للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الْكُبْرَى، وَالْمَرْتَبَةِ الْعَظِيمَةِ الْمُسَمَّاةِ بِالْمَقَامِ الْمَحْمُودِ الْمَخْصُوصِ لِصَاحِبِ اللِّوَاءِ الْمَمْدُودِ (اذْهَبُوا إِلَى ابْنِي إِبْرَاهِيمَ خَلِيلِ اللَّهِ) أَيْ: فَإِنَّهُ مِنْ أَفْضَلِ الرُّسُلِ، وَجَدُّ خَاتَمِ الْأَنْبِيَاءِ، فَتَقَرَّبُوا إِلَيْهِ وَاعْرِضُوا أَمْرَكُمْ عَلَيْهِ (قَالَ: " فَيَقُولُ إِبْرَاهِيمُ: لَسْتُ بِصَاحِبِ ذَلِكَ) أَيِ: الْمَقَامِ الْمَوْعُودِ وَالْمَرَامِ الْمَشْهُودِ (إِنَّمَا كُنْتُ خَلِيلًا مِنْ وَرَاءَ وَرَاءَ) : بِالْفَتْحِ فِيهِمَا عَلَى مَا فِي الْأُصُولِ الْمُعْتَمَدَةِ، وَالنُّسَخِ الْمَقْرُوءَةِ الْمُصَحَّحَةِ. قَالَ النَّوَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ: الْمَشْهُورُ الْفَتْحُ فِيهِمَا بِلَا تَنْوِينٍ، وَيَجُوزُ فِي الْعَرَبِيَّةِ بِنَاؤُهَا عَلَى الضَّمِّ. قَالَ أَبُو الْبَقَاءِ: الصَّوَابُ الضَّمُّ فِيهِمَا ; لِأَنَّ تَقْدِيرَهُ مِنْ وَرَاءِ ذَلِكَ، قَالَ: وَإِنْ صَحَّ الْفَتْحُ قَبْلُ، وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: الْفَتْحُ أَصَحُّ، وَتَكُونُ الْكَلِمَةُ مُرَكَّبَةً كَشَذَرَ مَذَرَ، وَشَعَرَ بَغَرَ، فَبِنَاؤُهُمَا عَلَى الْفَتْحِ، وَإِنْ وَرَدَ مَنْصُوبًا مُنَوَّنًا جَازَ ذَلِكَ. (اعْمِدُوا) : بِكَسْرِ الْمِيمِ أَيِ: اقْصِدُوا (إِلَى مُوسَى الَّذِي كَلَّمَهُ اللَّهُ تَكْلِيمًا) أَيْ: بِلَا وَاسِطَةِ كِتَابٍ وَمِنْ غَيْرِ وَرَاءِ حِجَابٍ. قَالَ صَاحِبُ التَّحْرِيرِ: وَهَذَا وَارِدٌ عَلَى سَبِيلِ التَّوَاضُعِ، أَيْ: لَسْتُ بِصَدَدِ تِلْكَ الدَّرَجَةِ الرَّفِيعَةِ، وَمَعْنَاهُ أَنَّ الْمَكَارِمَ الَّتِي أُعْطِيتُهَا كَانَتْ بِوَاسِطَةِ سِفَارَةِ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَلَكِنِ ائْتُوا مُوسَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَإِنَّهُ حَصَلَ لَهُ الْكَلَامُ بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ. قَالَ: وَإِنَّمَا كُرِّرَ لِأَنَّ نَبِيَّنَا - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَصَلَ لَهُ السَّمَاعُ بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ، وَحَصَلَ لَهُ الرُّؤْيَةُ أَيْضًا، فَكَأَنَّهُ قَالَ: أَنَا وَرَاءَ مُوسَى الَّذِي هُوَ وَرَاءَ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

(فَيَأْتُونَ مُوسَى فَيَقُولُ: لَسْتُ بِصَاحِبِ ذَلِكَ، اذْهَبُوا إِلَى عِيسَى كَلِمَةِ اللَّهِ وَرُوحِهِ) : بِالْجَرِّ عَلَى الْبَدَلِيَّةِ، وَيَجُوزُ رَفْعُهُمَا وَنَصْبُهُمَا عَلَى الْمَدْحِ (فَيَقُولُ عِيسَى: لَسْتُ بِصَاحِبِ ذَلِكَ) ; وَحِينَئِذٍ يَنْحَصِرُ الْأَمْرُ فِي نَبِيِّنَا خَاتَمِ الرُّسُلِ وَمُقَدَّمِ الْكُلِّ، (فَيَأْتُونَ مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) فِيهِ وَضْعُ الظَّاهِرِ مَوْضِعَ ضَمِيرِ الْمُتَكَلِّمِ عَلَى سَبِيلِ الِالْتِفَاتِ، أَوْ عَلَى طَرِيقِ التَّجْرِيدِ، (فَيَقُومُ) أَيْ: عَنْ يَمِينِ عَرْشِ الرَّحْمَنِ، وَيَسْتَأْذِنُ بِالشَّفَاعَةِ فِي نَوْعِ الْإِنْسَانِ ; لِإِزَالَةِ كَرْبِ الْمَوْقِفِ وَعُمُومِ الْأَحْزَانِ (فَيُؤْذَنُ لَهُ) أَيْ: فَيَسْجُدُ، عَلَى مَا سَبَقَ، (وَتُرْسَلُ الْأَمَانَةُ وَالرَّحِمُ) أَيْ: مُصَوَّرَتَيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ، (فَتَقُومَانِ) : بِالتَّأْنِيثِ عَلَى تَغْلِيبِ الْأَمَانَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَبِالتَّذْكِيرِ عَلَى تَغْلِيبِ الرَّحِمِ الْمُذَكَّرِ، أَيْ: فَيَقِفَانِ، أَوْ فَيَحْضُرَانِ (جَنَبَتَيِ الصِّرَاطِ) : بِالْفَتَحَاتِ أَيْ: طَرَفَيْهِ (يَمِينًا وَشِمَالًا) : كَالْبَيَانِ لِمَا قَبْلَهُ، وَنَصْبُهُمَا عَلَى الْبَدَلِيَّةِ أَوِ الظَّرْفِيَّةِ، (فَيَمُرُّ أَوَّلُكُمْ) : الْتِفَاتٌ مِنَ الْغَيْبَةِ الْعَامَّةِ إِلَى الْخِطَابِ لِلْخَاصَّةِ (كَالْبَرْقِ) أَيْ: فِي سُرْعَةِ السَّيْرِ.

(قَالَ) أَيْ: أَبُو هُرَيْرَةَ (قُلْتُ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي) : الْبَاءُ لِلتَّعْدِيَةِ، أَيْ: أَفْدِيكَ بِهِمَا (أَيُّ شَيْءٍ) : اسْتِفْهَامٌ (كَمَرِّ الْبَرْقِ) ؟ أَيْ: أَيُّ شَيْءٍ شَبِيهٌ بِالْبَرْقِ، وَالْمَعْنَى أَيُّ شَيْءٍ تُشَبِّهُهُ بِالْبَرْقِ. (قَالَ: أَلَمْ تَرَوْا إِلَى الْبَرْقِ كَيْفَ يَمُرُّ) أَيْ: سَرِيعًا (وَيَرْجِعُ فِي طَرْفَةِ عَيْنٍ) ، ذَكَرَهُ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِطْرَادِ، أَوْ عَلَى طَرِيقِ التَّتْمِيمِ لِلْمَعْنَى الْمُرَادِ، فَيَكُونُ الْجَوَابُ بِأَنَّهُ يُشْبِهُهُ فِي سُرْعَةِ السَّيْرِ، كَذَا حَرَّرَهُ الشُّرَّاحُ، وَعِنْدِي أَنَّ التَّشْبِيهَ مُرَكَّبٌ مِنْ سُرْعَةِ الْمُرُورِ، وَمِنْ ضِيَاءِ الظُّهُورِ ; لِيَكُونَ نُورًا عَلَى نُورٍ ; وَلِيَكُونَ إِشَارَةً إِلَى الْبَدَنِ وَالرُّوحِ، وَإِلَى الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ، وَإِلَى الْكَمِّيَّةِ وَالْكَيْفِيَّةِ، وَأَيْضًا الْمُرُورُ مَذْكُورٌ فِي كَلَامِ السَّائِلِ، وَلَا بُدَّ فِي الْجَوَابِ مِنْ أَمْرٍ زَائِدٍ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ، ثُمَّ الظَّاهِرُ أَيِ الْمُرَادُ بِهِمُ الْأَنْبِيَاءُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِهِمُ الْأَصْفِيَاءُ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَهُمْ أَرْبَابُ الْجَذَبَاتِ الْإِلَهِيَّةِ. (ثُمَّ كَمَرِّ الرِّيحِ، ثُمَّ كَمَرِّ الطَّيْرِ، وَشَدِّ الرِّجَالِ) أَيْ: جَرْيِهِمْ، وَالرِّجَالُ إِمَّا جَمْعُ رَجُلٍ، أَوْ جَمْعُ رَاجِلٍ. قَالَ الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ: قَوْلُهُ: أَيُّ شَيْءٍ كَمَرِّ الْبَرْقِ؟ أَيْ: مَا الَّذِي يُشْبِهُهُ مِنَ الْمَارِّينَ بِمَرِّ الْبَرْقِ، وَقَوْلُهُ: أَلَمْ تَرَوْا إِلَى الْبَرْقِ، بَيَانٌ لِمَا شَبَّهُوا بِهِ بِالْبَرْقِ، وَهُوَ سُرْعَةُ اللَّمَعَانِ، يَعْنِي سُرْعَةَ مُرُورِهِمْ عَلَى الصِّرَاطِ كَسُرْعَةِ لَمَعَانِ الْبَرْقِ، كَأَنَّهُ - أَيِ السَّائِلَ - اسْتَبْعَدَ أَنْ يَكُونَ فِي الْإِنْسَانِ مَا يُشْبِهُ الْبَرْقَ فِي السُّرْعَةِ ; فَسَأَلَ عَنْ أَمْرٍ آخَرَ هُوَ الْمُشَبَّهُ، فَأَجَابَ بِأَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مُسْتَبْعَدٍ، وَلَيْسَ بِمُسْتَنْكَرٍ أَنْ يَمْنَحَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ بِسَبَبِ أَعْمَالِهِمُ الْحَسَنَةِ، أَلَا

<<  <  ج: ص:  >  >>