الْفَاعِلِ، وَفِي نُسْخَةٍ عَلَى بِنَاءِ الْمَفْعُولِ (بِهِ) أَيْ بِوَجْهِهِ (عَلَى الْجَنَّةِ رَأَى بَهْجَتَهَا) أَيْ: حُسْنَهَا (وَكَثْرَةَ خَيْرِهَا سَكَتَ) ، كَذَا فِي الْأُصُولِ بِلَا عَاطِفٍ فِي الْفِعْلَيْنِ هُنَا، وَالظَّاهِرُ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا جَوَابَ إِذَا، وَالْآخِرَةُ عَطْفٌ عَلَى الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ، وَلَعَلَّ تَوْجِيهَهُ أَنَّ قَوْلَهُ: رَأَى بَهْجَتَهَا جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يُجَوِّزُهُ، وَلَفْظُ الْمَشَارِقِ: فَإِذَا أَقْبَلَ عَلَى الْجَنَّةِ وَرَآهَا سَكَتَ (مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَسْكُتَ) أَيْ: سُكُوتَهُ (ثُمَّ قَالَ: يَا رَبِّ قَدِّمْنِي عِنْدَ بَابِ الْجَنَّةِ) أَيْ: إِلَى بَابِهَا كَمَا سَيَأْتِي، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الظَّرْفُ حَالًا مُقَدَّرَةً (فَيَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: أَلَيْسَ) أَيِ: الشَّأْنُ (قَدْ أَعْطَيْتَ الْعُهُودَ وَالْمِيثَاقَ أَنْ لَا تَسْأَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنْتَ سَأَلْتَ. فَيَقُولُ: يَا رَبِّ لَا أَكُونُ أَشْقَى خَلْقِكَ) أَيْ: لَا تَجْعَلْنِي أَشْقَاهُمْ، وَالْمُرَادُ بِالشَّقَاوَةِ هُنَا الْحِرْمَانُ أَيْ لَا أَكُونُ مَحْرُومًا (فَيَقُولُ) أَيِ: الرَّبُّ (فَمَا عَسَيْتَ) : مَا اسْتِفْهَامِيَّةٌ أَيْ: فَهَلْ عَسَيْتَ (إِنْ أُعْطِيتَ ذَلِكَ) : بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (أَنْ تَسْأَلَ غَيْرَهُ) أَيْ: غَيْرَ ذَلِكَ (فَيَقُولُ: لَا وَعِزَّتِكَ لَا أَسْأَلُكَ غَيْرَ ذَلِكَ) : تَأْكِيدٌ وَبَيَانٌ لِقَوْلِهِ: لَا قَبْلَ ذَلِكَ، وَفِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ لَا أَسْأَلُ غَيْرَ ذَلِكَ، (فَيُعْطِي) أَيِ: الرَّجُلُ (رَبَّهُ مَا شَاءَ مِنْ عَهْدٍ وَمِيثَاقٍ، فَيُقَدِّمُهُ) أَيِ: اللَّهُ (إِلَى بَابِ الْجَنَّةِ، فَإِذَا بَلَغَ بَابَهَا فَرَأَى زَهْرَتَهَا) : بِفَتْحِ الزَّايِ أَيْ: طِيبَ عَيْشِ مَنْ فِيهَا، وَالزَّهْرَةُ الْبَيَاضُ، وَزَهْرَةُ الدُّنْيَا نَضَارَتُهَا (وَمَا فِيهَا مِنَ النَّضْرَةِ) أَيِ: الْحُسْنِ وَالرَّوْنَقِ (وَالسُّرُورِ) أَيِ: الْفَرَحِ بِمَا فِيهِ مِنَ الدُّرِّ وَالْقُصُورِ، وَكَثْرَةِ الْحُورِ وَالتَّنَعُّمِ بِالْحُبُورِ (فَسَكَتَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَسْكُتَ) : بِالْفَاءِ هَاهُنَا عَلَى مَا فِي جَمِيعِ نُسَخِ الْمِشْكَاةِ.
قَالَ الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ: قَوْلُهُ فَسَكَتَ كَذَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَأَكْثَرِ نُسَخِ الْمَصَابِيحِ، فَعَلَى هَذَا جَوَابُ إِذَا مَحْذُوفٌ، وَالْمَعْنَى إِذَا رَأَى مَا رَأَى تَحَيَّرَ فَسَكَتَ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا} [الزمر: ٧٣] انْتَهَى. وَقِيلَ: الْوَاوُ زَائِدَةٌ وَتُسَمَّى وَاوَ الثَّمَانِيَةِ نَحْوَ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ} [الكهف: ٢٢] ، وَقَالَ أَبُو الْبَقَاءِ - رَحِمَهُ اللَّهُ: الْوَاوُ زَائِدَةٌ عِنْدَ قَوْمٍ ; لِأَنَّ الْكَلَامَ جَوَابُ حَتَّى إِذَا، وَلَيْسَتْ زَائِدَةً عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ، وَالْجَوَابُ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ اطْمَأَنُّوا نَحْوَ ذَلِكَ. (فَيَقُولُ: يَا رَبِّ أَدْخِلْنِي الْجَنَّةَ، فَيَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: وَيْلَكَ يَا ابْنَ آدَمَ) : قَالَ شَارِحٌ: وَيْلَكَ مَنْصُوبٌ عَلَى الْمَصْدَرِ لَا غَيْرُ إِنْ أُضِيفَ، وَإِنْ لَمْ يُضَفْ يُرْفَعُ عَلَى الِابْتِدَاءِ، وَيُنْصَبُ بِإِضْمَارِ الْفِعْلِ، مِثْلَ: وَيْلٌ لِزَيْدٍ، وَوَيْلًا لِزَيْدٍ، أَيْ أَهْلَكَ اللَّهُ إِهْلَاكًا أَوْ هَلَكْتَ هَلَاكًا (مَا أَغْدَرَكَ) : بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَمَا فِيهِ لِلتَّعَجُّبِ، أَيْ: يَسْتَحِقُّ أَنْ يُتَعَجَّبَ مِنْكَ بِكَثْرَةِ غَدْرِكَ فِي عُهُودِكَ بِأَنْ لَا تَسْأَلَ غَيْرَهُ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَا لِلِاسْتِفْهَامِ وَالْهَمْزَةُ لِلصَّيْرُورَةِ، أَيْ: أَيُّ شَيْءٍ صَيَّرَكَ غَادِرًا فِي عُهُودِكَ؟ وَفِي نُسْخَةٍ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ: أَيُّ شَيْءٍ جَعَلَكَ فِي هَذَا السُّؤَالِ مَعْذُورًا؟ (أَلَيْسَ قَدْ أَعْطَيْتَ الْعُهُودَ وَالْمِيثَاقَ أَنْ لَا تَسْأَلَ غَيْرَ الَّذِي أُعْطِيتَ) : بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (فَيَقُولُ: يَا رَبِّ لَا تَجْعَلْنِي أَشْقَى خَلْقِكَ) .
قَالَ الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ: فَإِنْ قُلْتَ: كَيْفَ طَابَقَ هَذَا الْجَوَابُ قَوْلَهُ: أَلَيْسَ قَدْ أَعْطَيْتَ الْعُهُودَ وَالْمِيثَاقَ؟ قُلْتُ: كَأَنَّهُ قَالَ: يَا رَبِّ بَلَى أَعْطَيْتُ الْعُهُودَ وَالْمِيثَاقَ، وَلَكِنْ تَأَمَّلْتُ فِي كَرَمِكَ وَعَفْوِكَ وَرَحْمَتِكَ، وَقَوْلِكَ: {وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} [يوسف: ٨٧] فَوَقَفْتُ عَلَى أَنِّي لَسْتُ مِنَ الْكُفَّارِ الَّذِينَ أَيِسُوا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute