للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٥٥٩٦ - «وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: قِيلَ لَهُ: مَا الْمَقَامُ الْمَحْمُودُ؟ قَالَ: " ذَلِكَ يَوْمَ يَنْزِلُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى كُرْسِيِّهِ فَيَئِطُّ كَمَا يَئِطُّ الرَّحْلُ الْجَدِيدُ بِرَاكِبِهِ مِنْ تَضَايُقِهِ بِهِ، هُوَ كَسَعَةِ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، وَيُجَاءُ بِكُمْ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا، فَيَكُونُ أَوَّلُ مَنْ يُكْسَى إِبْرَاهِيمُ، يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: اكْسُوا خَلِيلِي ; فَيُؤْتَى بِرَيْطَتَيْنِ بَيْضَاوَيْنِ مِنْ رِيَاطِ الْجَنَّةِ، ثُمَّ أُكْسَى عَلَى أَثَرِهِ، ثُمَّ أَقُومُ عَنْ يَمِينِ اللَّهِ مَقَامًا يَغْبِطُنِي الْأَوَّلُونَ وَالْآخِرُونَ» ". رَوَاهُ الدَّارِمِيُّ.

ــ

٥٥٩٦ - (وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: قِيلَ لَهُ مَا الْمَقَامُ الْمَحْمُودُ) ؟ أَيِ: الَّذِي وُعِدْتَهُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} [الإسراء: ٧٩] (قَالَ: ذَلِكَ يَوْمٌ) بِالرَّفْعِ وَالتَّنْوِينِ عَلَى الرِّوَايَةِ الصَّحِيحَةِ، عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ جَمْعٌ مِنْ عُلَمَائِنَا، وَيَجُوزُ فَتْحُهُ، وَهُوَ خَبَرُ ذَلِكَ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ، أَمَّا عَلَى الثَّانِي فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا عَلَى الْأَوَّلِ فَتَقْدِيرُهُ: ذَلِكَ الَّذِي أَبْلُغُ فِيهِ الْمَقَامَ الْمَحْمُودَ (يَوْمٌ يَنْزِلُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى كُرْسِيِّهِ) : يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ كِنَايَةً عَنْ حُكْمِهِ بِالْعَدْلِ فِي يَوْمِ الْفَصْلِ قَبْلَ إِظْهَارِ الْفَضْلِ الْمُتَوَقِّفِ عَلَى شَفَاعَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِشْعَارًا لِمَزِيدِ فَضْلِهِ عَلَى خَلْقِهِ، فَكَمَا أَنَّهُ لَوْلَاهُ أَوَّلًا لَمَا خُلِقَ الْأَفْلَاكُ وَلَا وُجِدَ الْأَمْلَاكُ، فَكَذَا لَوْلَاهُ آخِرًا لَوَقَعَ الْأَنَامُ فِي الْهَلَاكِ، فَهُوَ الْأَوَّلُ وَهُوَ الْآخِرُ، وَالْبَاطِنُ وَالظَّاهِرُ، وَهُوَ مُظْهِرُ الْكُلِّ الْمُعَبَّرِ عَنْهُ بِأَنَّهُ مُظْهِرُ الْجَامِعِ الْمُسَمَّى بِاللَّهِ، وَقِيلَ: هَذَا طَرِيقَةُ الِاسْتِعَارَةِ التَّمْثِيلِيَّةِ، كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ الْقَاضِي بِقَوْلِهِ: مَثَّلَ التَّجَلِّي لِعِبَادِهِ بِنَعْتِ الْعَظَمَةِ وَالْكِبْرِيَاءِ، وَالْإِقْبَالِ عَلَيْهِمْ لِلْعَدْلِ وَالْقَضَاءِ، وَإِدْنَاءِ الْمُقَرَّبِينَ مِنْهُمْ عَلَى حَسَبِ مَرَاتِبِهِمْ، وَكَشْفِ الْحِجَابِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ بِنُزُولِ السُّلْطَانِ مِنْ غُرَفِ الْقَصْرِ إِلَى صَدْرِ الدَّارِ، وَجُلُوسِهِ عَلَى كُرْسِيِّ الْمُلْكِ لِلْحُكُومَةِ وَالْفَصْلِ، وَإِقَامَةِ خَوَاصِّهِ وَأَهْلِ كَرَامَتِهِ حَوَالَيْهِ قُدَّامًا وَوَرَاءً، وَيَمِينًا وَشِمَالًا عَلَى تَفَاوُتِ مَرَاتِبِهِمْ لَدَيْهِ، وَقِيلَ: مَعْنَى نُزُولِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى كُرْسِيِّهِ ظُهُورُ مَمْلَكَتِهِ وَحُكْمِهِ مَحْسُوسًا، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ التَّجَلِّي لَهُ بِنَعْتِ الْعَظَمَةِ وَالْإِقْبَالُ بِوَصْفِ الْكِبْرِيَاءِ فِي الْيَوْمِ الْمَوْعُودِ، حَتَّى يَتَضَايَقَ مِنِ احْتِمَالِ مَا قَدْ غَشِيَهُ مِنْ ذَلِكَ، وَهَذَا لَمْ يَبْعُدْ عَنِ الْحَقِّ ; لِمَا فِي كَشْفِ الْحِجَابِ مِنْ مَعْنَى النُّزُولِ عَنْ مَعَارِجِ الْجَلَالِ إِلَى مَدَارِجِ الْجَمَالِ، (فَيَئِطُّ) : بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَتَشْدِيدِ الطَّاءِ، أَيْ: يُصَوِّتُ الْكُرْسِيُّ (كَمَا يَئِطُّ الرَّحْلُ) : أَيِ الْإِكَافُ (الْجَدِيدُ بِرَاكِبِهِ) أَيْ: بِسَبَبِ رُكُوبِ رَاكِبِهِ إِذَا كَانَ عَظِيمًا. قَالَ الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ: وَهُوَ مُبَالَغَةٌ وَتَصْوِيرٌ لِعَظَمَةِ التَّجَلِّي عَلَى طَرِيقِ التَّرْشِيحِ، (مِنْ تَضَايُقِهِ بِهِ) : مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: فَيَئِطُّ، أَيْ: مِنْ عَدَمِ اتِّسَاعِ الْكُرْسِيِّ بِاللَّهِ تَعَالَى، كَذَا قَالَهُ شَارِحٌ. وَقِيلَ: أَيْ مِنْ تَضَايُقِ الْكُرْسِيِّ بِمَلَائِكَةِ اللَّهِ، وَهَذَا تَمْثِيلٌ عَنْ كَثْرَةِ الْمَلَائِكَةِ الْحَافِّينَ حَوْلَ عَرْشِهِ، (وَهُوَ كَسَعَةِ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ) : بِفَتْحِ سِينِ كَسَعَةٍ وَيُكْسَرُ، وَفِي نُسْخَةٍ يَسَعُهُ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، فَفِي الْقَامُوسِ: وَسِعَهُ الشَّيْءُ بِالْكَسْرِ يَسَعُهُ كَيَضَعُهُ سَعَةً كَدَعَةٍ وِدِيَةٍ. وَفِي الْمُغْرِبِ يُقَالُ: وَسِعَ الشَّيْءُ الْمَكَانَ، وَمَعْنَاهُ وَسِعَهُ الْمَكَانُ، وَذَلِكَ إِذَا لَمْ يَضِقْ عَنْهُ وَالْجُمْلَةُ حَالٌ، وَالضَّمِيرُ رَاجِعٌ إِلَى الْكُرْسِيِّ، أَيْ: وَالْحَالُ أَنَّ الْكُرْسِيَّ يَسَعُ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، إِشَارَةً إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} [البقرة: ٢٥٥] لَكِنْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ «أَنَّ الْأَرْضَ بِجَنْبِ السَّمَاءِ كَحَلْقَةٍ فِي فَلَاةٍ، وَكَذَا كُلُّ سَمَاءٍ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا فَوْقَهَا، وَالسَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرَضِينَ عِنْدَ الْكُرْسِيِّ كَحَلْقَةٍ فِي فَلَاةٍ، وَكَذَا هُوَ فِي جَنْبِ الْعَرْشِ» .

<<  <  ج: ص:  >  >>