للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

بِالدَّالِ وَالذَّالِ أَيْ فَصَّلْتَ أَعْضَاءَهُ وَقَطَّعْتَهَا. قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ - رَحِمَهُ اللَّهُ: وَقِيلَ يُقَطِّعُ الْكَلَالِيبُ لَحْمَهُ عَلَى الصِّرَاطِ وَيُخْرِجُ أَعْضَاءَهُ، (ثُمَّ يَنْجُو) أَيْ: مِنَ الْمَوْقِعِ فِي النَّارِ، فَالْكَافِرُ يُوبَقُ، وَالْفَاسِقُ يُخَرْدَلُ ثُمَّ يَتَخَلَّصُ، (حَتَّى إِذَا أَفْرَغَ اللَّهُ مِنَ الْقَضَاءِ) أَيْ: مِنَ الْحُكْمِ (بَيْنَ عِبَادِهِ) بِمَا يَسْتَحِقُّهُ كُلٌّ مِنْ جَزَاءِ عَمَلِهِ (وَأَرَادَ أَنْ يُخْرِجَ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُخْرِجَهُ مِمَّنْ كَانَ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ أَمَرَ الْمَلَائِكَةَ أَنْ يُخْرِجُوا مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ) أَيْ: يُوَحِّدُهُ أَوْ يَعْرِفُهُ بِالْوَحْدَانِيَّةِ، أَوْ يَعْبُدُهُ عَلَى نَعْتِ التَّوْحِيدِ، (فَيُخْرِجُونَهُمْ، وَيَعْرِفُونَهُمْ بِآثَارِ السُّجُودِ) ، قَالَ تَعَالَى: {سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ} [الفتح: ٢٩] ، (وَحَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى النَّارِ) أَيْ: مَنَعَهَا (أَنْ تَأْكُلَ أَثَرَ السُّجُودِ) أَيْ: مِنْ وُجُوهِهِمْ أَوْ جِبَاهِهِمْ.

قَالَ النَّوَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ: ظَاهِرُ هَذَا أَنَّ النَّارَ لَا تَأْكُلُ جَمِيعَ أَعْضَاءِ السُّجُودِ السَّبْعَةِ، وَهِيَ: الْجَبْهَةُ، وَالْيَدَانِ، وَالرُّكْبَتَانِ، وَالْقَدَمَانِ. وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ: الْمُرَادُ بِأَثَرِ السُّجُودِ الْجَبْهَةُ خَاصَّةً، وَالْمُخْتَارُ الْأَوَّلُ. قُلْتُ: وَيُؤَيِّدُ الثَّانِيَ مَا سَبَقَ مِنَ الْقُرْآنِ، وَمَا فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ: الْإِدَارَةُ الْوَجْهُ، وَهُوَ الْمُتَبَادِرُ مِمَّا تَقَدَّمَ، فَتُحَرَّمُ صُوَرُهُمْ عَلَى النَّارِ فَهُوَ الْمُعَوَّلُ، (فَكُلُّ ابْنِ آدَمَ) أَيْ: آثَارُ أَفْعَالِهِ مِنْ أَعْضَائِهِ (يَأْكُلُهُ النَّارُ إِلَّا أَثَرَ السُّجُودِ) : وَهَذَا تَأْكِيدٌ لِمَا قَبْلَهُ (فَيَخْرُجُونَ مِنَ النَّارِ قَدِ امْتَحَشُوا) أَيِ: احْتَرَقُوا وَقَدْ سَبَقَ، (فَيُصَبُّ عَلَيْهِمْ مَاءُ الْحَيَاةِ) ، وَقَدْ مَرَّ أَنَّهُمْ يُلْقَوْنَ فِي نَهْرِ الْحَيَاةِ، وَلَعَلَّ الِاخْتِلَافَ بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ، (فَيَنْبُتُونَ كَمَا تَنْبُتُ الْحِبَّةُ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ) أَيْ: مَحْمُولِهِ، (وَيَبْقَى رَجُلٌ بَيْنَ الْجِنَّةِ وَالنَّارِ وَهُوَ آخِرُ أَهْلِ النَّارِ دُخُولًا) : بِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولُ الدُّخُولِ (مُقْبِلٌ) : خَبَرٌ آخَرُ، أَوْ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ آخَرَ هُوَ مُقَدَّرٌ، أَيْ: مُتَوَجِّهٌ (بِوَجْهِهِ قِبَلَ النَّارِ) : بِكَسْرِ الْقَافِ وَفَتْحِ الْبَاءِ، أَيْ: إِلَى جِهَتِهَا (فَيَقُولُ يَا رَبِّ اصْرِفْ وَجْهِي عَنِ النَّارِ) أَيْ: رُدَّهُ عَنْهَا (وَقَدْ قَشَبَنِي) : بِفَتْحِ الْقَافِ وَالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ أَيْ: آذَانِي وَأَهْلَكَنِي (رِيحُهَا) ، وَقِيلَ: سَمَّنِي وَأَهْلَكَنِي مِنَ الْقَشِيبِ، وَهُوَ السُّمُّ الْمُهْلِكُ، وَفِي الْمُقَدِّمَةِ: أَيْ مَلَأَ خَيَاشِيمِي، وَالْقَشَبُ: السُّمُّ، وَيُطْلَقُ عَلَى الْإِصَابَةِ بِكُلِّ مَكْرُوهٍ، وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ: مَعْنَاهُ غَيَّرَ جِلْدِي وَصُورَتِي، (وَأَحْرَقَنِي ذَكَاؤُهَا) : بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَالْمَدِّ، وَفِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ ذَكَاهَا بِالْقَصْرِ. قَالَ النَّوَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ: هُوَ بِالْمَدِّ وَفَتْحِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ، كَذَا وَقَعَ فِي جَمِيعِ رِوَايَاتِ الْحَدِيثِ، أَيْ: لَهَبُهَا وَاشْتِعَالُهَا وَشِدَّةُ وَهَجِهَا، وَالْأَشْهَرُ فِي اللُّغَةِ مَقْصُورَةٌ، وَقِيلَ: إِنَّ الْقَصْرَ وَالْمَدَّ لُغَتَانِ، (فَيَقُولُ) أَيِ: الرَّبُّ (هَلْ عَسَيْتَ) أَيْ: يُتَوَقَّعُ مِنْكَ (إِنْ أَفْعَلْ ذَلِكَ) أَيْ: بِكَ، وَالْإِشَارَةُ إِلَى صَرْفِ الْوَجْهِ، وَالْجُمْلَةُ الشَّرْطِيَّةُ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ اسْمِ عَسَى وَخَبَرِهَا وَهُوَ قَوْلُهُ: (أَنْ تَسْأَلَ غَيْرَ ذَلِكَ) ؟ وَالْمَعْنَى: هَلْ يُتَوَقَّعُ مِنْكَ بَعْدَ حُصُولِ ذَلِكَ سُؤَالُ غَيْرِهِ؟ .

قَالَ الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ: فَإِنْ قُلْتَ: كَيْفَ يَصِحُّ هَذَا مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَهُوَ عَالِمٌ بِمَا كَانَ وَمَا يَكُونُ؟ قُلْتُ: مَعْنَاهُ أَنَّكُمْ يَا بَنِي آدَمَ لِمَا عُهِدَ مِنْكُمْ مِنْ رَخَاوَةِ الْوَعْدِ وَنَقْصِ الْعَهْدِ أَحِقَّاءُ بِأَنْ يُقَالَ لَكُمْ: يَا هَؤُلَاءِ مَا تَرَوْنَ هَلْ يُتَوَقَّعُ مِنْكُمْ ذَلِكَ أَمْ لَا؟ وَحَاصِلُهُ أَنَّ مَعْنَى عَسَى رَاجِعٌ إِلَى الْمُخَاطَبِ لَا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَهُوَ مِنْ بَابِ إِرْخَاءِ الْعِنَانِ، وَبَعْثِ الْمُخَاطَبِ عَلَى التَّفَكُّرِ فِي أَمْرِهِ وَشَأْنِهِ ; لِيُنْصِفَ مِنْ نَفْسِهِ وَيُذْعِنَ لِلْحَقِّ، (فَيَقُولُ: لَا) أَيْ: لَا أَسْأَلُكَ غَيْرَ ذَلِكَ (وَعِزَّتِكَ) لَا أَسْأَلُ غَيْرَ ذَلِكَ (فَيُعْطِي) أَيِ: الرَّجُلُ (اللَّهَ مَا شَاءَ) : مَفْعُولٌ ثَانٍ لِيُعْطِي أَيْ مَا قَدَّرَهُ وَقَضَاهُ، أَوْ مَا أَرَادَهُ (مِنْ عَهْدٍ وَمِيثَاقٍ) أَيْ: قَسَمٍ يُوَثَّقُ الْعَهْدُ بِهِ وَيُؤَكَّدُ (فَيَصْرِفُ اللَّهُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ، فَإِذَا أَقْبَلَ) : بِصِيغَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>