فَيَقُولُ اللَّهُ: يَا ابْنَ آدَمَ لَعَلِّي إِنْ أَعْطَيْتُكَهَا) أَيْ: مَسْأَلَتَكَ أَوْ أُمْنِيَّتَكَ (سَأَلْتَنِي غَيْرَهَا) : هُوَ جَوَابُ الشَّرْطِ، وَهُوَ دَالٌّ عَلَى خَبَرِ لَعَلَّ، (فَقَوْلُ: لَا يَا رَبِّ، وَيُعَاهِدُهُ أَنْ لَا يَسْأَلَهُ غَيْرَهَا، وَرَبُّهُ يَعْذُرُهُ) : بِفَتْحِ الْيَاءِ وَيُضَمُّ، أَيْ: يَجْعَلُهُ مَعْذُورًا. وَفِي النِّهَايَةِ: وَقَدْ يَكُونُ أَعْذَرَ بِمَعْنَى جَعَلَهُ مَوْضِعَ الْعُذْرِ، وَفِي (الْمَشَارِقِ) : عَذَرْتُهُ وَأَعْذَرْتُهُ أَيْ: قَبِلْتُ عُذْرَهُ، وَفِي (الْمِصْبَاحِ) عَذَرْتُهُ فِيمَا صَنَعَ عُذْرًا، مِنْ بَابِ ضَرَبَ، رَفَعْتُ عَنْهُ اللَّوْمَ فَهُوَ مَعْذُورٌ، وَأَعْذَرْتُهُ بِالْأَلِفِ لُغَةٌ، وَاعْتَذَرَ أَيْ: طَلَبَ قَبُولَ مَعْذِرَتِهِ، وَاعْتَذَرَ عَنْ فِعْلِهِ أَظْهَرَ عُذْرَهُ، (لِأَنَّهُ) أَيِ: الْعَبْدُ (يَرَى مَا لَا صَبْرَ لَهُ عَلَيْهِ) ، كَذَا فِي الْأُصُولِ فِي الْمَرَّتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ، وَكَذَا فِي الثَّالِثَةِ فِي بَعْضِ الْأُصُولِ، وَفِي أَكْثَرِهَا عَلَيْهَا بِتَأْوِيلِ مَا بِنِعْمَةٍ، وَعَلَى بِمَعْنَى عَنْ، كَذَا فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ لِلنَّوَوِيِّ، وَقَرَّرَهُ السُّيُوطِيُّ فِي حَاشِيَةٍ عَلَى مُسْلِمٍ، (فَيُدْنِيهِ مِنْهَا) أَيْ: فَيُقَرِّبُهُ مِنَ الشَّجَرَةِ (فَيَسْتَظِلُّ بِظِلِّهَا، وَيَشْرَبُ مِنْ مَائِهَا، ثُمَّ تُرْفَعُ لَهُ شَجَرَةٌ) أَيْ: أُخْرَى، هِيَ (أَحْسَنُ مِنَ الْأُولَى) ; لِأَنَّهُ أَرَادَ لَهُ التَّرَقِّيَ مِنَ الْأَدْنَى إِلَى الْأَعْلَى، (فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ! أَدْنِنِي مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ لِأَشْرَبَ مِنْ مَائِهَا، وَأَسْتَظِلَّ بِظِلِّهَا) : الْوَاوُ لِمُطْلَقِ الْجَمْعِ ; لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الِاسْتِرَاحَةَ بِظِلِّهَا قَبْلَ الشُّرْبِ مِنْ مَائِهَا، (لَا أَسْأَلُكَ غَيْرَهَا) : قَالَ الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ: هُوَ حَالٌ تَنَازَعَ فِيهِ أَسْتَظِلُّ وَأَشْرَبُ (فَيَقُولُ: يَا ابْنَ آدَمَ! أَلَمْ تُعَاهِدْنِي أَنْ لَا تَسْأَلَنِي غَيْرَهَا؟ فَيَقُولُ) أَيِ: الرَّبُّ (لَعَلِّي إِنْ أَدْنَيْتُكَ مِنْهَا تَسْأَلُنِي) : بِالرَّفْعِ أَيْ: تَطْلُبُ مِنِّي (غَيْرَهَا؟ فَيُعَاهِدُهُ أَنْ لَا يَسْأَلَهُ غَيْرَهَا، وَرَبُّهُ يَعْذُرُهُ ; لِأَنَّهُ يَرَى مَا لَا صَبْرَ لَهُ عَلَيْهِ، فَيُدْنِيهِ مِنْهَا فَيَسْتَظِلُّ بِظِلِّهَا، وَيَشْرَبُ مِنْ مَائِهَا، ثُمَّ تُرْفَعُ لَهُ شَجَرَةٌ) أَيْ: ثَالِثَةٌ (عِنْدَ بَابِ الْجَنَّةِ هِيَ أَحْسَنُ مِنَ الْأُولَيَيْنِ، فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ! أَدْنِنِي مِنْ هَذِهِ فَلِأَسْتَظِلَّ بِظِلِّهَا، وَأَشْرَبَ مِنْ مَائِهَا، لَا أَسْأَلُكَ غَيْرَهَا، فَيَقُولُ: يَا ابْنَ آدَمَ! أَلَمْ تُعَاهِدْنِي أَنْ لَا تَسْأَلَنِي غَيْرَهَا؟ قَالَ: بَلَى يَا رَبِّ هَذِهِ) : مَنْصُوبُ الْمَحَلِّ بِفِعْلٍ يُفَسِّرُهُ مَا بَعْدَهُ، أَيْ: هَذِهِ أَسْأَلُكَ (لَا أَسْأَلُكَ غَيْرَهَا) : حَالٌ أَوِ اسْتِئْنَافٌ (وَرَبُّهُ يَعْذُرُهُ ; لِأَنَّهُ يَرَى مَا لَا صَبْرَ لَهُ عَلَيْهِ) ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ (عَلَيْهَا) ، وَقَدْ سَبَقَ الْكَلَامُ عَلَيْهِمَا، (فَيُدْنِيهِ مِنْهَا، فَإِذَا أَدْنَاهُ مِنْهَا سَمِعَ أَصْوَاتَ أَهْلِ الْجَنَّةِ) أَيْ: فِي مُصَاحَبَتِهِمْ مَعَ أَزْوَاجِهِمْ، وَمُجَاوَزَتِهِمْ مَعَ أَصْحَابِهِمْ ; فَأَرَادَ الِاسْتِئْنَاسَ بِهِمْ، أَوْ فِي غِنَائِهِمْ ; فَأَرَادَ التَّقَرُّبَ لِيَتَلَذَّذَ بِأَنْغَامِهِمْ، (فَيَقُولُ: يَا رَبِّ! أَدْخِلْنِيهَا، فَيَقُولُ: يَا ابْنَ آدَمَ! مَا يَصْرِينِي) ؟ : بِفَتْحِ الْيَاءِ وَسُكُونِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ.
قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: وَفِي رِوَايَةٍ مَا يَصْرِيكَ مِنْ، أَيْ: مَا يَقْطَعُ مَسْأَلَتَكَ وَيَمْنَعُكَ مِنْ سُؤَالِي؟ يُقَالُ: صَرَيْتُ الشَّيْءَ إِذَا قَطَعْتُهُ، وَصَرَيْتُ الْمَاءَ جَمَعْتُهُ وَحَبَسْتُهُ انْتَهَى. وَالْمَعْنَى: قَدْ كَرَّرْتَ سُؤَالَكَ مَعَ مُعَاهَدَتِكَ أَنْ لَا تَسْأَلَ، فَمَاذَا يَقْطَعُ سُؤَالَكَ عَنِّي وَيُرْضِيكَ؟ قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ: صَرَى عَنْهُ شَرَّهُ أَيْ دَفَعَ، وَصَرَيْتُهُ مَنَعْتُهُ، وَصَرَيْتُ مَا بَيْنَهُمْ صَرْيًا أَيْ: فَصَلْتُ، يُقَالُ: اخْتَصَمْنَا إِلَى الْحَاكِمِ فَصَرَى مَا بَيْنَنَا أَيْ: قَطَعَ مَا بَيْنَنَا وَفَصَلَ، وَحَسُنَ أَنْ يُقَالَ: مَا يَفْصِلُ بَيْنِي وَبَيْنَكَ، أَيْ: مَا الَّذِي يُرْضِيكَ حَتَّى تَتْرُكَ مُنَاشَدَتَكَ؟ وَالْمَعْنَى أَنِّي أَجَبْتُكَ إِلَى مَسْأَلَتِكَ كَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى، وَأَخَذْتُ مِيثَاقَكَ أَنْ لَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute