يَظْلِمُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فِي رُؤْيَتِهِ، فَيَرَاهُ الْبَعْضُ دُونَ الْبَعْضِ، وَبِتَشْدِيدِ الْمِيمِ مِنَ الِانْضِمَامِ بِمَعْنَى الِازْدِحَامِ أَيْ لَا يَزْدَحِمُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فِي رُؤْيَتِهِ، وَلَا يُضَمُّ بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ مِنْ ضِيقٍ، كَمَا يَجْرِي عِنْدَ رُؤْيَةِ الْهِلَالِ مَثَلًا دُونَ رُؤْيَةِ الْقَمَرِ، فَإِنَّهُ يَرَاهُ كُلٌّ مِنْكُمْ مُوَسَّعًا عَلَيْهِ مُنْفَرِدًا بِهِ، ( «فَإِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ لَا تُغْلَبُوا» ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ لَا تَصِيرُوا مَغْلُوبِينَ ( «عَلَى صَلَاةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا فَافْعَلُوا» ) أَيْ مَا ذُكِرَ مِنَ الِاسْتِطَاعَةِ أَوْ عَدَمِ الْمَغْلُوبِيَّةِ. قَالَ الْقَاضِي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تَرْتِيبُ قَوْلِهِ: إِنِ اسْتَطَعْتُمْ عَلَى قَوْلِهِ: سَتَرَوْنَ بِالْفَاءِ، يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُوَاظِبَ عَلَى إِقَامَةِ الصَّلَوَاتِ وَالْمُحَافِظَ عَلَيْهَا خَلِيقٌ بِأَنْ يَرَى رَبَّهُ، وَقَوْلُهُ: لَا تُغْلَبُوا مَعْنَاهُ لَا تَصِيرُوا مَغْلُوبِينَ بِالِاشْتِغَالِ عَنْ صَلَاتَيِ الصُّبُحِ وَالْعَصْرِ، وَإِنَّمَا خَصَّهُمَا بِالْحَثِّ لِمَا فِي الصُّبُحِ مِنْ مَيْلِ النَّفْسِ إِلَى الِاسْتِرَاحَةِ وَالنَّوْمِ، وَفِي الْعَصْرِ مِنْ قِيَامِ الْأَسْوَاقِ وَاشْتِغَالِ النَّاسِ بِالْمُعَامَلَاتِ، فَمَنْ يَلْحَقُهُ فَتْرَةٌ فِي الصَّلَاتَيْنِ مَعَ مَا لَهُمَا مِنْ قُوَّةِ الْمَانِعِ، فَبِالْحَرِيِّ أَنْ لَا تَلْحَقَهُ فِي غَيْرِهِمَا، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
(ثُمَّ قَرَأَ) أَيِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتِشْهَادًا أَوْ جَرِيرٌ اعْتِقَادًا وَسَبِّحْ، بِالْعَطْفِ عَلَى مَا قَبْلَهُ وَهُوَ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ: {فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا} [طه: ١٣٠] أَيْ وَصَلِّ فِي هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ، وَعَبَّرَ عَنِ الْكُلِّ بِالْجُزْءِ، وَهُوَ التَّسْبِيحُ الْمُرَادُ بِهِ الثَّنَاءُ فِي الِافْتِتَاحِ الْمَقْرُونِ بِحَمْدِ الرَّبِّ الْمُشْتَمِلِ عَلَيْهِ سُورَةُ الْفَاتِحَةِ، وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى مَا بَعْدَهُ وَهُوَ قَوْلُهُ: {وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ} [طه: ١٣٠] أَيْ سَاعَاتِهِ وَهُوَ الْعِشَاءَانِ فَسَبِّحْ {وَأَطْرَافَ النَّهَارِ} [طه: ١٣٠] أَيْ طَرَفَيْهِ وَهُوَ وَسَطُهُ يَعْنِي الظُّهْرَ {لَعَلَّكَ تَرْضَى} [طه: ١٣٠] بِالْفَتْحِ وَالضَّمِّ أَيْ عَلَى رَجَاءِ أَنْ تَكُونَ رَاضِيًا أَوْ مَرْضِيًّا أَوْ جَمْعًا مُثْبَتًا، أَوِ الْمُرَادُ بِالتَّسْبِيحِ تَنْزِيهُ الرَّبِّ عَنِ الشَّرِيكِ وَنَحْوِهِ مِنْ صِفَاتِ النُّقْصَانِ وَالزَّوَالِ وَالْحُدُوثِ وَالِانْتِقَالِ، وَالْمُرَادُ بِحَمْدِهِ ثَنَاءُ الْكَمَالِ بِنَعْتِ الْجَمَالِ وَوَصْفِ الْجَلَالِ. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) . وَفِي الْجَامِعِ: رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالشَّيْخَانِ وَالْأَرْبَعَةُ عَنْهُ، لَكِنْ بِغَيْرِ قِرَاءَةِ الْآيَةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute