(فَيُحْمَلُ لَنَا) أَيْ: إِلَى قُصُورِنَا (مَا اشْتَهَيْنَا) أَيْ: فِي تِلْكَ السُّوقِ مِنْ أَنْوَاعِ الْمَرْزُوقِ (لَيْسَ يُبَاعُ فِيهَا وَلَا يُشْتَرَى) الْجُمْلَةُ حَالٌ مِنْ " مَا " فِي " مَا اشْتَهَيْنَا "، وَهُوَ الْمَحْمُولُ، وَالضَّمِيرُ فِي يُبَاعُ عَائِدٌ إِلَيْهِ (وَفِي ذَلِكَ السُّوقِ) : هُوَ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ فَأَنَّثَهُ تَارَةً وَذَكَّرَهُ أُخْرَى، وَالتَّأْنِيثُ أَكْثَرُ وَأَشْهَرُ وَأَكْثَرُ أَيْ: وَفِي تِلْكَ السُّوقِ (يَلْقَى) أَيْ: يَرَى (أَهْلُ الْجَنَّةِ بَعْضُهُمْ بَعْضًا قَالَ) أَيِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ أَبُو هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا حَقِيقَةً أَوْ مَوْقُوفًا فِي حُكْمِ الْمَرْفُوعِ (فَيُقْبِلُ) مِنَ الْإِقْبَالِ أَيْ: فَيَجِيءُ وَيَتَوَجَّهُ ( «الرَّجُلُ ذُو الْمَنْزِلَةِ الْمُرْتَفِعَةِ، فَيَلْقَى مَنْ هُوَ دُونَهُ» ) أَيْ: فِي الرُّتْبَةِ وَالْمَنْزِلَةِ (- وَمَا فِيهِمْ مِنْ دَنِيءٍ -) زِيدَ " مِنْ " لِلْمُبَالَغَةِ فِي نَفْيِ الِاسْتِغْرَاقِ، وَهُوَ فِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ بِدُونٍ " مِنْ " كَمَا فِي صَدْرِ الْحَدِيثِ (فَيَرُوعُهُ) بِضَمِّ الرَّاءِ أَيْ: يُعْجِبُ الرَّجُلَ (مَا يَرَى) أَيْ يُبْصِرُهُ (عَلَيْهِ) أَيْ: عَلَى مَنْ دُونَهُ (مِنَ النَّاسِ) : بَيَانُ " مَا "، كَذَا ذَكَرَهُ شَارِحٌ، وَالظَّاهِرُ عَكْسُ مَرْجِعِ الضَّمِيرَيْنِ.
قَالَ الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الضَّمِيرُ الْمَجْرُورُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى " مَنْ "، فَيَكُونُ الرَّوْعُ مَجَازًا عَنِ الْكَرَاهَةِ مِمَّا هُوَ عَلَيْهِ مِنَ اللِّبَاسِ، وَأَنْ يَرْجِعَ إِلَى الرَّجُلِ ذِي الْمَنْزِلَةِ، فَالرَّوْعُ بِمَعْنَى الْإِعْجَابِ أَيْ: يُعْجِبُهُ حُسْنُهُ فَيَدْخُلُ فِي رَوْعِهِ مَا يَتَمَنَّى مِثْلَ ذَلِكَ لِنَفْسِهِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: (فَمَا يَنْقَضِي آخِرُ حَدِيثِهِ) أَيْ: مَا أُلْقِيَ فِي رُوعِهِ مِنَ الْحَدِيثِ، وَضَمِيرُ الْمَفْعُولِ فِيهِ عَائِدٌ إِلَى " مِنْ ". قَالَ شَارِحٌ أَيْ: حَدِيثُ مَنْ هُوَ دُونَهُ مَعَ الرَّجُلِ الرَّفِيعِ الْمَنْزِلَةِ. قُلْتُ: وَيَجُوزُ قَلْبُ الْكَلَامِ أَيْضًا (حَتَّى يَتَخَيَّلَ عَلَيْهِ) بِصِيغَةِ الْفَاعِلِ، وَفِي نُسْخَةٍ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ أَيْ: حَتَّى يُتَصَوَّرَ لَهُ أَنَّ عَلَيْهِ (مَا هُوَ أَحْسَنُ مِنْهُ) وَالْمَعْنَى: يَظْهَرُ عَلَيْهِ أَنَّ لِبَاسَهُ أَحْسَنُ مِنْ لِبَاسِ صَاحِبِهِ (وَذَلِكَ) أَيْ سَبَبُ مَا ذُكِرَ مِنَ التَّخَيُّلِ (لِأَنَّهُ) أَيِ الشَّأْنُ (لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَحْزَنَ) بِفَتْحِ الزَّايِ أَيْ: يَغْتَمَّ (فِيهَا) أَيْ: فِي الْجَنَّةِ، فَحَزِنَ هُنَا لَازِمٌ مِنْ حَزِنَ بِالْكَسْرِ لَا مِنْ بَابِ نَصَرَ، فَإِنَّهُ مُتَعَدٍّ غَيْرُ مُلَائِمٍ لِلْمَقَامِ (ثُمَّ نَنْصَرِفُ) أَيْ: نَرْجِعُ وَنَعُودُ (إِلَى مَنَازِلِنَا، فَيَتَلَقَّانَا) مِنَ التَّلَقِّي أَيْ: يَسْتَقْبِلُنَا وَفِي نُسْخَةٍ فَيَلْقَانَا مِنَ اللُّقِيِّ أَيْ: فَيَرَانَا (أَزْوَاجُنَا) أَيْ: مِنْ نِسَاءِ الدُّنْيَا وَمِنَ الْحُورِ الْعِينِ ( «فَيَقُلْنَ: مَرْحَبًا وَأَهْلًا، لَقَدْ جِئْتَ وَإِنَّ بِكَ مِنَ الْجَمَالِ أَفْضَلَ مِمَّا فَارَقْتَنَا عَلَيْهِ، فَيَقُولُ: إِنَّا جَالَسْنَا الْيَوْمَ رَبَّنَا الْجَبَّارَ، وَيَحِقُّنَا» ) بِكَسْرِ الْحَاءِ وَتَشْدِيدِ الْقَافِ، وَفِي نُسْخَةٍ بِضَمِّ الْحَاءِ، فَفِي الْمِصْبَاحِ: حَقَّ الشَّيْءُ كَضَرَبَ وَنَصَرَ - إِذَا ثَبَتَ، وَفِي الْقَامُوسِ: حَقَّ الشَّيْءُ: وَجَبَ وَوَقَعَ بِلَا شَكٍّ، وَحَقَّهُ أَوْجَبَهُ، لَازَمٌ وَمُتَعَدٍّ، فَالْمَعْنَى: يُوجِبُنَا وَيَلْزَمُنَا. وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مِنْ بَابِ الْحَذْفِ وَالْإِيصَالِ أَيْ: يَحِقُّ لَنَا وَيَلِيقُ بِنَا (أَنْ نَنْقَلِبَ بِمِثْلِ مَا انْقَلَبْنَا) أَيْ: مِنَ الِانْقِلَابِ، وَهُوَ الِانْصِرَافُ عَلَى وَجْهِ الْكَمَالِ لِأَثَرِ مُجَالَسَةِ ذِي الْجَلَالِ وَالْجَمَالِ، وَمُشَاهَدَتِهِ الْمُنَزَّهَةِ عَنِ الْحُلُولِ وَالِاتِّحَادِ وَالِاتِّصَالِ وَالِانْفِصَالِ. (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute