؟ اسْتَغْرَبُوهُ فَأَوْرَدُوا " مَا " مَكَانَ " مَنْ " وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ السُّؤَالُ عَنْ وَصْفِهِ وَحَالِهِ، إِذْ قَدْ عَلِمُوا أَنَّهُ رَجُلٌ، وَقَدْ يَجِيءُ " مَا " بِمَعْنَى " مَنْ " كَمَا حُقِّقَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا} [الشمس: ٥] ، أَوْ رُوعِيَ مُشَاكَلَةُ مَا قَبْلَهَا. وَقَالَ الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ: كَأَنَّهُمْ لَمَّا رَأَوْا خَلْقًا عَجِيبًا خَارِجًا عَمَّا عَهِدُوهُ خَفِيَ عَلَيْهِمْ حَالُهُ ; فَقَالُوا: مَا أَنْتَ مَكَانَ مَنْ أَنْتَ. (قَالَ: قَدْ قَدَرْتُمْ ") أَيْ: تَمَكَّنْتُمْ (" عَلَى خَبَرِي) ، أَيْ: فَإِنِّي لَا أُخْفِيهِ عَنْكُمْ فَأُحَدِّثُ لَكُمْ عَنْ حَالِي (فَأَخْبِرُونِي) أَيْ: عَنْ حَالِكُمْ وَمَا أَسْأَلُهُ عَنْكُمْ أَوَّلًا، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ: (" مَا أَنْتُمْ) ؟ حَيْثُ لَمْ يَقُلْ: مَنْ أَنْتُمْ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ طِبَاقًا لِقَوْلِهِمْ جَزَاءً لِفِعْلِهِمْ. قَالَ الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ: وَمِثْلُ مَا قَالُوا لَهُ: مَا أَنْتَ؟ قَالَ لَهُمْ: مَا أَنْتُمْ؟ لِأَنَّهُ مَا عَهِدَ أَنَّ إِنْسَانًا يَطْرُقُ ذَلِكَ الْمَكَانَ. وَقَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: أَيْ مَنْ أَنْتُمْ، أَوْ مَا حَالُكُمْ؟ (" قَالُوا ") : فِيهِ الْتِفَاتٌ مِنَ التَّكَلُّمِ إِلَى الْغَيْبَةِ، ذَكَرَهُ ابْنُ الْمَلَكِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ، قَالَ بَعْضُنَا، فَفِيهِ تَغْلِيبٌ لِلْغَائِبِينَ عَلَى الْحَاضِرِينَ. (" نَحْنُ أُنَاسٌ مِنَ الْعَرَبِ، رَكِبْنَا فِي سَفِينَةِ بِحْرِيَّةٍ، فَلَعِبَ بِنَا الْبَحْرُ شَهْرًا، فَدَخَلْنَا الْجَزِيرَةَ، فَلَقِيَتْنَا دَابَّةٌ أَهْلَبُ، فَقَالَتْ: أَنَا الْجَسَّاسَةُ اعْمِدُوا ") : بِكَسْرِ الْمِيمِ أَيِ: اقْصِدُوا (" إِلَى هَذَا ") أَيِ: الرَّجُلِ (" فِي الدَّيْرِ ") أَيِ: الْقَصْرِ الْكَبِيرِ (فَأَقْبَلْنَا إِلَيْكَ سِرَاعًا [وَفَزَعًا مِنْهَا] ، فَقَالَ: أَخْبِرُونِي عَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute