تَرَى كَيْفَ أَسْنَدَ الْجَرَيَانَ إِلَى الْأَعْمَالِ فِي قَوْلِهِ: (تَجْرِي بِهِمْ أَعْمَالُهُمْ) أَيْ: تَجْرِي وَهِيَ مُلْتَبِسَةٌ بِهِمْ ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ} [هود: ٤٢] وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْبَاءُ لِلتَّعْدِيَةِ، أَيْ: تَجْعَلُهُمْ جَارِينَ (وَنَبِيُّكُمْ قَائِمٌ عَلَى الصِّرَاطِ يَقُولُ: يَا رَبِّ سَلِّمْ سَلِّمْ، حَتَّى تَعْجِزَ أَعْمَالُ الْعِبَادِ) : مُتَعَلِّقٌ بِتَجْرِي، وَالْجُمْلَةُ قَبْلَهُ مُعْتَرِضَةٌ بَيَانِيَّةٌ أَوْ حَالِيَّةٌ، وَالْمَعْنَى: تَجْرِي بِهِمْ أَعْمَالُهُمْ حَتَّى تَعْجِزَ أَعْمَالُهُمْ عَنِ الْجَرَيَانِ بِهِمْ، (حَتَّى يَجِيءَ الرَّجُلُ) : بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ حَتَّى تَعْجِزَ، وَتَوْضِيحٌ لَهُ (فَلَا يَسْتَطِيعُ) أَيِ: الرَّجُلُ ; لِضَعْفِ عَمَلِهِ ; وَتَقَاعُدِهِ عَنِ السَّبْقِ فِي الدُّنْيَا (السَّيْرَ) أَيِ: الْمُرُورَ عَلَى الصِّرَاطِ (إِلَّا زَحْفًا) أَيْ: حَبْوًا كَمَا تَقَدَّمَ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
(قَالَ) أَيِ: النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ أَبُو هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا (وَفِي حَافَتَيِ الصِّرَاطِ) : بِتَخْفِيفِ الْفَاءِ أَيْ جَانِبَيْهِ (كَلَالِيبُ) : جَمْعُ كُلَّابٍ (مُعَلَّقَةٌ مَأْمُورَةٌ، تَأْخُذُ) أَيْ: هِيَ (مَنْ أُمِرَتْ بِهِ) ، وَلَوْ رُوِيَ بِالْبَاءِ وَفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الْخَاءِ عَلَى الْمَصْدَرِ لَكَانَ لَهُ وَجْهٌ وَجِيهٌ، (فَمَخْدُوشٌ) أَيْ: فَمِنْهُمْ مَجْرُوحٌ (نَاجٍ) أَيْ: مِنَ الْوُقُوعِ فِي النَّارِ (وَمُكَرْدَسٌ فِي النَّارِ) : بِفَتْحِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَبِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ، وَقِيلَ: الْمُعْجَمَةُ، وَهُوَ الَّذِي جُمِعَتْ يَدَاهُ وَرِجْلَاهُ وَأُلْقِيَ فِي مَوْضِعٍ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ فِي السِّينِ الْمُهْمَلَةِ، ثُمَّ قَالَ وَالْمُكَرْدَشُ بِمَعْنَاهُ، وَفِي نُسْخَةٍ مَكْدُوسٌ بِالْمُهْمَلَةِ، أَيْ: مَدْفُوعٌ فِي النَّارِ، ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ، ثُمَّ قَالَ: وَيُرْوَى بِالْمُعْجَمَةِ مِنَ الْكَدْشِ وَهُوَ السَّوْقُ الشَّدِيدُ، وَالْكَدْشُ الطَّرْدُ، وَالْجَرْحُ أَيْضًا. وَفِي الْقَامُوسِ: كَدَسَهُ أَيْ صَرَعَهُ، وَبِالْمُعْجَمَةِ دَفَعَهُ دَفْعًا عَنِيفًا (وَالَّذِي نَفْسُ أَبِي هُرَيْرَةَ بِيَدِهِ) ، هَذَا يُؤَيِّدُ أَنَّ مَرْجِعَ ضَمِيرِ قَالَ إِلَيْهِ، ثُمَّ هَذَا الْقَسَمُ إِمَّا مَوْقُوفٌ عَلَيْهِ، أَوْ مَرْفُوعٌ إِلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (إِنَّ قَعْرَ جَهَنَّمَ لَسَبْعِينَ خَرِيفًا) ، قَالَ الدَّمَامِينِيُّ أَيْ أَنَّ مَسَافَةَ السَّيْرِ إِلَيْهِ لَسَبْعِينَ خَرِيفًا، وَقَالَ صَاحِبُ الْمُغْنِي: وَجْهُهُ أَنَّ الْقَعْرَ مَصْدَرُ قَعَرْتُ الْبِئْرَ إِذَا بَلَغْتُ قَعْرَهَا، وَسَبْعِينَ: ظَرْفُهُ، أَيْ أَنَّ بُلُوغَ قَعْرِهَا يَكُونُ فِي سَبْعِينَ عَامًا، وَفِي نُسْخَةٍ بِالْوَاوِ. قَالَ النَّوَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي بَعْضِ الْأُصُولِ: سَبْعُونَ بِالْوَاوِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَفِيهِ حَذْفٌ، أَيْ: مَسَافَةُ قَعْرِ جَهَنَّمَ مَسِيرَةُ سَبْعِينَ خَرِيفًا. وَفِي مُعْظَمِ الْأُصُولِ وَالرِّوَايَاتِ سَبْعِينَ بِالْيَاءِ، وَهُوَ صَحِيحٌ أَيْضًا عَلَى تَقْدِيرِ مَسِيرَةِ سَبْعِينَ، فَحَذْفُ الْمُضَافِ وَتَرْكُ الْمُضَافِ إِلَيْهِ عَلَى إِعْرَابِهِ، أَوْ يَكُونُ التَّقْدِيرُ أَنَّ بُلُوغَ قَعْرِ جَهَنَّمَ لَكَائِنٌ فِي سَبْعِينَ خَرِيفًا، وَسَبْعِينَ خَرِيفًا ظَرْفٌ لِمَحْذُوفٍ. (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute