للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

( «قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَهَلْ نَرَى رَبَّنَا» ) ؟ أَيْ: يَتَجَلَّى الذَّاتُ؟ (قَالَ: نَعَمْ، هَلْ تَتَمَارَوْنَ) : بِفَتْحِ الرَّاءِ، وَفِي نُسْخَةٍ بِحَذْفِ إِحْدَى التَّائَيْنِ أَيْ: هَلْ تَشُكُّونَ (فِي رُؤْيَةِ الشَّمْسِ) أَيْ: فِي رُؤْيَتِكُمُ الشَّمْسَ (وَالْقَمَرِ) أَيْ: وَفِي رُؤْيَةِ الْقَمَرِ (لَيْلَةَ الْبَدْرِ) ؟ وَاحْتُرِزَ عَنِ الْهِلَالِ وَعَنِ الْقَمَرِ فِي غَيْرِ لَيَالِي الْبُدُورِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ حِينَئِذٍ فِي نِهَايَةِ النُّورِ (قُلْنَا: لَا) أَيْ: لَا نَشُكُّ فِي رُؤْيَةِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ (قَالَ: ( «كَذَلِكَ لَا تَتَمَارَوْنَ فِي رُؤْيَةِ رَبِّكُمْ» ) : وَالتَّشْبِيهُ إِنَّمَا هُوَ فِي كَمَالِ الظُّهُورِ لَا فِي غَيْرِهِ مِنْ خَطِرَاتٍ تَخْتَلِجُ فِي الصُّدُورِ ( «وَلَا يَبْقَى فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ رَجُلٌ إِلَّا حَاضَرَهُ اللَّهُ مُحَاضَرَةً» ) : بِالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ مِنَ الْحُضُورِ وَقَدْ صُحِّفَ بِالْمُهْمَلَةِ. قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الْكَلِمَتَانِ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ، وَالْمُرَادُ مِنْ ذَلِكَ كَشْفُ الْحِجَابِ وَالْمُقَاوَلَةُ مَعَ الْعَبْدِ مِنْ غَيْرِ حِجَابٍ وَلَا تُرْجُمَانٍ، وَيُبَيِّنُهُ الْحَدِيثُ: ( «مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَيُكَلِّمُهُ رَبُّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تُرْجُمَانٌ» ) الْحَدِيثَ. وَالْمَعْنَى خَاطَبَهُ اللَّهُ مُخَاطَبَةً وَحَاوَرَهُ مُحَاوَرَةً. (حَتَّى يَقُولَ لِلرَّجُلِ مِنْهُمْ: يَا فُلَانَ) : بِالْفَتْحِ وَفِي نُسْخَةٍ بِالضَّمِّ (ابْنَ فُلَانٍ) بِنَصْبِ ابْنٍ وَصَرْفِ فُلَانٍ، وَهُمَا كِنَايَتَانِ عَنِ اسْمِهِ وَاسْمِ أَبِيهِ، وَرَوَى أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ مَرْفُوعًا: ( «إِنَّكُمْ تُدْعَوْنَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَسْمَائِكُمْ وَأَسْمَاءِ آبَائِكُمْ، فَأَحْسِنُوا أَسْمَاءَكُمْ» ) . ( «أَتَذْكُرُ يَوْمَ قَلْتَ كَذَا وَكَذَا؟» ) أَيْ: مِمَّا لَا يَجُوزُ فِي الشَّرْعِ، فَكَأَنَّهُ تَوَقَّفَ الرَّجُلُ فِيهِ وَيَتَأَمَّلُ فِيمَا ارْتَكَبَهُ مِنْ مَعَاصِيهِ (فَيُذَكِّرُهُ) بِتَشْدِيدِ الْكَافِ أَيْ: فَيُعْلِمُهُ اللَّهُ (بِبَعْضِ غَدَرَاتِهِ) بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ، جَمْعُ غَدْرَةٍ - بِالسُّكُونِ - بِمَعْنَى الْغَدْرِ، وَهُوَ تَرْكُ الْوَفَاءِ، وَالْمُرَادُ مَعَاصِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَفِ بِتَرْكِهَا الَّذِي عَهِدَ اللَّهُ إِلَيْهِ فِي الدُّنْيَا. (فَيَقُولُ: يَا رَبِّ! أَفَلَمْ تَغْفِرْ لِي) ؟ أَيْ: أَدْخَلْتَنِي الْجَنَّةَ فَلَمْ تَغْفِرْ لِي مَا صَدَرَ لِي مِنَ الْمَعْصِيَةِ. (فَيَقُولُ: بَلَى) ، أَيْ: غَفَرْتُ لَكَ (فَبِسَعَةِ مَغْفِرَتِي) بِفَتْحِ السِّينِ وَيُكْسَرُ (بَلَغْتَ) أَيْ: وَصَلْتَ (مَنْزِلَتَكَ هَذِهِ) قَالَ الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: عُطِفَ عَلَى مُقَدَّرٍ أَيْ: غَفَرْتُ لَكَ فَبَلَغْتَ بِسَعَةِ رَحْمَتِي هَذِهِ الْمَنْزِلَةَ الرَّفِيعَةَ، وَالتَّقْدِيمُ دَلَّ عَلَى التَّخْصِيصِ، أَيْ: بُلُوغُكَ تِلْكَ الْمَنْزِلَةَ كَائِنٌ بِسَعَةِ رَحْمَتِي لَا بِعَمَلِكَ. (فَبَيْنَا) وَفِي نُسْخَةٍ " فَبَيْنَمَا " (هُمْ) أَيْ: أَهْلُ الْجَنَّةِ (عَلَى ذَلِكَ) أَيْ: عَلَى مَا ذُكِرَ مِنَ الْمُحَاضَرَةِ وَالْمُحَاوَرَةِ (غَشِيَتْهُمْ) أَيْ: غَطَّتْهُمْ (سَحَابَةٌ مِنْ فَوْقِهِمْ، فَأَمْطَرَتْ عَلَيْهِمْ طِيبًا) أَيْ: عَظِيمًا ( «وَلَمْ يَجِدُوا مِثْلَ رِيحِهِ شَيْئًا قَطُّ، وَيَقُولُ رَبُّنَا: قُومُوا إِلَى مَا أَعْدَدْتُ لَكُمْ مِنَ الْكَرَامَةِ، فَخُذُوا مَا اشْتَهَيْتُمْ، فَنَأْتِي سُوقًا قَدْ حَفَّتْ» ) : بِتَشْدِيدِ الْفَاءِ أَيْ: أَحَاطَتْ (بِهِ الْمَلَائِكَةُ، فِي) كَذَا فِي بَعْضِ الْأُصُولِ الْمُعْتَمَدَةِ مَوْجُودَةٌ، وَالْمَعْنَى عَلَيْهِ أَيْ: فِي تِلْكَ السُّوقِ (مَا لَمْ تَنْظُرِ الْعُيُونُ) بِضَمِّ الْعَيْنِ وَيُكْسَرُ جَمْعُ الْعَيْنِ (إِلَى مِثْلِهِ) : وَهُوَ فِي نُسَخِ أَكْثَرِ الشُّرَّاحِ مَفْقُودٌ، فَقَالَ الْمُظْهِرُ: " مَا " مَوْصُولَةٌ وَالْمَوْصُولُ مَعَ صِلَتِهِ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَنْصُوبًا بَدَلًا مِنَ الضَّمِيرِ الْمَنْصُوبِ الْمُقَدَّرِ الْعَائِدِ إِلَى مَا فِي قَوْلِهِ: مَا أَعْدَدْتُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فِي مَحَلِّ الرَّفْعِ عَلَى أَنَّهَا خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَيِ: الْمُعَدُّ لَكُمْ، وَقَالَ شَارِحٌ: أَوْ هُوَ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ مَحْذُوفٌ أَيْ: فِيهَا أَقُولُ، وَهُوَ أَحَقُّ وَأَوْفَقُ. وَقَالَ الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الْوَجْهُ أَنْ يَكُونَ " مَا " مَوْصُوفَةً بَدَلًا مِنْ سُوقًا. (وَلَمْ تَسْمَعِ الْآذَانُ) بِمَدِّ الْهَمْزَةِ وَجَمْعِ الْآذَانِ أَيْ: وَمَا لَمْ تَسْمَعْهُ بِمِثْلِهِ (وَلَمْ يَخْطُرْ) : بِضَمِّ الطَّاءِ أَيْ: وَمَا لَمْ يَمُرَّ مِثْلُهُ (عَلَى الْقُلُوبِ) وَهَذَا هُوَ مَعْنَى الْحَدِيثِ الْقُدْسِيِّ الْمَشْهُورِ ( «أَعْدَدْتُ لِعِبَادِيَ الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ» ) عَلَى مَا رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ أَيْضًا كَمَا سَبَقَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>