٥٦٥٣ - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَتَحَدَّثُ - وَعِنْدَهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ -: «إِنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ اسْتَأْذَنَ رَبَّهُ فِي الزَّرْعِ. فَقَالَ لَهُ: أَلَسْتَ فِيمَا شِئْتَ؟ قَالَ: بَلَى، وَلَكِنْ أُحِبُّ أَنْ أَزْرَعَ، فَبَذَرَ، فَبَادَرَ الطَّرْفَ نَبَاتُهُ وَاسْتِوَاؤُهُ وَاسْتِحْصَادُهُ، فَكَانَ أَمْثَالَ الْجِبَالِ. فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: دُونَكَ يَا ابْنَ آدَمَ، فَإِنَّهُ لَا يُشْبِعُكَ شَيْءٌ ". فَقَالَ الْأَعْرَابِيُّ: وَاللَّهِ لَا تَجِدُهُ إِلَّا قُرَشِيًّا أَوْ أَنْصَارِيًّا، فَإِنَّهُمْ أَصْحَابُ زَرْعٍ! وَأَمَّا نَحْنُ فَلَسْنَا بِأَصْحَابِ زَرْعٍ، فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
ــ
٥٦٥٣ - (وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَتَحَدَّثُ وَعِنْدَهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ: إِنَّ رَجُلًا) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ عَلَى الْحِكَايَةِ، فَهِيَ مِنْ جُمْلَةِ مَا يَتَحَدَّثُ بِهِ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بِفَتْحِهَا عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولُ يَتَحَدَّثُ، وَالْجُمْلَةُ بَيْنَهُمَا حَالِيَّةٌ مُعْتَرِضَةٌ، وَقَالَ الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هُوَ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ مَفْعُولُ يَتَحَدَّثُ عَلَى حِكَايَةِ مَا يَلْفِظُ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ رَجُلًا (مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ اسْتَأْذَنَ رَبَّهُ فِي الزَّرْعِ) أَيْ: بِنَاءً عَلَى مَا تَعَوَّدَهُ بِهِ فِي الدُّنْيَا، أَوْ لِتَنَزُّهِهِ بِهِ فِي الْعُقْبَى (فَقَالَ) أَيْ رَبُّهُ، وَفِي نُسْخَةٍ فَيُقَالُ لَهُ: ( «أَلَسْتَ فِيمَا شِئْتَ؟» ) أَيْ مِنَ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَسَائِرِ أَنْوَاعِ التَّنَعُّمِ (قَالَ: بَلَى، وَلَكِنْ أُحِبُّ أَنْ أَزْرَعَ، فَبَذَرَ) الْفَاءُ فَصِيحَةٌ أَيْ: فَأُذِنَ لَهُ فِيهِ فَبَذَرَ أَيْ رَمَى الْبَذْرَ فِي أَرْضِ الْجَنَّةِ (فَبَادَرَ الطَّرْفَ) - بِسُكُونِ الرَّاءِ - تَحْرِيكُ الْجُفُونِ فِي النَّظَرِ أَيْ فَسَابَقَهُ (نَبَاتُهُ) وَالْمَعْنَى: فَحَصَلَ نَبَاتُهُ فِي الْحَالِ، وَكَذَا قَوْلُهُ (وَاسْتِوَاؤُهُ وَاسْتِحْصَادُهُ) أَيْ مِنْ غَيْرِ مُؤْنَةٍ لِلْحَصَادِ مِنْ جَانِبِ الْعِبَادِ، فَكَانَ أَمْثَالَ الْجِبَالِ (فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى) أَيْ حِينَئِذٍ (دُونَكَ يَا ابْنَ آدَمَ) أَيْ خُذْ مَا تَمَنَّيْتَهُ قَالَهُ، فِي سَبِيلِ التَّوْبِيخِ تَهْجِينًا لِمَا الْتَمَسَهُ، وَمِنْ ثَمَّ رُتِّبَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ: (فَإِنَّهُ لَا يُشْبِعُكَ شَيْءٌ) أَيْ كَثِيرٌ حَتَّى فِي الْجَنَّةِ، وَقَدْ يُوجَدُ فِي تَعَارُفِ النَّاسِ مِثْلُ هَذَا التَّوْبِيخِ مِنَ الْقَوَاعِدِ الْمُقَرَّرَةِ أَنَّ كُلَّ إِنَاءٍ يَرْشَحُ بِمَا فِيهِ، وَأَنَّ النَّاسَ يَمُوتُونَ كَمَا يَعِيشُونَ، وَيُحْشُرُونَ كَمَا يَمُوتُونَ، أَظْهَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَذَا الْمَعْنَى فِي لِبَاسِ هَذَا الْمَبْنَى. ( «فَقَالَ الْأَعْرَابِيُّ: وَاللَّهِ لَا نَجِدُهُ» ) أَيْ هَذَا الرَّجُلُ (إِلَّا قُرَشِيًّا) أَيْ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ (أَوْ أَنْصَارِيًّا) أَيْ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، فَـ " أَوْ " لِلتَّنْوِيعِ (فَإِنَّهُمْ) أَيْ مَجْمُوعُ الْقَبِيلَتَيْنِ (أَصْحَابُ زَرْعٍ) أَيْ فِي الْجُمْلَةِ، وَإِنْ كَانَ الْأَنْصَارُ أَكْثَرَ زَرْعًا (فَأَمَّا) بِالْفَاءِ، وَفِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ: وَأَمَّا (نَحْنُ) أَيْ مَعَاشِرَ أَهْلِ الْبَادِيَةِ (فَلَسْنَا بِأَصْحَابِ الزَّرْعِ) أَيْ فَلَا نَشْتَهِي مِثْلَ ذَلِكَ (فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَيْ مِنْ فَطَانَةِ الْبَدَوِيِّ، أَوْ مِنْ مَسْأَلَةِ الْخَبْتِيِّ وَجَوَابِهِ الْبَدِيعِيِّ (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute