(قَالَ) أَيِ: النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (إِنَّهُ) أَيِ: الشَّأْنُ (سَيَكُونُ مِنْ ذَلِكَ) أَيْ: بَعْضُ مَا ذُكِرَ مِنْ تَمَامِ الدِّينِ وَنُقْصَانِ الْكُفْرِ، وَأَغْرَبَ شَارِحٌ حَيْثُ قَالَ: مِنْ ذَلِكَ أَيْ: مِنْ عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ، (مَا شَاءَ اللَّهُ) أَيْ: مُدَّةَ مَشِيئَتِهِ، وَبَيَّنَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: (ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ رِيحًا طَيِّبَةً) أَيْ: يُشَمُّ مِنْهَا رَائِحَةُ الْوِصَالِ (فَتُوَفَّى) : بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ: فَقُبِضَ (كُلُّ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ) ، وَفِي نُسْخَةٍ بِصِيغَةِ الْفَاعِلِ عَلَى أَنَّهُ حُذِفَ مِنْهُ إِحْدَى التَّاءَيْنِ أَيْ: تَتَوَفَّى عَلَى إِسْنَادِ التَّوَفِّي إِلَى الرِّيحِ مَجَازًا، فَيَكُونُ كُلُّ مَنْصُوبًا عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ، وَالْمَعْنَى: تُمِيتُ كُلَّ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ (مِثْقَالُ حَبَّةٍ) أَيْ: مِقْدَارُ خَرْدَلٍ، فَقَوْلُهُ: (مِنْ خَرْدَلٍ) : بَيَانٌ لِحَبَّةٍ، وَقَوْلُهُ: (مِنْ إِيمَانٍ) : بَيَانٌ لِمِثْقَالٍ، وَالْمُرَادُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ فِي قَلْبِهِ مِنَ الْعَقَائِدِ الدِّينِيَّةِ أَقَلُّ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ مِنَ التَّصْدِيقِ الْقَلْبِيِّ وَالْيَقِينِ بِالْأُمُورِ الْإِجْمَالِيَّةِ، فَلَيْسَ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى تَصَوُّرِ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ فِي نَفْسِ الْإِيمَانِ وَحَقِيقَةِ الْإِيقَانِ، كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى أَهْلِ الْعِرْفَانِ، (فَيَبْقَى مَنْ لَا خَيْرَ فِيهِ) أَيْ: لَا إِسْلَامَ وَلَا إِيمَانَ، وَلَا قُرْآنَ وَلَا حَجَّ، وَلَا سَائِرَ الْأَرْكَانِ، وَلَا عُلَمَاءَ الْأَعْيَانِ، (فَيَرْجِعُونَ إِلَى دِينِ آبَائِهِمْ) أَيِ: الْأَوَّلِينَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ الْجَاهِلِينَ الضَّالِّينَ الْمُضِلِّينَ، فَرُوعِيَ لَفْظُ مَنْ فِي ضَمِيرِ فِيهِ، وَمَعْنَاهُ فِي قَوْلِهِ: فَيَرْجِعُونَ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ} [البقرة: ٨] هَذَا، وَقَالَ الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ: قَوْلُهُ: تَامًّا هُوَ بِالرَّفْعِ فِي الْحُمَيْدِيِّ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ إِنَّ، وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَشَرْحِ النَّسَائِيِّ بِالنَّصْبِ، فَعَلَى هَذَا هُوَ إِمَّا حَالٌ، وَالْعَامِلُ اسْمُ الْإِشَارَةِ، وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ، أَوْ خَبَرٌ لِكَانَ الْمُقَدَّرِ أَيْ: ظَنَنْتُ مِنْ مَفْهُومِ الْآيَةِ أَنَّ مِلَّةَ الْإِسْلَامِ ظَاهِرَةٌ عَلَى الْأَدْيَانِ كُلِّهَا غَالِبَةٌ عَلَيْهَا غَيْرُ مَغْلُوبَةٍ، فَكَيْفَ يُعْبَدُ اللَّاتُ وَالْعُزَّى؟ وَجَوَابُهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَوْلِهِ: فَتُوَفَّى كُلُّ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ، نَظِيرُ قَوْلِهِ: «إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ الْعِبَادِ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ، حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤَسَاءَ جُهَّالًا» الْحَدِيثَ. (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute