٥٦٠٦ - «وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَرِدُ النَّاسُ النَّارَ، ثُمَّ يَصْدُرُونَ مِنْهُ بِأَعْمَالِهِمْ، فَأَوَّلُهُمْ كَلَمْحِ الْبَرْقِ، ثُمَّ كَالرِّيحِ، ثُمَّ كَحُضْرِ الْفَرَسِ، ثُمَّ كَالرَّاكِبِ فِي رَحْلِهِ، ثُمَّ كَشَدِّ الرَّجُلِ، ثُمَّ كَمَشْيِهِ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَالدَّارِمِيُّ.
ــ
٥٦٠٦ - (وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَرِدُ النَّاسُ النَّارَ) : يَرِدُ عَلَى وَزْنِ يَعِدُ مُضَارِعٌ مِنَ الْوُرُودِ بِمَعْنَى الْحُضُورِ، يُقَالُ: وَرَدْتُ مَاءَ كَذَا أَيْ حَضَرْتُهُ، وَإِنَّمَا سَمَّاهُ وُرُودًا لِأَنَّ الْمَارَّةَ عَلَى الصِّرَاطِ يُشَاهِدُونَ النَّارَ وَيَحْضُرُونَهَا ; وَعَلَى هَذَا يُئَوَّلُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} [مريم: ٧١] وَفِيهِ إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّهُمْ حِينَئِذٍ فِي الْعَطَشِ الشَّدِيدِ، وَإِنَّمَا مَرُّوا عَلَى الصِّرَاطِ لِلْوُصُولِ إِلَى الْحَوْضِ الْمَوْرُودِ. قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ: الْوُرُودُ لُغَةً قَصْدُ الْمَاءِ، ثُمَّ يُسْتَعْمَلُ فِي غَيْرِهِ، وَالْمُرَادُ مِنْهُ هَاهُنَا الْجَوَازُ عَلَى جِسْرِ جَهَنَّمَ. (ثُمَّ يَصْدُرُونَ مِنْهَا) : بِضَمِّ الدَّالِ أَيْ يَنْصَرِفُونَ عَنْهَا ; فَإِنَّ الصَّدْرَ إِذَا عُدِّيَ بِمِنِ اقْتَضَى الِانْصِرَافَ، وَهَذَا عَلَى الِاتِّسَاعِ وَمَعْنَاهُ النَّجَاةُ ; إِذْ لَيْسَ هُنَاكَ انْصِرَافٌ، وَإِنَّمَا هُوَ الْمُرُورُ عَلَيْهَا، فَوُضِعَ الصَّدْرُ مَوْضِعَ النَّجَاةِ ; لِلْمُنَاسَبَةِ الَّتِي بَيْنَ الصُّدُورِ وَالْوُرُودِ.
قَالَ الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ: ثُمَّ فِي ثُمَّ يَصْدُرُونَ مِثْلُهَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا} [مريم: ٧٢] فِي أَنَّهَا لِلتَّرَاخِي فِي الرُّتْبَةِ لَا الزَّمَانِ، بَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى التَّفَاوُتَ بَيْنَ وُرُودِ النَّاسِ النَّارَ، وَبَيْنَ نَجَاةِ الْمُتَّقِينَ مِنْهَا، فَكَذَلِكَ بَيَّنَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - التَّفَاوُتَ بَيْنَ وُرُودِ النَّاسِ النَّارَ، وَبَيْنَ صُدُورِهِمْ مِنْهَا، عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالصُّدُورِ الِانْصِرَافُ انْتَهَى. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْخَلْقَ بَعْدَ شُرُوعِهِمْ فِي الْوُرُودِ يَتَخَلَّصُونَ مِنْ خَوْفِ النَّارِ، وَمُشَاهَدَةِ رُؤْيَتِهَا، وَمُلَاصَقَةِ لَهَبِهَا وَدُخَانِهَا، وَتَعَلُّقِ شَوْكِهَا، وَأَمْثَالُهَا عَلَى مَرَاتِبَ شَتَّى فِي سُرْعَةِ الْمُجَاوَزَةِ وَإِبْطَائِهَا، (بِأَعْمَالِهِمْ) أَيْ: بِحَسَبِ مَرَاتِبِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute