للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

بَابُ رُؤْيَةِ اللَّهِ تَعَالَى

الْفَصْلُ الْأَوَّلُ

٥٦٥٥ - عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ عِيَانًا» ". وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ: «كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَنَظَرَ إِلَى الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ فَقَالَ: " إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ هَذَا الْقَمَرَ لَا تُضَامُونَ فِي رُؤْيَتِهِ، فَإِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ لَا تُغْلَبُوا عَلَى صَلَاةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا فَافْعَلُوا " ثُمَّ قَرَأَ: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا} [طه: ١٣٠] » . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

ــ

[٦]- بَابُ رُؤْيَةِ اللَّهِ تَعَالَى

مِنْ بَابِ إِضَافَةِ الْمَصْدَرِ إِلَى مَفْعُولِهِ.

الْفَصْلُ الْأَوَّلُ

٥٦٥٥ - (عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ) أَيِ الْبَجَلِيِّ (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّكُمْ) أَيْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ (سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ) أَيْ سَتُبْصِرُونَهُ فَقَوْلُهُ: (عِيَانًا) بِالْكَسْرِ مَصْدَرٌ مُؤَكِّدٌ أَوْ حَالٌ مُؤَكِّدَةٌ إِمَّا مِنَ الْفَاعِلِ أَوِ الْمَفْعُولِ، أَيْ مُعَايِنِينَ - بِكَسْرِ الْيَاءِ، أَوْ مُعَايَنًا - بِفَتْحِ الْيَاءِ، وَالْمُعَايَنَةُ رَفْعُ الْحِجَابِ بَيْنَ الرَّائِي وَالْمَرْئِيِّ، فَفِي الْقَامُوسِ: لَقِيَهُ عِيَانًا أَيْ مُعَايَنَةٌ لَمْ يَشُكَّ فِي رُؤْيَتِهِ إِيَّاهُ. وَقَالَ الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: عِيَانًا أَيْ جَهَارًا، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْعَيْنِ الْمَحْسُوسَةِ بِالْعَيْنِ الظَّاهِرَةِ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: اعْلَمْ أَنَّ مَذْهَبَ أَهْلِ السُّنَّةِ قَاطِبَةً أَنَّ رُؤْيَةَ اللَّهِ تَعَالَى مُمْكِنَةٌ غَيْرُ مُسْتَحِيلَةٍ عَقْلًا، وَأَجْمَعُوا أَيْضًا عَلَى وُقُوعِهَا فِي الْآخِرَةِ أَيْ نَقْلًا وَأَنَّ الْمُؤْمِنِينَ يَرَوْنَ اللَّهَ تَعَالَى دُونَ الْكَافِرِينَ، وَزَعَمَتْ طَوَائِفُ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ الْمُعْتَزِلَةِ وَالْخَوَارِجِ وَبَعْضِ الْمُرْجِئَةِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَرَاهُ أَحَدٌ مِنْ خَلْقِهِ، وَأَنَّ رُؤْيَتَهُ مُسْتَحِيلَةٌ عَقْلًا، وَهَذَا الَّذِي قَالُوهُ خَطَأٌ صَرِيحٌ وَجَهْلٌ قَبِيحٌ، وَقَدْ تَظَاهَرَتْ أَدِلَّةُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ، فَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ سَلَفِ الْأُمَّةِ عَلَى إِثْبَاتِ رُؤْيَةِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْآخِرَةِ لِلْمُؤْمِنِينَ، وَرَوَاهَا نَحْوُ عِشْرِينَ صَحَابِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَآيَاتُ الْقُرْآنِ فِيهَا مَشْهُورَةٌ، وَاعْتِرَاضَاتُ الْمُبْتَدِعَةِ عَلَيْهَا لَهَا أَجْوِبَةٌ مَسْطُورَةٌ فِي كُتُبِ الْمُتَكَلِّمِينَ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ. وَأَمَّا رُؤْيَةُ اللَّهِ تَعَالَى فِي الدُّنْيَا، وَلَكِنَّ الْجُمْهُورَ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ مِنَ الْمُتَكَلِّمِينَ وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَنَّهَا تَقَعُ فِي الدُّنْيَا.

وَحَكَى الْإِمَامُ أَبُو الْقَاسِمِ الْقُشَيْرِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَعَالَى فِي رِسَالَتِهِ الْمَعْرُوفَةِ، عَنِ الْإِمَامِ أَبِي بَكْرِ بْنِ فَوْرَكٍ أَنَّهُ حَكَى فِيهَا قَوْلَيْنِ لِلْإِمَامِ أَبِي الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَحَدُهُمَا: وُقُوعُهَا، وَالثَّانِي: لَا تَقَعُ، ثُمَّ مَذْهَبُ أَهْلِ الْحَقِّ أَنَّ الرُّؤْيَةَ قُوَّةٌ يَجْعَلُهَا اللَّهُ تَعَالَى فِي خَلْقِهِ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهَا الْأَشِعَّةُ وَلَا مُقَابَلَةُ الْمَرْئِيِّ وَلَا غَيْرُ ذَلِكَ، وَلَكِنْ جَرَتِ الْعَادَةُ فِي رُؤْيَةِ بَعْضِنَا بَعْضًا بِوُجُودِ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الِاتِّفَاقِ، لَا عَلَى سَبِيلِ الِاشْتِرَاطِ، وَقَدْ قَرَّرَ أَئِمَّتُنَا الْمُتَكَلِّمُونَ ذَلِكَ بِالدَّلَائِلِ الْجَلِيَّةِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ رُؤْيَةِ اللَّهِ تَعَالَى إِثْبَاتُ جِهَةٍ لَهُ تَعَالَى عَنْ ذَلِكَ، بَلْ يَرَاهُ الْمُؤْمِنُونَ لَا فِي جِهَةٍ كَمَا يَعْلَمُونَهُ لَا فِي جِهَةٍ. قُلْتُ: كَمَا يَرَانَا هُوَ لَا فِي جِهَةٍ وَلَا مُقَابَلَةٍ وَلَا غَيْرِ ذَلِكَ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا يُقَاسُ الْغَائِبُ بِالشَّاهِدِ، لَا سِيَّمَا الْخَالِقَ بِالْمَخْلُوقِ؛ وَلِذَا قِيلَ: لَا يُقَاسُ الْمُلُوكُ بِالْحَدَّادِينَ.

(وَفِي رِوَايَةٍ) أَيْ عَنْ جَرِيرٍ (قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا) أَيْ جَالِسِينَ ( «عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنَظَرَ إِلَى الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ» ) قَالَ الْأَكْمَلُ: أَيِ الْبَدْرِ الْكَامِلِ، وَسُمِّيَ لَيْلَةَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ بَدْرًا لِمُبَادَرَتِهِ الشَّمْسَ بِالطُّلُوعِ، ( «فَقَالَ: " إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ هَذَا الْقَمَرَ» ) أَيِ: الْمَحْسُوسَ الْمُشَاهَدَ الْمَرْئِيَّ ثُمَّ اسْتَأْنَفَ وَقَالَ أَوْ ذَكَرَ عَلَى سَبِيلِ بَيَانِ الْحَالِ (لَا تُضَامُونَ) بِضَمِّ التَّاءِ وَتَخْفِيفِ الْمِيمِ، مِنَ الضَّيْمِ وَهُوَ الظُّلْمُ. قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ: وَهُوَ الْأَكْثَرُ أَيْ لَا يُظْلَمُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا بِالتَّكْذِيبِ وَالْإِنْكَارِ، وَفِي نُسْخَةٍ: بِفَتْحِ التَّاءِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ، مِنَ التَّضَامُنِ بِمَعْنَى التَّزَاحُمِ، وَفِي أُخْرَى بِالضَّمِّ وَالتَّشْدِيدِ مِنَ الْمُضَامَّةِ، وَهِيَ الْمُزَاحَمَةُ، وَهُوَ حِينَئِذٍ يَحْتَمِلُ كَوْنَهُ لِلْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ، وَحَاصِلُ مَعْنَى الْكُلِّ: لَا تَشُكُّونَ (فِي رُؤْيَتِهِ) أَيْ فِي رُؤْيَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ. قَالَ فِي جَامِعِ الْأُصُولِ: قَدْ يُخَيَّلُ إِلَى بَعْضِ السَّامِعِينَ أَنَّ الْكَافَ فِي قَوْلِهِ: " كَمَا تَرَوْنَ " كَافُ التَّشْبِيهِ لِلْمَرْئِيِّ، وَإِنَّمَا هُوَ كَافُ التَّشْبِيهِ لِلرُّؤْيَةِ، وَهُوَ فِعْلُ الرَّائِي، وَمَعْنَاهُ: تَرَوْنَ رَبَّكُمْ رُؤْيَةً يَنْزَاحُ مَعَهَا الشَّكُّ، كَرُؤْيَتِكُمُ الْقَمَرَ لَيْلَةَ الْبَدْرِ لَا تَرْتَابُونَ فِيهِ وَلَا تَمْتَرُونَ. قَالَ: وَلَا تُضَامُونَ، رُوِيَ بِتَخْفِيفِ الْمِيمِ مِنَ الضَّيْمِ: الظُّلْمُ، الْمَعْنَى أَنَّكُمْ تَرَوْنَهُ جَمِيعُكُمْ لَا

<<  <  ج: ص:  >  >>