[٤] بَابُ قِصَّةِ ابْنِ صَيَّادٍ
الْفَصْلُ الْأَوَّلُ
٥٤٩٤ - عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - انْطَلَقَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي رَهْطٍ مِنْ أَصْحَابِهِ قِبَلَ ابْنِ صَيَّادٍ، حَتَّى وَجَدُوهُ يَلْعَبُ مَعَ الصِّبْيَانِ وَفِي أُطُمِ بَنِي مَغَالَةَ، وَقَدْ قَارَبَ ابْنُ صَيَّادٍ يَوْمَئِذٍ الْحُلُمَ، فَلَمْ يَشْعُرْ حَتَّى ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ظَهْرَهُ بِيَدِهِ، ثُمَّ قَالَ: " أَتَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ؟ فَنَظَرَ إِلَيْهِ فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ الْأُمِّيِّينَ، ثُمَّ قَالَ ابْنُ صَيَّادٍ: أَتَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ؟ فَرَصَّهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ قَالَ: آمَنْتُ بِاللَّهِ وَبِرُسُلِهِ ". ثُمَّ قَالَ لِابْنِ الصَّيَّادِ: مَاذَا تَرَى؟ قَالَ: يَأْتِينِي صَادِقٌ وَكَاذِبٌ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " خُلِّطَ عَلَيْكَ الْأَمْرُ ". قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنِّي خَبَّأْتُ لَكَ خَبِيئًا " وَخَبَّأَ لَهُ: {يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ} [الدخان: ١٠] . فَقَالَ: هُوَ الدُّخُّ. فَقَالَ: " اخْسَأْ فَلَنْ تَعْدُوَ قَدْرَكَ ". قَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَتَأْذَنُ لِي فِيهِ أَنْ أَضْرِبَ عُنُقَهُ؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنْ يَكُنْ هُوَ لَا تُسَلَّطْ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُوَ فَلَا خَيْرَ لَكَ مِنْ قَتْلِهِ ". قَالَ ابْنُ عُمَرَ: انْطَلَقَ بَعْدَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ الْأَنْصَارِيُّ يَؤُمَّانِ النَّخْلَ الَّتِي فِيهَا ابْنُ صَيَّادٍ، فَطَفِقَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَتَّقِي بِجُذُوعِ النَّخْلِ، وَهُوَ يَخْتِلُ أَنْ يَسْمَعَ مِنِ ابْنِ الصَّيَّادِ شَيْئًا قَبْلَ أَنْ يَرَاهُ، وَابْنُ صَيَّادٍ مُضْطَجِعٌ عَلَى فِرَاشِهِ فِي قَطِيفَةٍ لَهُ فِيهَا زَمْزَمَةٌ، فَرَأَتْ أُمُّ ابْنِ صَيَّادٍ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ يَتَّقِي بِجُذُوعِ النَّخْلِ. فَقَالَتْ: أَيْ صَافُ - وَهُوَ اسْمُهُ - هَذَا مُحَمَّدٌ. فَتَنَاهَى ابْنُ صَيَّادٍ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَوْ تَرَكَتْهُ بَيَّنَ ". قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: قَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي النَّاسِ، فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ ذَكَرَ الدَّجَّالَ فَقَالَ: " إِنِّي أُنْذِرُكُمُوهُ، وَمَا مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا وَقَدْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ، لَقَدْ أَنْذَرَ نُوحٌ قَوْمَهُ، وَلَكِنِّي سَأَقُولُ لَكُمْ فِيهِ قَوْلًا لَمْ يَقُلْهُ نَبِيٌّ لِقَوْمِهِ، تَعْلَمُونَ أَنَّهُ أَعْوَرُ، وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِأَعْوَرَ» ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ــ
كَذَا فِي نُسْخَةِ السَّيِّدِ وَأَكْثَرِ النُّسَخِ الْمُعْتَمَدَةِ. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: ابْنُ الصَّيَّادِ مُعَرَّفًا. فِي الْقَامُوسِ: ابْنُ صَائِدٍ أَوْ صَيَّادٍ الَّذِي كَانَ يُظَنُّ أَنَّهُ الدَّجَّالُ، وَقَالَ الْأَكْمَلُ: ابْنُ صَائِدٍ اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ، وَقِيلَ: صِيَافٌ. وَيُقَالُ: ابْنُ صَائِدٍ وَهُوَ يَهُودِيٌّ مِنْ يَهُودِ الْمَدِينَةِ. وَقِيلَ: هُوَ دَخِيلٌ فِيهِمْ، وَكَانَ حَالُهُ فِي صِغَرِهِ حَالَ الْكُهَّانِ يَصْدُقُ مَرَّةً وَيَكْذِبُ مِرَارًا، ثُمَّ أَسْلَمَ لَمَّا كَبُرَ وَظَهَرَتْ مِنْهُ عَلَامَاتٌ مِنَ الْحَجِّ وَالْجِهَادِ مَعَ الْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ ظَهَرَتْ مِنْهُ أَحْوَالٌ، وَسُمِعَتْ مِنْهُ أَقْوَالٌ تُشْعِرُ بِأَنَّهُ الدَّجَّالُ. وَقِيلَ: إِنَّهُ تَابَ وَمَاتَ بِالْمَدِينَةِ. وَقِيلَ: بَلْ فُقِدَ يَوْمَ الْحَرَّةِ. وَقَالَ ابْنُ الْمَلَكِ - رَحِمَهُ اللَّهُ: اخْتَلَفُوا فِي حَالِ ابْنِ الصَّيَّادِ، فَقِيلَ: هُوَ الدَّجَّالُ، وَمَا يُقَالُ: إِنَّهُ مَاتَ بِالْمَدِينَةِ لَمْ يَثْبُتْ، إِذْ قَدْ رُوِيَ أَنَّهُ فُقِدَ يَوْمَ الْحَرَّةِ، وَأَمَّا أَنَّهُ لَمْ يُولَدْ لِلدَّجَّالِ، وَأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْبَلَدَيْنِ، وَأَنَّهُ يَكُونُ كَافِرًا، فَذَلِكَ فِي زَمَانِ خُرُوجِهِ، وَقِيلَ: لَيْسَ هُوَ الدَّجَّالُ، وَنُقِلَ أَنَّ جَابِرًا حَلَفَ بِاللَّهِ أَنَّ ابْنَ صَيَّادٍ هُوَ الدَّجَّالُ، وَأَنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَحْلِفُ ذَلِكَ عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يُنْكِرْهُ، وَالظَّاهِرُ مِنْ قِصَّةِ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ لَيْسَ هُوَ الدَّجَّالُ، نَعَمْ كَانَ أَمْرُ ابْنِ الصَّيَّادِ ابْتِلَاءً مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لِعِبَادِهِ، فَوَقَى اللَّهُ تَعَالَى الْمُسْلِمِينَ مِنْ شَرِّهِ. أَقُولُ: وَلَا يُنَافِيهِ قِصَّةُ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ إِذْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَبْدَانٌ مُخْتَلِفَةٌ، فَظَاهِرُهُ فِي عَالَمِ الْحِسِّ وَالْخَيَالِ دَائِرٌ مَعَ اخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ، وَبَاطِنُهُ فِي عَالَمِ الْمِثَالِ مُقَيَّدٌ بِالسَّلَاسِلِ وَالْأَغْلَالِ، وَلَعَلَّ الْمَانِعَ مِنْ ظُهُورِهِ كَمَالَهُ فِي الْفِتْنَةِ وُجُودُ سَلَاسِلِ النُّبُوَّةِ وَأَغْلَالِ الرِّسَالَةِ، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
٥٤٩٤ - (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -) : أُفْرِدَ الضَّمِيرُ لِكَوْنِهِ هُوَ الْأَصْلَ الْمَرْوِيَّ عَنْهُ وَذِكْرُ ابْنِهِ تَبَعًا لَهُ، وَفِي نُسْخَةٍ: عَنْهُمَا، وَهُوَ مُوهِمٌ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ الْخِطَابُ، وَهُوَ عُدُولٌ عَنِ الصَّوَابِ، (انْطَلَقَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) أَيْ: ذَهَبَ عُمَرُ مَعَهُ (فِي رَهْطٍ) : وَهُوَ مَا دُونَ الْعَشَرَةِ مِنَ الرِّجَالِ، وَالْمَعْنَى فِي جُمْلَةِ جَمْعٍ (مِنْ أَصْحَابِهِ قِبَلَ ابْنِ صَيَّادٍ) : بِكَسْرِ قَافٍ وَفَتْحِ مُوَحَّدَةٍ أَيْ: جَانِبَهُ (حَتَّى وَجَدُوهُ) : قِيلَ: حَتَّى هُنَا حَرْفُ ابْتِدَاءٍ يُسْتَأْنَفُ بَعْدَهُ الْكَلَامُ، وَيُفِيدُ انْتِهَاءَ الْغَايَةِ، وَقَوْلُهُ: (يَلْعَبُ مَعَ الصِّبْيَانِ) حَالٌ مِنْ مَفْعُولِ وَجَدُوهُ (وَفِي أُطُمِ بَنِي مَغَالَةَ) : بِفَتْحِ الْمِيمِ وَيُضَمُّ وَالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَنُقِلَ بِالضَّمِّ وَالْمُهْمَلَةِ، وَهُوَ قَبِيلَةٌ، وَالْأُطُمُ بِضَمَّتَيْنِ الْقَصْرُ، وَكُلُّ حِصْنٍ مَبْنِيٍّ بِحِجَارَةٍ، وَكُلُّ بَيْتٍ مُرَبَّعٍ مُسَطَّحٍ، الْجَمْعُ آطَامٌ وَأُطُومٌ، كَذَا فِي الْقَامُوسِ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: الْمَشْهُورُ مَغَالَةَ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَتَخْفِيفِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ. (وَقَدْ قَارَبَ ابْنُ صَيَّادٍ يَوْمَئِذٍ الْحُلُمَ) : بِضَمَّتَيْنِ وَيُسَكَّنُ اللَّامُ أَيِ: الْبُلُوغَ بِالِاحْتِلَامِ وَغَيْرِهِ (فَلَمْ يَشْعُرْ) : بِضَمِّ الْعَيْنِ، وَفِيهِ إِشْعَارٌ بِأَنَّهُمْ جَاءُوهُ عَلَى غَفْلَةٍ مِنْهُ أَيْ: لَمْ يَتَفَطَّنْ بِمَأْتَانَا، (حَتَّى ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ظَهْرَهُ) أَيْ: ظَهْرَ ابْنِ صَيَّادٍ (بِيَدِهِ) أَيِ: الْكَرِيمَةِ، (ثُمَّ قَالَ) أَيِ: النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (" أَتَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ؟ "، فَنَظَرَ إِلَيْهِ) أَيْ: إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَظَرَ غَضَبٍ أَوْ غَفْلَةٍ ; وَلِذَا لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَيْهِ نَضْرَةٌ لَهُ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ} [الأعراف: ١٩٨] ، (فَقَالَ أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ الْأُمِّيِّينَ) . قَالَ الْقَاضِي - رَحِمَهُ اللَّهُ: يُرِيدُ بِهِمُ الْعَرَبَ ; لِأَنَّ أَكْثَرَهُمْ كَانُوا لَا يَكْتُبُونَ وَلَا يَقْرَءُونَ، وَمَا ذَكَرَهُ وَإِنْ كَانَ حَقًّا مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute